شعار قسم مدونات

السمك والشاي يفضحان جشع السلطة في لبنان

Commemoration ceremony for the victims of massive blasts şn Beirut

بدأت الحكاية بغضب لطيف عبّر عنه أحد المغردين، فطالب بتغريدة بحصته من السمك الذي وصل مساعدة إلى للبنان. فدولة موريتانيا في أعقاب تفجير مرفأ بيروت، وأسوة بالكثير من الدول الأخرى، قدمت للبنان ما تستطيع من مساعدات ودعم لمساندته في الأزمة التي حلّت به. وبما أن موريتانيا بلد ذو قدرات متواضعة، ولا يملك ثروات نفطية وفوائض مالية، واستشعاراً منها بالواجب الأخلاقي والإنساني، فإنها قدّمت 12 طناً من السمك، وكان من المنطقي أن تصل المساعدة الموريتانية على بساطتها إلى الأهالي المتضررين من تفجير مرفأ بيروت، الذين باتوا في الشارع، لا يجدون قوت يومهم، وكان منتظراً أن تتولى منظمات المجتمع المدني أو أي جهة معنية استلام السمك وطهوه لهم. خاصة أننا نتحدث عن أسماك لا تحتمل التخزين والتأجيل، ولا منطق في تخزينها وتأجيل استهلاكها في ظل حاجة وعوز المتضررين من الانفجار. لكن المفارقة أن الأسماك الموريتانية اختفى أثرها ولم تصل لأحد.

 

وبما أن اللبنانيين يعيشون كل يوم أزمة جديدة ومأساة جديدة ومعاناة جديدة، فإنهم نسوا أمر الأسماك ولم يخطر ببالهم السؤال عن مصيرها، وفي معدة من استقرت. لكن مغرّداً محبّاً للسمك أصر على الحصول على حصته من السمك، وطالب أقلّه بمعرفة مصير 12 طن من الأسماك التي لم يظهر لها أثر، واحتل هاشتاغ "أريد سمكتي" الذي أطلقه المغرّد مراكز متقدمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتناولته وسائل الإعلام اللبنانية والدولية، خاصة بعد تفاعل وانضمام كثير من الشخصيات والمؤثرين للحملة، الذين طالبوا السلطة اللبنانية بالكشف عن مصير الأسماك المقدمة من موريتانيا.

 

هذا الضغط الإعلامي والشعبي اضطر قيادة الجيش لإصدار بيان رسمي أعلنت فيه أنها تسلمت شحنة الأسماك الموريتانية وقامت بتخزينها، وأنها "تتواصل مع الجمعيات التي تقوم بطهي الطعام لطهو السمك وتوزيعه على متضرري انفجار مرفأ بيروت". بالطبع لم يكن البيان مقنعاً لأحد، بل كان محاولة للخروج من الحرج الذي تسببت به إثارة الموضوع. فلا منطق في تخزين السمك وتأجيل الاستفادة منه، وربما لو لم تتم إثارة الموضوع لما وصلت رائحة السمك لأحد.

أهمية المطالبة بمعرفة مصير السمك الموريتاني والشاي السيلاني لا ترتبط بقيمة هذه المساعدات وفائدتها، بل بكشفها وفضحها جشع من في السلطة الذين لم يملّوا من سرقة ونهب اللبنانيين

النجاح الذي تحقق في معرفة مصير السمك الموريتاني شجّع اللبنانيين لخوض غمار تحدّ جديد، وهو معرفة مصير 1675 طن من الشاي السيلاني قدمته دولة سريلانكا للبنان، ولم يظهر أثر له في المساعدات المقدمة للفقراء المُعدمين المتضررين من انفجار مرفأ بيروت، فانطلق هاشتاغ "أين السيلاني" ليحتلّ بدوره مراكز متقدمة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويلقى تضامناً وتفاعلاً كبيراً كما حصل مع هاشتاغ "أريد سمكتي". السلطة هذه المرة تجنّبت تحميل وزر اختفاء المساعدة السريلانكية للجيش منفرداً، فتعاون في حمل العبء رئيس الجمهورية.

 

فتذكر فخامته بعد أسابيع من وصول الشاي المقدم من سريلانكا، وبعد الضغط الذي أحدثه السؤال عن مصيره، تذكر أن يتقدم بالشكر لدولة سريلانكا، وأن يعلن القصر الرئاسي بأن الشاي موضوع المساعدة تمّ توزيعه على عائلات الضباط في لواء الحرس الجمهوري. لم يفهم اللبنانيون من سمح للقصر الجمهوري بالتصرف بمساعدة مقدمة للتخفيف عن المتضررين من تفجير مرفأ بيروت، ولم يفهموا بأي حق يقوم القصر الرئاسي بحرمان الفقراء المتضررين من تفجير المرفأ من المساعدة السريلانكية على بساطتها، ويقرر من تلقاء نفسه توزيعها على من يريد وحجبها عمن يستحق.

 

أهمية المطالبة بمعرفة مصير السمك الموريتاني والشاي السيلاني لا ترتبط بقيمة هذه المساعدات وفائدتها، بل بكشفها وفضحها جشع من في السلطة الذين لم يملّوا من سرقة ونهب اللبنانيين. فانكشاف الاستيلاء على السمك والشاي هو مؤشر على ما تقوم به هذه السلطة من استيلاء على كل ما تستطيع ولو كان غير ذا قيمة. مشكلة أهل السلطة مع مساعدات السمك والشاي أنه كان متعذراً إخفاء أثرها، وصادفت مطالبة مغرّد بحصته منها. ولولا ذلك، لكان مصير السمك والشاي سيكون مشابهاً لمصير مساعدات كثيرة كان من السهل على السلطة الاستحواذ عليها وإخفاء آثارها دون من يسأل عن مصيرها ويطالب بحصته منها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.