شعار قسم مدونات

هل لتونس مصلحة في تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟

blogs تونس

لقد تقدمت كتلة الدستوري الحر في البرلمان التونسي بلائحة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية تماشيّا مع سياسة حلفائها في الإمارات ومصر. وهو أمر غير مستغرب ولا مفاجئ من تلك الكتلة ولا من رئيستها المعروفة بالعداء الشديد للتيار الإسلامي عموما منذ خدمتها مع بن علي. فهذه الكتلة تعتبر امتداد للتجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم به ومن خلاله بن علي تونس طيلة 23 سنة وكانت تلك المرأة تتحمل مسؤولية فيه في أواخر سنواته وهي صاحبة المقولة الشهيرة في تونس: الله أحد الله أحد بن علي ما كيفو حد (لا مثيل له في الرجال طبعا بالنسبة إليها).

 

وهذه ليست اللائحة الأولى لهذه الكتلة فقد سبقتها لائحة لمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي حول المسألة الليبية التي تدعم فيها صراحة موقف الإمارات ومصر وفرنسا. فلقد أصبحت اللوائح من أدوات هذه الكتلة لتعطيل عمل البرلمان وترذيل الحياة السياسية في تونس خدمة للثورة المضادة ومافيات الفساد التي تريد العودة بتونس لمربع الاستبداد. ولكن السؤال الأهم: هل تونس بحاجة لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟

 

لقد كان للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة علاقة طيبة مع جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة الكفاح الوطني ضد الاحتلال الفرنسي حيث أقام عندهم أثناء فترة وجوده في القاهرة للتعريف بالقضية التونسية حيث كان له لقاءات مع مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا وقد كان للجماعة دور في دعم المسألة التونسية. فلقد وصل – كما بين جمال سلطان –  الناشط السياسي التونسي اللاجئ ، الحبيب بورقيبة الى القاهرة يوم 26 أبريل 1945 ، فكان أول من استقبله هو الشيخ حسن البنا ، مؤسس جماعة الإخوان ، وأقام بورقيبة – عند وصوله للقاهرة ـ في "لوكاندا الحلمية" ، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين ، ليس هذا فحسب بل وتكفل الإخوان بتغطية مصاريف اقامته في القاهرة ، كما استضاف الإخوان أغلب الزعماء المغاربة والأفارقة ومن اندونيسيا في تلك الفترة .هذه العلاقة استمرت طيلة فترة رئاسة الزعيم الراحل للجمهورية التونسية بعد الاستقلال حيث كانت تونس من أشد الدول رفضا لإعدام السيد قطب فقد طالبت حينها بعدم تطبيق حكم الإعدام.

A photo taken on May 4, 1961 in Washington shows Tunisian counterpart Habib Bourguiba during his first visit in United States. الحبيب بورقيبة
الحبيب بورقيبة (غيتي إيميجز)

ففي كتابه " مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي "، يقول المرحوم الدكتور توفيق الشاوي: "خرجت من بيروت وذهبت إلى تونس عن طريق ألمانيا وكانت معي زوجتي. استقبلنا بورقيبة شخصيا في قصره وشرحت له القضية وقلت له إن هدفي هو إنقاذ سيد قطب لأني أخشى أن تنتهي المحاكمة بالحكم عليه بالإعدام وهو شخصية فذة ومفكر إسلامي لا يجوز أن يقضى عليه. ولما عرضت عليه القضية أصدر أوامره للصحافة والحزب والبرلمان وكل من في تونس للدفاع عن سيد قطب . " كما أسند الزعيم الراحل للعديد من قادة الجماعة الجنسية التونسية أثناء فترة صراعهم مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ومنهم الأستاذ يوسف ندا، وعلي غالب محمود همت. وحافظ الكثير منهم على علاقة جيدة معه حتى الانقلاب عليه من قبل الجنرال بن علي. ولا يزال بعض ممن منح الجنسية التونسية حي يرزق إلى اليوم شاهدا على ذلك العصر.

 

إن هذه العلاقة التاريخية الموثقة بين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وجماعة الإخوان المسلمين تفند ما تدعيه صاحبة اللائحة من أنها تقوم بها وفاء للبورقيبية. فخطها الفكري يكشف بما لا يعد مجالا للشك أنها والبورقيبية خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا. وما استعمالها لصور الزعيم الراحل وادعاء الانتماء إليه إلا متاجرة رخيصة بإرث لا علاقة لها به. ففي النهاية ليست إلا وريثة النوفمبرية التي حولها اليسار المتطرف الذي تحالف مع بن علي إلى حركة فاشية دموية ليس لها من هدف إلا ضرب كل نفس عروبي وإسلامي في تونس والكل يعلم سياسة تجفيف المنابع الثقافية والتربوية والاجتماعية التي مورست في تلك الفترة ضد كل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالهوية العربية الإسلامية لتونس من قبل الفرنكوفونيين المهيمنين على مفاصل الدولة. فلمصلحة من تطرح اللائحة إذن؟

 

لا يمكن أن يخفى على أحد أن الغاية من اللائحة خدمة أجندات دول معروفة بالعداء للثورة التونسية وتعتبرها عائق أمام تحقيق مصالحها في الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج. فقيام نظم ديمقراطية تكرس حرية الشعوب وكرامتها لن يخدم من تربى في الاستبداد من النخب العربية التي باعت ضميرها للشيطان. وكذلك لا يخدم مصالح الدول الاستعمارية الكبرى كفرنسا مثلا التي تريد التحكم في كامل الثروات الطبيعية لدول شمال إفريقيا وما دعمها لحفتر في ليبيا إلا طمعا في التفرد بثروات ليبيا وخاصة في منطقة فزان التي تسعى للهيمنة عليها منذ بدايات القرن العشرين. فهذه الدول تعرف جيدا أن ضرب واستئصال التيار الإسلامي هو استئصال للديمقراطية في المنطقة ولذلك يريدون إعادة تجربة سيسي مصر الذي تحالف مع اليسار المصري وما يسمون أنفسهم قوى ديمقراطية لإخراج الإخوان من الحكم ولكنه في النهاية أخرج الكل من حلم بناء دولة ديمقراطية في مصر وأعادها لمربع الاستبداد بأكثر دموية من سابقيه وكأن التيارات السياسية المصرية تنطبق عليها حكاية الثيران الثلاث التي ضحت بواحد منها لإشباع الأسد فأكلت جميعا في النهاية.

blogs الإخوان المسلمون

إن كتلة الدستوري الحر بهذه اللائحة إنما غايتها العودة بتونس لمربع الاستبداد بالتخلص وتصفية واستئصال التيار الأساسي الذي في غيابه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية في العالم العربي ولذلك يستهدفه الجميع. كما أن هذه الكتلة مستعدة للوصول بتونس للحرب الأهلية خدمة لمصالح الدول الداعمة لها شرقا وغربا. ففي فرنسا تحلم أن تكون الحرب الأهلية في تونس بوابة لها للسيطرة المباشرة على الثروات التي تديرها اليوم عبر شركات مناولة للمافيات الأسرية التي تتحكم في الاقتصاد التونسي وفي الكثير من الأحزاب التونسية.

 

ليس لتونس أية مصلحة في تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا سياسيّا ولا اقتصاديّا ولا اجتماعيّا ولا أهليّا ولا ثقافيّا. بل المصلحة الوحيدة للقوى التي تتربض بالديمقراطية التونسية في الداخل والخارج والتي تدفع بكل قوة القوى الفاشية لجر البلاد نحو الحرب الأهلية. في حين أن هموم الشعب التونسي تنحصر في الرغبة في بناء اقتصاد وطني قوي يحقق الرفاه للشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.