شعار قسم مدونات

بين موسيقى الغرب ودندنات الشرق

الموسيقى الماليزية تكافح في زمن كورونا
تلك الموسيقى التي لا تفقدك إرادتك ولا تهذب أخلاقك هي موسيقى رديئة (الجزيرة)

سألني أحدهم متعجبا "أين موطن الجمال في الموسيقى الغربية الكلاسيكية؟! هل هي حقا جميلة أم الجمال نسبي؟

ثم أضاف قائلا "لا أعلم لماذا نالت شهرة لا تستحقها، لا يوجد بها جمال ولا إبداع". ويرى أن الموسيقى العربية الكلاسيكية تتفوق عليها كموسيقى أغنية "قارئة الفنجان" و"أنت عمري".

ولكنني أرى أن عدم اكتشافك موطن الجمال لا يعني أن الموسيقى الغربية الكلاسيكية رديئة أو تلك التي أعتدنا عليها أفضل. فالإنسان صديق لما تعود عليه، وعدو ما يجهل، ويكره ما لا يستطيع فهمه.

لستُ متعصبا للموسيقى الغربية الكلاسيكية، ولكن من خلال تذوقي للموسيقى والفنون وجدتُ أن هناك موسيقى محدودة الخيال، وهناك موسيقى عميقة وواسعة الخيال يصعب اكتشافها، ولا أشك أن موسيقى "بيتهوفن" و"تشايكوفسكي" و"موزارت" لا يمكن اكتشاف موطن الجمال فيها منذ الوهلة الأولى، فالموسيقى الغربية الكلاسيكية تُذهب عقلك ولا تستطيع إدراكها، إنها تفقدك إرادتك وتجعلك عبدا لها، وتأسرك تماما وتسيطر عليك، وتسبح معها، وتأخذك إلى عوالم أخرى خفية.

الموسيقى التي لا تفقدك إرادتك ولا تهذب أخلاقك هي موسيقى رديئة، مهما كان مؤلفها، وتؤكد هذا شهادة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب

إنك لا تقول شيئا، ولكنها تجعلك تشعر وتفكر بما تود أن تقوله دون أن تتكلم.

إنها مليئة بالغموض غير المتكلف، وإنها موسيقى وجودية كونية، موسيقى مليئة بالنقاء كموسيقى "موزارت".

تلك الموسيقى التي لا تفقدك إرادتك ولا تهذب أخلاقك هي موسيقى رديئة، مهما كان مؤلفها، وتؤكد هذا شهادة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مؤلف موسيقى "أنت عمري" الذي كتب يعبر عن وجهة نظره تجاه الموسيقى الغربية وتحديدا الكلاسيكية، ويعبر عن رد فعله الصارخ على الموسيقى العربية فيقول:

الموسيقى الغربية تخاطب العقل والموسيقى الشرقية تخاطب الغرائز

عندما أسمع موسيقى غربية أشعر أن الوقت ليس له قيمة عندي، وعندما أسمع موسيقى عربية -أو بمعنى آخر غناء عربيا- أشعر أن الوقت له قيمة عندي. فعندما أسمع الموسيقى الغربية فأنا أمام عمل وبناء موسيقي هندسي معماري، فالجملة التي اختارها المؤلف لعمله الموسيقي أتابعها، وأحاول أن أفهم كيف لعب بها، وكيف فكها ثم جمعها، وكيف احتفظ بملامح الجملة في كل العمل الذي أسمعه، وكيف يفاجئني، وكيف يرتفع بي، وكيف يهبط بي. إنني أستمع وأنا مشدود ومأخوذ؛ لذلك لا أحس بالوقت، فالوقت لا قيمة له، كأنني أستمع إلى قصة وأشعر أنني مشدود لأعرف بدايتها ونهايتها.

وعندما أسمع غناء عربيا، فالجملة الواحدة تتردد 10 مرات أو 20 مرة بنفس اللحن ونفس الطريقة، لا جديد، ولا علم، ولا إضافة، ولا هندسة، ولا بناء، ولا مفاجأة. عند ذلك أحس بالوقت وقيمته.

اللهم إلا إذا كان يوجد صوت خارق يضيف بعض التطريز الذي يشجعني على البقاء قليلا. هذا هو الفرق، فما العلاج؟ إنه العلم، العلم، العلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.