شعار قسم مدونات

الخوف والحزن والغضب.. ألحان تشكل سمفونيات الثورة والاستقرار

Floyd protests continue on the 15th day in New York

تأملت إحدى النظريات المعنية بتطوير الذات والتدبير الصحيح للمشاعر، وحاولت تأملها برؤية متفحصة ومحللة حتى أعاين منطقيتها وواقعيتها، وقد خلصت بعد تفكير عميق إلى نتائج محصلة، تتلخص النظرية في كون الانسان تتوزع مشاعره في مناح ثلاث، اصحاب الحس العقلاني يعبرون عن مشاعرهم بالخوف، واصحاب الحس القلبي يعبرون عن مشاعرهم بالحزن، واصحاب الحس الجسدي يعبرون عن مشاعرهم بالغضب.

 

كما أسلفت الذكر استرسلت في التفكير في هذه النظرية، واعتمدت نفسي ومحيطي محل دراسة، فأمور كالخوف كالحزن كالغضب، أمور نمر منها، فقط تتطلب بعض التفكير لتفهم نفسك، دون الحاجة إلى رأي ذاك العالم، أو المفكر، مهما بلغا شأوا، لأنك أنت الأعرف بنفسك، والأدرى بظروفك وما أحاط بها، العلماء فقط يحددون لك منهجية التفكير، وإن توقفت في فكرهم جمد الفكر وركد العلم وتسنه، إذن سننطلق من هذه الثلاثية دماغ (أقول دماغا وليس عقلا لأني لا اوافق على الطبع الغالب الذي يمركز العقل في الدماغ)، ثم قلب وجسد.

 

الدماغ: منطقه حسابي، لهذا فهو عند التأثير السلبي المفاجئ يعتمد الخوف كرد فعل إيجابي يعطيك توازنا حذرا وحسن تقدير، وإن اختل يعطيك هلعا وفشلا وسوء تقدير، لهذا فالملاكم مثلا، يستثمر خوفه ليجعله حذرا يقيه لكمات الخصم، وإن لم يستثمره سيطر عليه الخوف وأفشله عن اتخاذ رد الفعل المناسب، وكانت اللكمات سبيلها وجهه.

القلب: منطقه عاطفي عند التأثير المفاجئ السلبي ينحو نحو الحزن، وهذا الحزن إما يصبح سلبيا ويتحول كآبة، تدخل صاحبها في دوامة الاستسلام للواقع، أو يتحول إلى معطى ايجابي، ويستثمر حزنه ليولد عنه الايمان أو ابداع الفكري والوجداني.

الجسد: منطقه الغضب حيال الفعل السلبي، وهذا الغضب إن اتخذ منحى ايجابيا كان شجاعة، أما ان اتخذ منحى سلبيا أصبح تهورا.

blogs مظاهرة ثورة

الان وفي معرض هذا التأمل خلصت إلى أن هناك ثلاثة أمكنة يمكن أن تتجسد او تتوازن أو تمتص هذه المشاعر التي ذكرناها سواء باتجاهها السيء أو بتعبيرها الإيجابي، هذه الأماكن هي: المقاهي – المساجد – الملاعب. لا على سبيل الحصر طبعا.

الدماغ والمقاهي

هذه الاماكن ومن على شاكلتها كالحانات مثلا، تعتبر مرتعا لمن يريدون إعادة ترتيب تقديرهم وحسهم التقديري، فالخوف من المشاكل الدنيوية الطارئة ومن ثقل العمل، تجعل العديد يلجأ إلى المقهى أو الحانة ليعيد توازنه، واستثمار خوفه ليحقق حسن التقدير والحذر، وليتفادى السقوط في دائرة الهلع والفشل التام، فالعاديون مثلا يرون في كوب قهوة أو كأس شاي، ملاذا لتحفيزه على انتاج التقدير الملائم، تفاديا للوقوع في دائرة الخوف المُفشل، كذلك السكارى الساعون إلى الحانات، فهؤلاء هداهم الله حين حدوث طارئ سلبي يلجؤون إلى كوب الخمر لينسيهم وقع الصدمات الأولى، وبالتالي يصبحون صباحهم وقد تجاوزوا صدمة الخوف او الرعب المؤدية للفشل.

القلب والمساجد

قد تكون دور عبادة أخرى كالكنائس مثلا، أو دور للالهم وتلقي المعرفة كالمكتبات ايضا، فكثيرون يرون المسجد والصلاة خير ملاذ للخروج من أزمة طارئة ألمت بهم، فالمسجد يمتص تلك الصدمة ويمنحك مكانه والصلاة فيه أو قراءة القرآن، حلاوة الايمان التي بفعلها تصبح الأزمة مجرد حادث عابر، المسجد يعطيك تجديدا يخرجك من ازمتك تلك وقد ازددت قوة، كذلك المكتبات ومجاورة الكتاب يعطيك سموا فكريا وتطلعا وجدانيا، يجعلك ترى الى الازمة التي ألمت بك مجرد دافعة أو محرك نحو مزيد من الابداع.

الجسد والملاعب

وقد تكون ايضا المسارح وباقي منصات الترويح، لكني أركز هنا على الملاعب، خاصة ملاعب الرياضات الشعبية، فهذه الملاعب بمثابة سدود، يتم فيها تجميع كل الطاقات السلبية التي يكون دافعها الغضب، فيخرجها الجمهور صراخا وهتافا وتشجيعا، الملاعب تمتص الحركية الزائدة خاصة لدى المراهقين، وتقننها في إطار لا تصبح فيه تهورا(وان كانت تخرج عن السيطرة وتتحول إلى شغب ملاعب بعض المرات)، فالملاعب حلت محل الحروب في امتصاص غضب هذه الطبقات، ولعلك تستوعب هدير الغضب الذي يحمله الألتراس، وكم تعمل هذه الملاعب على الاستقرار وتوجيه الغضب لإفراغه في فضاء عام بعيدا عن الشارع الذي تمتلكه الدولة.

blogs ألتراس الأهلي

هذه خلاصة تفكيري المنسجم شيئا ما مع النظرية السابقة الذكر، لكن قبل ان انتهي تأملوا معي هذه المظاهرات في أمريكا وأوروبا الان، لتعلموا أن غياب الملاعب في امتصاص الغضب، جعلت فعلا هؤلاء يخرجون للشارع متمردين، وأصبحت ممارسات بعض السلطة التي كانوا لا يعيرونها اهتماما في ظل وجود ملاعب مفتوحة، جعلتهم الان ينظرون إلى تلك الممارسات بوجود ملاعب يتنفسون فيها، ويصرخون ويتمردون، جعلتهم ينددون بكل تصرف مشين للسلطة، بل ويُحيون ويجترون كل الممارسات السابقة بمنطق رجعي، كأنهم كانوا نائمين واستفاقوا.

 

كذلك الأمر في الدول الاسلامية ومنها العربية، إن لم يفكر مسؤولوها  في تدبير أمورهم على عجل، في ضوء إغلاق العديد من الأماكن التي تمتص وتُوازن وتُستفرغ فيها مشاعر الخوف والحزن والغضب الشعبي، فإنه حتما هذه الجموع الغاضبة الخانقة، بعد أن أغلقت سدودها التي كانت تلجأ إليها منتشية، فإنها الان سيفيض حراكها في الشارع مجددا، ونحن نعلم إن امتلأ الشارع انسدت جميع الطرق، وجمدت الحركة، وسادت الفوضى، وحينها يصبح من الصعب إفراغ الشارع من الخائفين واليائسين والغاضبين، وبين سلطة تخاف من امتلاك العامة للشارع، ستطلق رصاصات طائشة، ويتدخل لاعبون محليون ودوليون يعزفون على ايقاع الثورة، والثورة المضادة، وبين المقامرة والمغامرة، سننتظر المولود، هل هو جميل المحيى ينبئ بمستقبل أجمل، أم هو مولود مشوه لا تُعرف أمه ولا يُعرف أبوه، هل هو ملك للشعب أم للعملاء أم للمستعمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.