شعار قسم مدونات

هل تطيح الأزمات الأخيرة بدونالد ترامب من البيت الأبيض؟

President Trump Returns To The White House

على وقع قتل المواطن الأمريكي جورج فلويد اندلعت مظاهرات هي الأكبر بل والأعنف في تاريخ أمريكا لتفجر أزمة من أكبر الأزمات في الولايات المتحدة. هذه الأزمة ليست الوحيدة في عهد ترامب بل تصاحبها أزمة أخرى لا تقل شراسة وخطورة عن الأخيرة، فأمريكا هي بؤرة كورونا الأكبر في العالم من حيث عدد الوفيات وكذلك عدد الإصابات، ليس هذا فقط إذ خلفت وراءها تداعيات اقتصادية خطيرة أثرت على المجتمع بشكل كبير، وبشكل أكبر على تلك الفئات من الأقليات التي خسرت عملها ووجدت نفسها بلا مصدر دخل.

 

جاءت تصرفات دونالد لتصب الزيت على النار، قبل خمسة شهور فقط عن المعركة الانتخابية، فقد انتقد عدة مرات على تعامله مع أزمة كورونا، وحتى على تلك المعونات الحكومية التي تأخرت على الملايين من مستحقيها بسبب أن ترامب أراد طباعة صورته عليها، مرورا بأزمة فلويد التي أشعلها بوصفه المتظاهرين بالمخربين والإرهابيين، وذهب إلى ما لم يذهب إليه رئيس أمريكي آخر بعسكرة الشارع، والتهديد بقتل المتظاهرين، ليظهر بصورة الرئيس القوي الذي يفرض النظام ولو على حساب الدستور، ووجه تسعون مسؤولاً كبيراً سابقاً في وزارة الدفاع – جمهوريون وديمقراطيون – رسالة إلى ترامب أدانوا فيها تهديداته باستخدام الجيش للتصدي للمتظاهرين ومحاولاته العديدة تسييس وزج المؤسسة العسكرية في معاركه الانتخابية، كان من أبرزهم أربعة وزراء دفاع سابقين. ولا تعد هذه المرة الأولى التي تظهر فيها تصرفات ترامب مخالفة لمقومات النظام الديمقراطي ومتجاوزة خطوطه الحمراء.

 

واجتاحت القنوات الإخبارية ومواقع السوشيال ميديا فيديوهات كثيرة على وحشية الشرطة وتصرفاتها القمعية والعنيفة للغاية، وآخرها فيديو لدفع مسن ليسقط على رأسه، دون أن يحرك أفراد الشرطة ساكنا ليترك لينزف وحيداً على الأرض، بل إن ترامب فض مظاهرات أمام البيت الأبيض بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ليلتقط صورة أمام كنيسة الرؤساء التي تطل على البيت الأبيض، مما دفع بكبير أساقفتها لانتقاده علانية، قبل أن يصطدم بوزير دفاعه مارك إسبر الذي رفض إقحام الجيش بالأزمة، وعبر عن حق المتظاهرين بالتعبير عن آرائهم بكل حرية. كل ذلك يطرح تساؤلا حول نتيجة الانتخابات القادمة؟ هل ستأتي بسيد جديد للبيت الأبيض؛ أم ستبقي على سيده القديم رغم كل الأخطاء التي ارتكبها؟

 

Demonstrators hold signs during a Black Lives Matter protest in Parliament Square, following the death of George Floyd who died in police custody in Minneapolis, in London

يرى فريق: أن ترامب فشل في كل الأصعدة وأن الأزمات الأخيرة عرت وجهه أمام الناخب الأمريكي، وأثبتت عدم أهليته في القيادة، وبالتالي فإنه سيخسر الانتخابات القادمة حتماً، ويدعم هذا الفريق استطلاع رأي لرويترز، وجد أن 55% من المستطلع آراؤهم أعربوا عن رفضهم طريقة تعامل دونالد ترامب مع الاحتجاجات، 64% منهم عن تعاطفهم مع المتظاهرين. ويقول مؤيدو هذا الفريق أن ترامب أغضب أوساطاً واسعةً من الحزب الجمهوري وعلى رأسهم الجمهوري البارز كولن باول، الذي رأس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي في عهد جورج بوش الأب، ثم وزيراً للخارجية في عهد جورج بوش الابن، إذ وصف ترامب بأنه "جنح بعيداً" عن الدستور الأمريكي بل هو خطر على الديمقراطية الأمريكية برمتها، كما أن الأحداث الأخيرة ستشحذ الأقليات وعلى رأسهم السود لإسقاطه، وأن هذه الأقليات لم تشارك بقوة في انتخابات عام 2016 لشكوك كثيرة تتعلق بهيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية آنذاك، ورداً منهم على من يقول أن هذه الأقليات لا تستطيع إسقاطه، يقولون إن هذه الأقليات نفسها كانت من أكبر الشرائح التي أوصلت براك أوباما أول رئيس أسود للبيت الأبيض، وأن براك أوباما جاء بعد رئيس حدثت في عهده أزمات كثيرة أهمها الأزمة الاقتصادية العالمية أو ما تعرف بأزمة الرهن العقاري، وهي أسوأ أزمة ركود عرفتها الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم، ودفعت المتضررين من الفئات المتوسطة والفقيرة -والأقليات تشكل معظمها- للتوحد في انتخابات 2008، التي أوصلت براك أوباما للبيت الأبيض.

 

أما الفريق الثاني فيرى: أن محاولات الديمقراطيين للإطاحة بدونالد ترامب عن طريق المحاكمات والمظاهرات، طوال فترة رئاسته هي أكبر دليل على معرفتهم المسبقة بخسارتهم الانتخابات، وأن الأمريكيين سيفضلون الرئيس القوي حتما، خاصة وأن الكثير من الأمريكيين ممن فقدوا متاجرهم وسياراتهم وتعرضوا للنهب والتخريب، سيكون لهم ردة فعل معاكسة لما حدث. حيث يقدم هؤلاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنه البديل الوحيد أو تذهب البلاد للفوضى، والنهب والتخريب، ويرى هؤلاء أن الأزمات الكبيرة تفيد ترامب ولا تضر به، ولهذا فإن صور التخريب والنهب وحرق المتاجر التي تغص بها وسائل الإعلام الأمريكية تصب في مصلحة هذه الرواية التي يحاول ترامب جاهداً تسويقها، أضف إلى ذلك أنه في الأساس يتوجه لقاعدته الانتخابية، التي تفاخر بالقومية البيضاء، وتفضل الخطابات الشعبوية المعمقة للانقسامات، لأنها ترى أن تاريخ أمريكا تغير وأن عليها تصحيحه، وترى في أمريكا القوة العظمى التي تراجعت بسبب المهاجرين والأقليات، وهي على حسب وصفهم قاعدة كبيرة أوصلت ترامب للبيت الأبيض وستنجح في احتفاظه بالبيت الأبيض لولاية ثانية.

Protest against racial inequality in the aftermath of the death in Minneapolis police custody of George Floyd, in Washington

كما أن الأمريكيين لا يميلون وفق التاريخ لتغيير رؤسائهم بعد فترتهم الأولى وخاصة في وجود تحديات وأزمات كبرى تعصف بالبلاد. ناهيك عن أن كثراً يرون في المرشح الديمقراطي جو بايدن مرشحاً ضعيفاً غير قادر على شحذ الهمم وبالتالي لا يمتلك فرصة أمام رئيس يتمتع بصفات ترامب، يعرف كيف يضرب على الوتر الحساس للناخب الأمريكي في الوقت المناسب، بل يذهب البعض أبعد من ذلك بوصف الحزب الديمقراطي بأنه ميت سريريا، ولن يستيقظ قريبا على أية حال، علاوة على أن الحركة المناهضة للعنصرية التي تحشد للمظاهرات الآن، عفوية ولا تمتلك قائداً، وغير منظمة.

 

وهنا أضيف أن دونالد ترامب أقحم نفسه في العديد من الصراعات مع المؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل البنتاغون والإعلام أبرزها، وبالطبع انعكس هذا على استطلاعات الرأي التي تسجل تراجعاً لدونالد ترامب الرئيس الأمريكي الأكثر إثارة للجدل، ففي استطلاع رأي لشبكة "أيه بي سي" وصحيفة "واشنطن بوست" أفادت النتائج بتقدم جو بايدن على ترامب بواقع عشر نقاط مئوية إذ حصل بايدن على 54% مقابل 44% لترامب.  ويتقدم جو بايدن كذلك في ولايات ترجيحية أوصلت دونالد ترامب للبيت الأبيض في انتخابات عام 2016، فمثلاً يتقدم بايدن في فلوريدا بنسبة 48% مقابل 46% لترامب، وفي ولاية ويسكونسن التي ربحها ترامب عام 2016، يتقدم بنسبة 49% مقابل 40% لدونالد ترامب.  ورغم أن سقوط ترامب بات أقرب من أي وقت مضى، لكنني لا أستطيع الجزم بسقوطه، لكن الأكيد أن أمريكا على وقع استقطاب حاد، سيؤدي إلى انتخابات تاريخية بكل تأكيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.