شعار قسم مدونات

قانون قيصر والواقع السوري

مجلس النواب الأميركي يقر "قانون قيصر" لحماية المدنيين بسوريا

نجح "قيصر" المصوّر العسكري المنشق في الفرار من رعب النظام السوري منذ سبع سنوات، وقد سبقته مئات آلاف الصور للمعتقلين السوريين القتلى في أقبية نظام الأسد إلى الخارج. استطاع قيصر بالتعاون مع عدّة جهاتٍ إيصال هذه الصور الموثقة لجرائم النظام الأسدي ضد الإنسانية للإدارة الأمريكية والمنظمات الحقوقية العالمية. فعرضت صور الضحايا المأساوية في معرضٍ في متحف الهولوكوست بالولايات المتحدة. كما صدر تقريران في العام 2014 عُرِف أحدهما بــ"تقرير المحتجزين السوريين لعام 2014″ وعُرف الآخر بـ" إذا تكلّم الموتى"والصادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" العالمية.

 

توقع "قيصر" أنّ العالم سوف يغضب غضبًا شديدًا فور مشاهدته للصور الصادمة، وأنّ فعله المسؤول والبطولي هذا سيسهم في إنقاذ من تبقى من السوريين مبكرًا جدًا في العام 2014 وما تلاه. ولكنّ شيئًا من هذا لم يحدث، واستمرت الحرب في سوريا واستمر الضحايا في السقوط. وعوضًا عمًا تخيّله قيصر، خرج قانونٌ باسمه استغرق إنجازه ست سنوات متواصلة، ضمنت للأسد أن يحقق مآربه خلالها ويكسب الحرب لصالحه وصالح حلفائه من الروس والإيرانيين. وقّع الرئيس الأمريكي ترامب على القانون في ديسمبر 2019 وفُعّل القانون في 17 يونيو الماضي.

 

ينص "قانون قيصر" الذي صدر في الكونجرس الأمريكي على عقوباتٍ اقتصاديةٍ وقانونيةٍ تنال 39 شخصية سورية مشاركة في الحكومة السورية، على رأسهم بشّار الأسد وزوجته أسماء الأسد. كما ينال القانون بالعقوبات أي شخص غير سوري يتعاون مع نظام الأسد في مشروعاته الحربية أو السلمية، أو يقدم أي شكل من أشكال الدعم له.  وينص القانون على إيران وروسيا والصين تحديدًا لتعاون هذه الدول مع نظام الأسد المجرم. وتتضمن العقوبات الحجز على أي ممتلكات داخل الأراضي الأمريكية لأي شخصية من الشخصيات الـ39 السورية وأي شخص آخر يتعاون معها. أي أنّه إذا لم يمتلك أحدهم ممتلكاتٍ داخل الأراضي الأمريكية فلن تناله هذه العقوبة. وتنص العقوبة الثانية على منع الحصول على تأشيرة دخول للأراضي الأمريكية، كما يمنع أي شخص من التعاون مع شركات أوكيانات تساهم في تمويل الحرب في سوريا أو تساهم في مشروعات إعادة الإعمار.

 

وقد وُوجه هذا القانون بحملة نقد من جهة وتأييدٍ من جهة أخرى. والناقدون للقانون، ينظرون إليه من جهة "الفعالية" فلن يسقط هذا القانون نظام الأسد الذي استطاع كسب المعركة بالفعل في السنوات الماضية، كما لن ينجح في منع المتعاونين معه من كيانات ودول في الإحجام عن التحالف معه إذ أنّهم استثمروا استثمارًا هائلاً في دعمه وبذلوا لذلك الأرواح والأموال، وقد أصبحوا شركاءه في ثمار كسب الحرب. ويراه الناقدون كذلك من جهة آثاره ونتائجه غير المقصودة على المدى المتوسط والبعيد على المدنيين السوريين الذين يعيشون في مناطق الأسد، وفيهم من يقطن مناطقه أصلاً وفيهم النازح من مناطق الحرب. فإنّ هذه العقوبات لا محالة ستلقي بظلالها على اقتصاد سوريا، وبالتالي ستزيد من معدل الفقر الواصل نسبته بالفعل إلى 80%.

فات أوان تنفيذ أكثر هذه المطالب، واستطاع النظام السوري وحلفائه تنفيذ جرائمهم والإفلات بها، ولكن يبقى ملف المعتقلين السوريين المنسييّين ممكنًا ولا يزال مطلب العودة الآمنة للسوريين المهجرين في خيام اللجوء ممكنًا كذلك

أمّا المؤيدون للقانون فينظرون إليه من جهة الاستحقاق والعدالة. فالنظام السوري الأسدي لا يمكن أن يمرّ هكذا بدون عقوبات، ولو كانت غير فعالة في إسقاطه. خاصةً وأنّ كثيرًا من الدول قد اتخدت خطواتٍ فعليّة في تطبيع علاقاتها مع نظام دمّر العمران وقتل الناس وارتكب الجرائم دون ضمير. ولذا فإنّ هذا النظام يستحق العقوبات الممكنة في ظل حدود صلاحيات القانون الأمريكي في التطبيق. وهذا سيحقق قدرًا من نزع الشرعية عن هذا النظام، وسيحقق كذلك مكسبًا بالنظر للسياسة والتاريخ. فكيف يمكن أن يُسجّل في التاريخ أنّ نظامًا مثل هذا قد ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لعشرة أعوام متصلة ثم عادت الدول جميعها للتعامل معه وكأنّ شيئًا لم يكن. فليحقق هذا القانون القدر الأقلّ من قول كلمة الحق والعدل إذن.

 

يحمل كلا الفريقين وجهات نظر لها أساسها ولها مصداقيتها. ولكنّ نظرة إلى المطالب المرفوعة إلى نظام الأسد وحلفائه لكي يُنهى العمل بهذا القانون، تقول أنّ كثيرًا من المطالب قد انتهى ميقاتها. والمطالب الستة هي كالآتي: 1. إنهاء القصف الروسي والسوري للمدنيين 2. يمنع على القوات السورية والروسية والإيرانية والكيانات المرتبطة بها أن تمنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق الحصار  3. إيقاف قصف الأماكن الطبية وأماكن التجمع في الأسواق 4. إطلاق جميع السجناء السياسيين والسماح لمنظات حقوق الإنسان بالدخول للسجون وأماكن الاحتجاز 5. إمكان رجوع السوريين بسلاسة وكرامة 6. محاسبة مجرمي النظام والعدالة للضحايا. وعلى النظام السوري وحلفائه تنفيذ هذه المطالب في مدة لا تتجاوز خمس سنوات أي في العام 2024 لكي يرتفعَ قانون العقوبات الاقتصادية.

 

وبنظرة لهذه المطالب، سنجد أن المطالب الثلاثة الأولى قد انتهت صلاحيتها بالفعل، إذ لم يعد هناك مناطق محاصرة للثوّار بعد إجلائهم وإعادة استحواذ نظام الأسد على مناطقهم، كما إن المنطقة الوحيدة التي بحوزة الثوار، أي إدلب، لا تزال تُقصف أطرافها قصفًا خفيفًا حتى اللحظة، أي بعد مرور أكثر من شهرين على تطبيق القانون. أمّا المطلبين الرابع والخامس، وهما مطلب إطلاق سراح السجناء وحق العودة للسوريين المهجرين، فلا يزال هناك أهمية للمطالبة بهما، ويمكن تنفيذهما. أمّا المطلب الأخير وهو مطلب المحاسبة فيكاد يقع في إطار المستحيلات العادية في ظل المعطيات الواقعية والتي لا تحتاج إلى تفسير.

 

ولذا، واقعيًا، فقد فات أوان تنفيذ أكثر هذه المطالب، واستطاع النظام السوري وحلفائه تنفيذ جرائمهم والإفلات بها، ولكن يبقى ملف المعتقلين السوريين المنسييّين ممكنًا ولا يزال مطلب العودة الآمنة للسوريين المهجرين في خيام اللجوء ممكنًا كذلك.، وبين الفوات والإمكان والاستحالة، سيخبرنا تدوال الأيام القادمة بما سيفعله قانون قيصر على الحقيقة في الواقع السوري. أمّا ذنب الضحايا الهزالى الذين قضوا في سجون الأسد والذين أخبرنا عنهم قيصر فقد برز بالفعل في هذا القانون الذي صدر بالفعل والذي سيحفظه التاريخ، والذي سيخبر أنّه وإن لم يُنقذوا من براثن نظام وحشيّ من أكثر الأنظمة توحشًا في العالم، فقد وصلت آثارهم للعالم عبر قيصر وأنّ أحدهم قد استطاع فعل شيءٍ ولو بسيط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.