شعار قسم مدونات

يقولون ليلى في عمان مريضة

blogs حزن

لقد جاءتني الأخبار من القرية المحاذية لسجني بأن حبيبتي التي تزوجت من الرجل الغريب وأنجبت طفلتها الملاك بأنها مصابة بالسكري وهنا سألت السجان الذي يحرسني لماذا المرض يطوف في هذا الكوكب ليباغت الحبيبات والقريبات لكي يجعلنا نتألم على ما أصابهم من قدر محتوم من رب العالمين! وحينها نظر إلي وعيونه جاحظة نحوي باستغراب وقال لي أنا هنا لحراستك من عدم الهروب من زنزانتك ولكن لا أملك أن أحرسك من ذكرياتك وحبك واشتياقك وتألمك لمًا أصاب حبيبتك من مرض!

 

هنا تذكرت ذلك الرجل الغريب الذي مر بقيس بن الملوح وقال له:

ألا إن ليلى بالعراق مريضة

وأنت خليُّ البال تلهو وترقد

فلو كنت يا مجنونُ تضنَى من الهوى

لبتَّ كما بات السليم المسهَّدُ

 

فغُشي عليه، فلما أفاق قال:

يقولون ليلى بالعراق مريضة ٌ

فما لك لا تضني وأنت صديقُ

شفى الله مرضى بالعراق فإنني

على كلِّ مرضى بالعراق شفيقُ

فأن تك ليلى بالعراق مريضةً

فأنيَ في بحر الحتوف غريقُ

أهِيم بأقْطارِ البلادِ وعَرْضِهَا

ومالي إلى ليلى الغداة طريـقُ

أناجي رب العالمين أن يجعلكِ دوماً أقوى مما أنتِ عليه فأنتِ الجبل الذي لا يقبل الانحناء والانكسار، فتلك الروح التي أخرجت ملاكك الصغيرة من حناياها لتصبح قمر جديد لن يزول ظلال روحها من الحياة وتنهزم من أي مرض يباغتها لأنها امرأةٌ من نوع مختلف

فما أصعب تلك اللحظات التي تأتيك فيها أخبار من تُحب وأنت عاجز حتى عن الحديث معها، عاجز حتى أن ترى صورتها بعد هذا العمر وأن ترى ملامح عيونها كيف تغيرت وكيف لوجهها الذي كان جزءاً من ظلال القمر أن يكبر وكيف هي الأن بعدما هاجمها السكري ليأخذ جزءاً من حلاوتها ويمنعها من تناول ما كنا نحب، كمية العجز في أن تكون بجانبها هي عجزٌ من نوع مختلف عجز يصيبك بالشلل ويجعل عقلك وقلبك يكتب لها دون كلل وأنت محاصر بالقضبان والحراس والكلاب!

 

جلست في زاوية الزنزانة المظلمة وانحنيت للأسفل ووضعت يدي على رأسي وأنا أردد بيني وبين نفسي "مرض الذين نحبهم مرضوا " ولم أجد سوى يدي تطرق على جدار الزنزانة بقوة وانا أرسم لها في هذا الظلام الحالك عصفوراً من عصافيرها التي تحبهم ليأخذني إليها تحت جنح الليل ونوم العسكر على جناحيه لكي أرى وجهها وأنام على كتفها ليزول كل المرض والوهن، فهي الأمان في زمن مليء بالخيانات والخوف وهي القوة في زمن امتلئ بالضعف والوهن.

 

فيا أيها المرض اللعين قف عند حدود ما أنت عليه الأن ولا تجعلها تتعب كثيراً منك فتلك الزهرة الجنوبية المليئة بعبق الجنوب لا تستحق منك سوى أن تخرج من كل خلايا جسمها ودمها وتذهب لموطنٍ آخر غير موطن الجميلات والقويات، لا يسعني من هنا إلا أن أناشدك لتأتِ إلي في زنزانتي لتجلس معي وتبقى رفيقي أنا لا رفيقها! حاولت أن أقف على قدمي لأنظر من خلال نافذة الزنزانة الصغيرة إلى السماء فقط لأقول لها من خلال النجوم بأنني هنا في هذا السجن المحاذي لقريتكم أتنفس عبقكِ عندما تمرين من جانبي دون أن تدري أنني

 

هنا وأناجي رب العالمين أن يجعلكِ دوماً أقوى مما أنتِ عليه فأنتِ الجبل الذي لا يقبل الانحناء والانكسار، فتلك الروح التي أخرجت ملاكك الصغيرة من حناياها لتصبح قمر جديد لن يزول ظلال روحها من الحياة وتنهزم من أي مرض يباغتها لأنها امرأةٌ من نوع مختلف كل ما يمكنني قوله إنها آخر السيدات الجميلات! آخر القويات اللواتي تحملن بما فيه الكفاية من هذه الحياة وصبرن على الوجع وتسلقن قمة الجبل بصمت ووجع تلك القمة التي كنت أحلم قديماً أن نتسلقها سوياً ولكن هذا قدر الحياة والجزء الصعب منه أن نتقبل واقعنا المؤلم بكل ما فيه من وجع وأن تكون ذكرياتنا هي الدواء الذي يشفي كل أمراض هذا الكوكب البغيض فكونِ كما عرفتك دوماً قوية كالجبال وشامخه من شموخ الروح في الجسد صابرة على كل ألم ولكن عندما تنظرين للسماء بحب سيزول الألم مهما كانت حدته يا زهرة الجنوب التي لا ولن تذبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.