شعار قسم مدونات

مآلات التصعيد الدبلوماسي بين بكين وواشنطن

علم الصين وأمريكا

فصل جديد من التصعيد الدبلوماسي بين الصين والولايات المتحدة، ينذر بأن تدهور العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم قد يمضي إلى الأسوأ، يأتي هذا التصعيد في إطار استراتيجية واشنطن الجديدة لاحتواء بكين، بدءاً من تسييس العلاقات التجارية بين البلدين منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مروراً بتقويض التبادلات الشعبية، وليس أخيراً إغلاق واقتحام القنصلية العامة الصينية في مدينة هيوستن.

 

وإن كان التوتر الأخير، والذي استدعى ردة فعل صينية مماثلة، يصب في خانة الاستثمار بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، خصوصاً وأن إدارة ترامب، تواجه تحديات داخلية غير مسبوقة مع تصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر تضرراً جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، وبالتالي هي فرصة لصرف الأنظار عن إخفاقات واشنطن في التعامل مع الأزمة، نحو الصين. ما تقدم أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، ومآلات التصعيد والمواجهة، ونقاط الاشتباك وإمكانية تحولها إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق، وذلك في ظل التهديدات المتبادلة والتصريح علناً باحتمال قطع العلاقات الدبلوماسية، ما ينذر بأننا قد نكون أمام حرب باردة جديدة.

احتمالات المواجهة

من خلال الاطلاع على تصريحات المسؤولين الصينيين، فإن بكين لا ترغب في الدخول بمواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة، ولا تريد حرباً باردة أو ساخنة، في وسائل الإعلام الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، يجري الحديث عن استراتيجية دفاعية تقوم على مبدأ ضبط النفس والمعاملة بالمثل، ما يحول دون الانجرار وراء العبث الأمريكي المتمثل بإدارة الرئيس ترامب.

 

وقد كان لافتاً في الحديث عن توتر العلاقات بين البلدين، الفصل بين إدارة ترامب والولايات المتحدة كدولة، ففي افتتاحية تناولت التصعيد الأخير في صحيفة جلوبال تايمز الصينية، قالت هيئة التحرير "إن إدارة ترامب لا تمثل الولايات المتحدة، والولايات المتحدة لا تمثل العالم". ما يشير إلى قناعة لدى قادة الحزب الشيوعي بأن سياسىة ترامب العدائية ضد الصين قد تنتهي مع خروجه من السباق الرئاسي في نوفمبر المقبل، وبالتالي ليس هناك ضرورة للتصعيد ما دامت هذه الزوبعة محددة بسقف الاستحقاق الانتخابي.

 

في المقابل، هناك أصوات صينية تحدثت عن صعوبة التنبؤ بمسار الشعبوية التي يمارسها ترامب، ويعتقد هؤلاء بأنه لا أحد يستطيع أن يعرف إلى أي مدى يمكن أن تذهب الإدارة الأمريكية الحالية في عدائها للصين، ومتى تتوقف عن ذلك، وماذا لو استمرت لفترة رئاسية ثانية. بينما يرى فريق ثالث، أن احتمالات المواجهة بين بكين وواشنطن أقرب من أي وقت مضى، وأن الشرخ الذي أحدثه ترامب في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم كبير جداً، وقد يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما. بل أكثر من ذلك، قد يقود إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، خصوصاً وأن عناصر ومسببات هذه المواجهة متوفرة ومكتملة، فضلاً عن أن البلدين يبتعدان بشكل كبير عن بعضهما يوماً تلو الآخر.

كسر القواعد

في واشنطن، يتساءل خبراء إذا كانت الصين قد أنهت عقوداً من ضبط النفس والامتثال لمبادئ التعايش السلمي التي قامت عليها السياسية الخارجية الصينية منذ مؤتمر باندونغ في خمسينيات القرن الماضي. وقد اتهم بعضهم بكين باستغلال الفوضى التي تسبب فيها تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، للانخراط في مواجهات دبلوماسية وعسكرية، سواء في الهند، أو في مضيق تايوان، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها في هونغ كونغ، وبحر جنوب الصين. وقد اعتبر الاشتباك الحدودي مع الهند في مايو الماضي والذي أودى بحياة أكثر من عشرين جندياً هندياً، إشارة إلى أن التنين الصيني كشر عن أنيابه.

غير أن وسائل إعلام حكومية صينية ردت بأن الحزم الصيني استجابة للتحديات الراهنة التي تمس السيادة والكرامة الوطينة. وأشارت إلى أن بكين لا تحتاج إلى الاستفادة من الفرصة التي يوفرها الوباء، لممارسة حقها في فرض نفوذها، فضلاً عن أن الصين تتفوق عسكريا على هذه الدول، ولكن تبقى الإجابة الأكثر قطعاً على احتمال نشوب حرب مع الولايات المتحدة، تعليق وزارة الخارجية الصينية بأن الوضع الراهن أمر لا ترغب بكين في رؤيته، ولكن إذا أصرت واشنطن على المضي قدماً في مسارها، فإن الصين ستدافع عن مصالحها حتى النهاية.

 

وقد أعادت صحيفة جلوبال تايمز الصينية نشر التعليق متبوعاُ بفقرة تلخص مآلات التصعيد الأخير: "إذا ظنت الولايات المتحدة بأن بإمكانها أن تفعل ما تشاء، فإن القرن الحادي والعشرين سيكون أكثر قتامة وأكثر تفجراً من حقبة الحرب الباردة، وقد تؤدي الشرارات الصغيرة إلى كارثة كبيرة غير مسبوقة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.