شعار قسم مدونات

المشهد السياسي والانتخابي في العراق

ما زالت الانتخابات في العراق تعاني الكثير من الإخفاقات والنقص في منظومة العملية الانتخابية إضافة إلى أنها تعاني من ظاهرة الانقياد الجماعي (الجزيرة)

 

يستعد العراقيون لخوض خامس تجربة انتخابية منذ عام 2005، والتي تكتسب أهمية خاصة هذه المرة كونها انتخابات مبكرة جاءت بعد احتجاجات واسعة اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 قتل فيها المئات من المتظاهرين وأصيب الآلاف منهم للمطالبة بإصلاح الأوضاع. إن الانتخابات المبكرة كان يفترض أن تقام بعد المظاهرات أو خلالها، وليس قبل 6 أشهر فقط من موعد الانتخابات الطبيعي. وإن التأخير كان مقصودا، لمنح الكتل التقليدية فرصة لاستيعاب الزخم الشعبي ضدها، ولكي تقوم مفوضية الانتخابات العراقية بجهود فنية ولحث الناخبين على المشاركة، من خلال حملات إعلامية مسنودة بتصريحات المسؤولين العراقيين الكبار التي تحث على المشاركة في الانتخابات. وصرحت مفوضية الانتخابات في العراق "بأن الجولة الانتخابية (التي تجري اليوم الأحد، العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021) يتنافس فيها 21 تحالفا سياسيا، فيما يبلغ عدد الأحزاب المشاركة 167، منها 58 ضمن التحالفات، ويتنافس 3 آلاف و249 مرشحا بينهم 951 امرأة" من المفترض أنهم ملزمون بمدونة السلوك الانتخابي.

لماذا نختار الانتخابات؟

تعتبر الانتخابات من أفضل الأدوات الديمقراطية التي حاول المفكرون تقديمها للمجتمعات لإتاحة الفرصة للفرد بأن يسهم بشكل أو بآخر بعملية صناعة القرار السياسي وتحديد الحاكم ومحاسبته. نعم، الانتخابات قد لا تحل جميع المشاكل والتحديات المتراكمة بصورة سريعة لكن بالإمكان نمو القوى الوطنية بالانتخابات إذا كان قرارا شعبيا، وكلما كان الزخم أقوى نمت هذه القوى بشكل أسرع.

إلا أنه مع الأسف ما زالت الانتخابات في العراق تعاني الكثير من الإخفاقات والنقص في منظومة العملية الانتخابية، إضافة إلى أنها تعاني من ظاهرة الانقياد الجماعي لمعظم الناخبين لصالح أفراد محددين يستخدمون الأيديولوجيات الدينية أو العرقية الإثنية لدفعهم نحو تحقيق مصالح فئوية ضيقة.

 

بعد خطاب المرجعية

انفتح باب الصراع الانتخابي على مصراعيه على خلفية البيان الذي أصدرته المرجعية العليا في النجف الأشرف والذي حثت فيه الناخبين على المشاركة الفعالة في الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها غدا الأحد، إذ أوضحت أنها " تشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي".

ويجزم مراقبون بأن خطاب المرجعية سيسهم في رفع منسوب المشاركة إلى مستويات مقبولة، بالرغم من أن آخرين يعتقدون أن الخطاب سوف يصب بمصلحة الأحزاب الإسلامية التقليدية، وذلك لأن من يستمع إلى خطاب المرجعية ويقتدي بها هم من المتدينين الشيعة وتوجهاتهم إسلامية، ولهذا السبب فإن الأحزاب الإسلامية ستكون هي المستفيدة.

إن كل ما تضمنته رسالة المرجعية مهم، خاصة تنويهها بأن المرجعية لا تؤيد ولا تقف مع آية كتلة انتخابية أو مرشح، وبذلك سدت الطريق أمام من يدّعون قربهم من المرجعية ودعمها لهم.

ويفترض أن مثل هذه الرسالة تشجع الناخبين العراقيين على المشاركة في التصويت، خاصة أن خطاب المرجعية موجه لكل العراقيين بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وأطيافهم، إذ لم تعنون الرسالة مثلا إلى المسلمين أو الشيعة أو السنة أو المسيحيين ولم تخص بالذكر العرب أو الكرد أو التركمان، ولهذا تحمل هذه الرسالة توجها وطنيا بحتا.

 

ما الجديد في القانون الانتخابي المعدل؟

إن أبرز التغييرات في القانون الانتخابي الجديد هو تقسيم المحافظة الواحدة إلى أكثر من دائرة انتخابية، إضافة إلى اعتماد الترشيح الفردي، حيث يكون الفوز بالمقعد بحسب عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح، وليس بالاعتماد على أصوات القائمة التي ينتمي إليها كما في السابق، ونعتقد أن التغيير سيكون طفيفا، بسبب تعقيدات كثيرة في المشهد السياسي وترسيخ الأحزاب وآلتها الإعلامية وخبرتها مقارنة بالقوى الجديدة الصاعدة. وإن القانون الجديد لا يغير الخارطة السياسية، وإنما سيغير آلية اختيار المرشحين.

وإن القانون الانتخابي الجديد لم تشارك "قوى أكتوبر/تشرين الأول" (قوى الحراك الشعبي) في إعداده ويستحيل أن يستفيدوا منه، لأنهم موزعون على المحافظات وليسوا مجتمعين في الدوائر الانتخابية، كما أن المال السياسي والسلطة لدى الأحزاب الكبيرة، وهي التي رسمت خارطة تضمن بقاءهم في المشهد.

 

من يذهب نحو مقاطعة الانتخابات؟

كل الذين يذهبون باتجاه المقاطعة للانتخابات، هم ليسوا ضد الانتخابات كمفهوم ديمقراطي، بل هم ضد وجود الممارسات غير ديمقراطية وضد مجموعة عناصر تشوه المفهوم الديمقراطية العملي للعملية الانتخابية والنظام الديمقراطي بأكمله، وأهمها السلاح المنفلت وتزوير الانتخابات وغياب الأمن الانتخابي وعملية الإقصاء فضلا عن أسباب كثيرة تتعلق بمفهوم الدولة وتعديل الدستور والقضايا المطلبية. وهذه وجهة نظر محترمة، لكن السؤال الأهم هو من سينفذ هذه المطالب؟ كما أن العملية الانتخابية يحدد نتائجها المشاركون وليس المقاطعون، كما أن المجتمع الدولي يتعامل مع الحكومة كجهة شرعية ناتجة عن انتخابات ممثلة للشعب.

 

ما الجديد في هذه الانتخابات؟

  • إضافة إلى القانون، فإن الشيء الجيد في هذه الانتخابات هو أن ديناميات المنافسة انتقلت من كونها بين المكونات إلى داخل كل مكون، مما سمح بترك الاعتبارات الطائفية والعرقية لمزيد من الاعتبارات السياسية.
  • في الوقت الحالي، من السهل جدا رؤية كتل من مكونات مختلفة تجد أنها أقرب إلى بعضها البعض من الكتل الأخرى من نفس المكون، وهو أيضا تطور إيجابي قد يجعل من المرجح أن نرى نجاح المشروع متعدد المكونات في العراق.
  • لكن وبقراء دقيقة، نرى أنه لا شيء يضمن أن هذه الأحزاب داخل المكونات لن تعود مرة أخرى بعد نتائج الانتخابات على أساس طوائفها، فإن مثل هذا النضج السياسي لم يأت بعد لأن اللاعبين الرئيسيين لديهم نفس العقلية منذ عقدين من الزمن. مع صعود الخطاب التنافسي بين المرشحين.

 

هيمنة الأحزاب الحاكمة ومستقبلها السياسي

ثمة تكهنات تشير إلى أن الأحزاب الحاكمة ستتراجع لتحل محلها قوى سياسية جديدة ومرشحين مستقلين، متناسين أن النظام الانتخابي الجديد يرجح كفة الأحزاب المنظمة التي لديها قواعد جماهيرية راسخة، لذا فمن المرجح أن تكون الأرجحية للأحزاب الحاكمة مع نجاح محدود لبعض الأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة ولكن دون تأثير يذكر على المعادلة الأساسية الحالية.

ومن الأرجح تصدر التيار الصدري -بزعامة الصدر- الأحزاب الشيعية، تليه كتلة الفتح بزعامة العامري، ثم كتلة قوى الدولة الوطنية بزعامة الحكيم ودولة القانون بزعامة المالكي، لتحصل هذه الكتل الأربعة على حصة الأسد من المقاعد الشيعية والمتمثلة بأكثر من 140 مقعدا، في حين ستتقاسم الأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة ما يتبقى من المقاعد الشيعية المتمثلة بنحو 38 إلى 40 مقعدا.

وهناك فريقان يتنافسان لتصدر المشهد السني هما تحالف "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي وتحالف "العزم" برئاسة خميس الخنجر، تنافسهما بعض الكتل المحلية في صلاح الدين والموصل، في حين ستحتدم المنافسة في بغداد وهي الدائرة التي تحسم الخارطة السنية. ولا يوجد أي تغيير يذكر في المشهد الكردي، حيث الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف كردستان الذي يجمع الاتحاد الوطني الكردستاني بحركة التغيير هما المتنافسان الأبرز.

 

سباق الرئاسات

يرى رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين "أنه من المتوقع عودة الأحزاب الحاكمة لمجلس النواب مع تفاوت طفيف في عدد المقاعد زيادة أو نقصان للكتل، ويبقى الصراع الدائر على المناصب والرئاسات الثلاث ثابتا وينحصر بين القوى التقليدية على هذه المناصب".

والمنافسة على موقع رئاسة الجمهورية محصورة بين القوى الكردية ومن الأرجح ألا يكون هناك تغيير في هذه المعادلة، حيث إن الاتحاد الوطني سيحتفظ بمنصب رئيس الجمهورية. وقد قال القيادي في الاتحاد الوطني خالد شواني -بتصريح متلفز في 13 أغسطس/آب 2021- إن "بافل طالباني أعلن أن برهم صالح هو المرشح الرسمي للاتحاد الوطني لرئاسة الجمهورية.

وإن المنافسة على موقع مجلس النواب مرتبطة بما سيحصل في المشهد الانتخابي السني ونسبة المقاعد السنية لتحالفي تقدم وعزم. ويعتقد مراقبون أن رئيس مجلس النواب الحالي هو الأوفر حظا بالفوز مرة ثانية برئاسة البرلمان بالرغم من وجود معارضة قوية من قبل كتل سنية أخرى وبعض الكتل الشيعية التي لا ترغب بتجديد ولايته.

أما المنافسة الأشد والأشرس فستكون على منصب رئيس مجلس الوزراء، كون أغلب الكتل المنافسة أعلنت عن رغبتها بالاستحواذ على المنصب مثل الكتلة الصدرية ودولة القانون وتحالف فتح. وطبقا للتجارب السابق هنا سنكون أمام مشهد معقد لاختيار رئيس مجلس الوزراء وطريق وعر يؤدي إلى انسداد الجدال والنقاش لينتهي في نهاية المطاف بالاتفاق على مرشح توافقي.

 

التوقيتات الدستورية

اليوم الأحد -الذي يصادف العاشر من أكتوبر/تشرين الأول- هو يوم الاقتراع، ويجب على المفوضية إعلان النتائج الأولية خلال 24 ساعة حسب المادة 38 أولا من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020. وتنص نفس المادة على إجراء العد والفرز اليدوي لمحطة واحدة لكل مركز وفي حالة عدم تطابق نتائج العد والفرز اليدوي مع الإلكتروني يتم إعادة الفرز والعد اليدوي لكل محطات هذا المركز، بالإضافة إلى اللجوء إلى العد والفرز اليدوي لكل طعن.

وطبقا لهذا النص، فإننا سنكون أمام إعلان النتائج الأولية غدا الاثنين 11 أكتوبر/تشرين الأول، وانتظار العد والفرز اليدوي للمحطات وفق القانون وحسب الطعون المقدمة. وفي حالة تبني العد والفرز اليدوي لكل الدوائر فسنكون أمام تأخير قد يمتد إلى شهرين على أقل تقدير.

وبعد إعلان النتائج الأولية، تتولى المفوضية البت في الطعون والشكاوى، وقد يستغرق ذلك مدة أسبوعين على أقل تقدير، مما يعني إرسال النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها في 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ومن المتوقع أن تصادق المحكمة الاتحادية على النتائج بشكل سريع، وبعدها يتم إرسال المصادقة لرئيس الجمهورية، حيث تنص المادة الـ54 من الدستور على أنْ "يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال 15 يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الأعضاء سنا لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لأكثر من المدة المذكورة آنفا".

ومن الممكن أن تكون المصادقة وإصدار المرسوم الجمهوري لا تتجاوز 10 أيام، مما يعني أن الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني هو موعد الجلسة الأولى لمجلس النواب.

وتنص المادة الـ76 من الدستور أولا على تكليف رئيس الجمهورية لمرشح الكتلة الأكبر خلال 15 يوما من انتخابه كرئيس للجمهورية، مما يعني تكليف مرشح رئيس الوزراء ما بين 14 و29 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وتعطي المادة الـ76 ثانيا رئيس مجلس الوزراء المكلف 30 يوما لتسمية أسماء وزارته، مما يعني تشكيل الحكومة القادمة منتصف فبراير/شباط المقبل.

 

مشهد ما بعد الانتخابات

لن يتغير المشهد الانتخابي مـا بعد الانتخابات كثيرا عما نراه اليوم من حيث التشكيلة المحاصصاتية للمكونات، فرئيس الجمهورية كردي، ورئيس مجلس النواب سني، ورئيس مجلس الوزراء شيعي. أما تشكيلة الحكومة فإن زمن التكنوقراط والمستقلين قد انتهى، فالأحزاب الحاكمة عازمة على ترشيح قيادييها من الخط الأول لتسلم الوزارات التابعة لها، ما يعني أن رئيس مجلس الوزراء القادم سيكون أمام صقور الأحزاب.

كما أن على الأحزاب المشاركة في تشكيل المشهد الحاكم أن تعمل على إجراء الإصلاحات المنتظرة وخصوصا الإصلاح الاقتصادي، حيث إن الأزمات الخانقة باتت تعصف بالطبقات الفقيرة في المجتمع وازدياد نسب البطالة ومعدلات الفقر، والتي قد تولد حراكا جماهيريا جديدا أكبر وأشرس من حراك أكتوبر/تشرين الأول الماضي ليدفع نحو الانهيار على حين غرة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.