شعار قسم مدونات

حركة حماس وقضايا المنطقة العربية

10.	مهرجان انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الحادي والثلاثين. (مصدر الصورة: مجموعة انطلاقة حماس 31 الإعلامية على الواتساب).

تعيش حركة حماس ظروفا سياسية صعبة منذ بدء ثورات الربيع العربي، إذ لم تتمكن من الإبقاء على تحالفها مع ما كان يعرف بـ"محور المقاومة والممانعة" بعدما انخرط في مواجهة الثورة السورية، فيما لم يكتمل تشكل محور "الربيع العربي" الذي راهنت عليه، ولم تقدم الدول السنية "الصديقة" للحركة ما يكفي من احتياجاتها للصمود في وجه العدوان والحصار الإسرائيلي. وهو ما دفعها في السنوات الثلاث الأخيرة إلى محاولة ترميم علاقتها بحلفائها القدامى؛ إيران وحزب الله، بل وإرسال رسائل إيجابية إلى النظام السوري.

 

وأثارت هذه المواقف التي تجدد التحالف مع "محور المقاومة"، وما زالت تثير، الكثير من الجدل، بين شعوب المنطقة، التي تشكل الحاضنة الطبيعية للحركة، ذلك أن ما كان يسمى بمحور المقاومة والممانعة، انحرفت بوصلة أطرافه الشيعية لتخوض معركة كسر عظم في مواجهة مساعي شعوب عربية وإسلامية للحرية والنهوض من واقع التخلف والاستبداد الذي رزحت تحته منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، وبهذا الفعل اكتسبت هذه الأطراف صبغة طائفية طغت على الصبغة والدور السابق والذي كان يعطي الأولوية لمواجهة الاحتلال. وهذا معطى لا يمكن القفز عنه بسهولة، أو إغماض العينين عنه.

 

وفِي الوقت الذي تدور فيه معركة سياسية وإعلامية وعسكرية للتحرر من الاستبداد والفساد الذي لا يختلف كثيرا عن الاحتلال، وتشغل المعركة على الرواية بخصوص حقيقة هذا الصراع الفضاء العام، لا يسع حركة تحرر وطني، كحركة حماس، أن تكتفي بذكر إيجابيات الطرف الذي يتولى كبر وأد مساعي التحرر هذه. إذ أن هذا الفعل في جوهره انحياز للطرف الظالم وتعزيز لروايته التي تديم ظلمة وتعينه على الاستمرار في جرائمه. والمقاومة حرب من أجل الحرية، ولا تنجح دون أن تكون روح الحرية متقدة في نفوس أبنائها وأنصارها. والتحرير هو جلب الحرية للناس قبل الأرض، وجالب الحرية لا يمكن إلا أن يكون حراً ومبشّرا بالحرية، ففاقد الشيء لا يعطيه.

تحرير فلسطين لا يتم إلا بتحرر شعوب المنطقة، وببنائها دولا وأنظمة تعبر عن نبضها وتحمل همومها. وإن الرهان الرابح هو الرهان على هذه الشعوب وإن طال الزمن وقست المحن

وصحيح أن حماس في ظروف بالغة الصعوبة، وبحاجة ماسة إلى الإسناد السياسي والعسكري والمالي، إلا أن مسار إعادة التماهي مع هذا المحور، قبل أن يتراجع عن معركته مع حاضنة الحركة السنية، هو بمثابة وصفة للانتحار السياسي، ولتجفيف جذور الحركة من أرض المنطقة. تحتاج حماس إلى مزيد من الصبر على الموقف الأخلاقي السليم إلى حين تحسن البيئة السياسية في المنطقة، وحينها يتكامل تقدمها ونمو فعلها مع تقدم شعوب المنطقة وقواها الحية. وهو تقدم تظهر بشائره، وتنضج ظروفه بفعل حرارة المعاناة التي تذوقها هذه الشعوب. كما أن تقدم دور تركيا الإقليمي، وعملها على سد الفراغ الذي يتركه التراجع الانخراط الأمريكي في المنطقة، بل وتزايد جرأتها في مواجهة المواقف الأمريكية والغربية، يوفر أفقًا واعدا لدور الحركة، وفرصة لاستعادة توازن علاقاتها الإقليمية.

 

إن تحرير فلسطين لا يتم إلا بتحرر شعوب المنطقة، وببنائها دولا وأنظمة تعبر عن نبضها وتحمل همومها. وإن الرهان الرابح هو الرهان على هذه الشعوب وإن طال الزمن وقست المحن. أما الرهان على القوى والأنظمة المستبدة فهو رهان خاسر، وأطرافه واهية منخورة البنى وخائرة القوى، وهذه عبرة علمنا إياها التاريخ حديثه وقديمه. وكانت آخر دروسه تهاوي أنظمة عديدة في المنطقة، بعدما ظنت كل الظن أنها تستطيع فعل ما بدا لها بشعوبها.  وختاما فإن جوهر عمل حركة التحرر هو حشد الطاقات خلف قوة الحق في مواجهة حق القوة، ويقود الإخلال بهذا المنطق إلى إبطال الدافع الأساسي لوجود وعمل هذه الحركات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.