شعار قسم مدونات

البنك الدولي.. هل يساعد على ارتفاع ديون الدول؟

blogs البنك الدولي
البنك الدولي يعود مرة أخرى من خلال تقريره هذا ويحاول أن يُظهر لنا أنه حيادي (رويترز)

بين حين وآخر أحب أن أكتب في الاقتصاد وهو تخصصي ومجالي، خاصة حين تستفزني بعض تقارير البنك الدولي التي أتابعها باستمرار، في الحقيقة فإن معظم تقاريره تنطوي على غرابة تشبه فيما تشبه حال القاتل الذي يمشي في جنازة القتيل، لكن بعضها يأتي وهو ينطوي على كم هائل من الغرابة والاستفزاز مقارنة بغيرها، فقد نشر البنك الدولي في العاشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تقريرا حمل عنوان "شفافية الديون في البدان النامية" ينطوي على خطورة بالغة في ما يخص البلدان الأشد فقرا، وهو يتعلق بالغموض الذي ما زال يلف الديون التي تقترضها هذه البلدان، وأن هذا الغموض إن استمر على حاله هذا فإنه سيشكل خطرا إضافيا على شعوبها المعدمة.

في الحقيقة إن البنك الدولي ما زال خجولا هو أيضا بشأن تقاريره التي يصدرها كل حين عن زبائنه من هذه البلدان الفاسدة التي تعدّ مفضلة لديه كونها تنفذ كل شروطه التي تتمحور حول إفقار الشعوب من أجل هدف يبدو مخفيا بشكل محكم وهو ضمان أمن دولة الكيان الصهيوني لأطول أمد ممكن، فنجده يصدر تلك التقارير التي لا تدين أنظمة تلك البلدان وحكوماتها الفاسدة بقدر ما تكون شبه حيادية بالكامل تتحدث بلغة غير مفهومة بالمرة إلا للنخب الاقتصادية.

ولكن ما يقلق أكثر هو أن التقرير ذكر بشكل موارب أن الديون بلغت مستويات مرتفعة إلى حد خطير في هذه البلدان الأشد فقرا، كما أنه ذكر أيضا أنه زادت معها تلك الفجوات التي تزيد صعوبة تتبع آليات هذه الديون، وهذا يعني أن انعدام الشفافية حول تتبع هذه الديون سيجعل من مسألة إعادة هيكلتها وخدمتها غاية في الصعوبة خاصة أن هذه البلدان فوق ذلك خرجت أكثر ضعفا وهشاشة بعد جائحة كورونا، لكن البنك الدولي يغفل في دراساته هذه عن أن سياساته النقدية بشأن المدين تساعد مساعدة كبيرة على تغذية الفساد والفاسدين في هذه البلدان الفقيرة المعدمة وعلى التستر عليهم، في حين تعاني الشعوب الأمرّين من أجل البقاء ومن أجل الحصول على كفاف العيش.

يقول التقرير أيضا إن 40% من هذه البلدان الفاسدة والأشد فقرا، ومن ضمنها طبعا كل بلداننا العربية بلا استثناء، لم تنشر أي بيانات عن ديونها منذ بدء جائحة كورونا، وهذا يعني أمرا واحدا فقط بعيدا عن اللغة الصعبة والمصطلحات الاقتصادية المواربة التي يستخدمها التقرير هو أنه رغم معاناة شعوب هذه البلدان جراء الجائحة فإننا كما يبدو نجد أن الفاسدين زادوا شراسة وتغوّلا أكثر من أي وقت مضى.

ذكر التقرير أيضا أن البنوك المركزية في هذه البلدان الفاسدة الأشد فقرا تستخدم سياسات نقدية غير واضحة في ما يتعلق باستدراج الديون، كما أن الاقتراض ليس محددا بوضوح في القوائم المالية لهذه البنوك المركزية، والأخطر من ذلك أنها لا تسجله في قواعد بيانات المؤسسات المالية الدولية، وهذا يساعد على أن تبقى تلك الديون وسياساتها وخدمتها وهيكلتها وكل ما يتعلق بها في طي من الغموض والكتمان، وهذا ما يعدّ بيئة مثالية للفساد برعاية البنك الدولي ومؤسساته.

لكن البنك الدولي يعود مرة أخرى من خلال تقريره هذا، ويحاول أن يُظهر لنا أنه حيادي حين يقول إنه يرى منذ مدة طويلة أن شفافية الديون خطوة بالغة الأهمية من أجل نجاح التنمية في البلدان المعنية، لأن الشفافية تجذب الاستثمارات وتساعد على القضاء على الفساد، لكن السؤال الكبير الذي نوجهه للبنك الدولي: لماذا يستمر في تقديم القروض لهذه البلدان رغم أن الفساد ما زال ينخر في جسدها؟ الجواب واضح تماما، هو أن البنك يريد لهذا الفساد البقاء والتمدد والتبجح أكثر فأكثر ما دام هو الراعي الرسمي لإفقار الشعوب وتجويعها وقهرها وكبتها وتدمير البلاد والأوطان وجعلها أكثر هشاشة وضعفا وتفككا، وكل ذلك طبعا في سبيل الحفاظ على أمن وأمان وسلامة الكيان الصهيوني من بطش الشعوب العربية الرافضة لوجوده بينها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.