شعار قسم مدونات

قوارير متصدعة.. مصير محتوم

بانقضاء مهلة إعلان حفتر انسحابه من مصراتة.. أي مصير ينتظر المدينة؟
حين استشهد جارنا، أمطرت السماء وضحكنا من الطائرات التي لا تصمد أمام الرياح والمطر (الجزيرة)

علا صوت اصطدام جناحي الملَكين من وراء السحب الصافية التي استحالت غيوما سوداء محملة بالمطر. كانت السماء ترعد وتبرق. رفعت زينب رأسها، فتبلل وجهها بقطرات المطر. يبدو أن هناك حركة في السماء، كأن الملائكة اليوم في شغل شاغل! قالت مخاطبة صديقتها التي وضعت القبعة على رأسها، واحتضنت حقيبتها المدرسية؛ خشية على كتبها.

ضحكت نور: هل تقصدين أن السماء أفرغت ثقلها وماءها لازدحامها اليوم بالملائكة، أخافت أن تسقط علينا، فضحت بقطرات المطر؟!

– لربما تستعد لشيء ما، فأنزلت أمطارها؛ لتروي ظمأ الأرض وتطفئ لهيب قلوب الناس.
أتذكرين حين استشهد والد صديقتنا فاطمة، امتلأت السماء بالغيوم هكذا، وأمطرت، حتى أن الأرض أصبحت مياهها كالنهر تجري.

– نعم، كذلك حين استشهد جارنا، أمطرت السماء، وضحكنا من الطائرات التي لا تصمد أمام الرياح والمطر.

– كم هو مؤسف ما حصل لفاطمة وإخوتها، افترقت عن والدها في سن صغيرة، والآن بقي القليل للتخرج من الثانوية، وتلتحق بالجامعة.

– أتدرين، أنا متحمسة جدا. أعتقد أن فاطمة ستحصل على معدل جيد، رغم معاناتها من زوجة عمها وبناتها، أصبحت لديهن خادمة، تقع كل أعمال البيت على عاتقها، دائما ما تنهرها وتشتمها، ويعيرنها بوالدتها التي زوجت قسرا بعد وفاة زوجها؛ كي لا تقع تحت اسم أرملة.

– نعم، تحولت حياتهم الوردية إلى رمادية، كل الوعود التي أطلقها عمها بتعهده بأبناء أخيه ورعايتهم كانت كاذبة، ضمهم تحت جناحه طمعا بأموالهم.

– نعم، هذا صحيح، والآن حان وقت الافتراق، نلتقي غدا في المدرسة.

توجهت زينب شرقا حيث يقع منزلها، كانت هناك ضجة كبيرة، وأناس كثر متجمهرون أمام بيتها، والباب مفتوح على مصراعيه.

تجمّدت قدما زينب، وغرقت في صور لا تدري كيف استدعتها ذاكرتها: والد فاطمة، والجار في نفس الحي. هذا غير معقول، قالت في نفسها، ثم أطلقت قدميها وركضت داخل البيت.

كانت أمها تبكي، والنساء ملتفات حولها. تركت أمها وذهبت حيث يوجد عمها، كان والدها مسجى على لوح خشبي، رأسه مضمد من الخلف، رصاصة واحدة استقرت في دماغه كانت كفيلة بإنهاء حياته، إخوتها ملتفون حوله، يبكون والدهم.

انتهت أيام العزاء، وأصبح البيت خاويا، باردا، تشوبه مسحة الحزن واليتم، قطع هذا الصمت سؤال زينب: أمي، هل ستتزوجين، ونذهب للعيش عند عمي؟

نظرت الأم لابنتها التي اندهشت من وقع السؤال، صمتت لدقائق، بينما كان قلب الصغيرة يدق خوفا، ثم ابتسمت كعادتها بدفء وقالت: لن يفرقنا سوى الموت، لن أترككم أبدا، وسأذهب غدا معك للتسجيل في الجامعة، تمنيت لو كان والدك معنا، لأفتخر بتميزك.

في اليوم التالي، توجهت زينب وأمها إلى المقبرة، قبل الذهاب للجامعة، كانت هناك فاطمة تجلس بجوار قبر أبيها، هنأنها على معدلها العالي ومرتبتها المتقدمة، سألت زينب: بأي فرع قررت الالتحاق؟

ابتسمت فاطمة ابتسامة مرة، وقالت: فرع الحياة الزوجية، وتربية الأبناء. أعدتني زوجة عمي جيدا لمثل هذا اليوم، اليوم سيأتي أبو سعيد وابنه لطلبي للزواج، والموافقة موجودة مسبقا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.