شعار قسم مدونات

هل نجح التعليم عن بعد في سد فجوة غياب المدارس؟

 

بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على توقف العالم بأسره جراء الضيف الثقيل ( فايروس كوفيد١٩) وبعد أن بدأ الناس يبحثون عن حلول لكل المشاكل والأزمات التي اثارها هذا الفيروس والتي كان التعليم في القلب منها، لقد نظر المنظرون وسال حبر كثير في هذا الشأن (التعليم في زمن كورونا) وما فعل التعليم عن بعد من أفاعيل في استمرارية التواصل بين الطلبة وحقائب كتبهم، وقد كنت ممن كتب عن تجربته وعن تجارب الآخرين في باكورة الحجْر وتقييد الحركة، لكن لابد من وقفة بعد مرور ربع عام على هذه الجائحة لنرى ماذا فعلنا وأين صرنا في ظل التعلم عن بعد وهجير الكورونا

أرقام أثارت الرعب في البدايات

ذكرت الإحصائيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) وعبر موقها الرسمي؛ بأن عدد الطلاب الذين اضطرتهم "كورونا" إلى الانقطاع عن المدارس مليار و٣٤٤ مليون، و٩١٤ ألف طالب وطالبة في ١٣٨ دولة حول العالم بنسبة ٨٢.٢٪ من الطلاب المقيدين في مدارس، منهم نحو ٨٣ مليون طالب مدرسي في الدول العربية، ثم قامت المنظمة العالمية بسرد وسائل ومواقع للتعلم عن بعد استخدم الناس بعضها، فأحسن الاستخدام قوم وأساءه آخرون، ليبدأ الحوار والتساؤل بعد مرور وقت ليس بالقليل وبدأ الناس يحكمون على نتاج المرحلة من طحن وجعجعة.

غذاء الحصان عند السباق لا يفيد

بدأت الناس والمؤسسات تتنبه أن هناك كثير من وسائل ومصادر التعلم عن بعد تحيط بهم ولكنهم لا يعرفوا آلية الاستخدام أو لعلهم لا يجيدونه كما ينبغي أو ربما لا يجيدون توظيفها في العملية التعليمية لأكثر من سبب ،ليظهر بعد ذلك تطبيقات الفصول الافتراضية المباشرة مثل (زووم) و(مايكروسفت تيمز) و(غوغل ميتنغ) حيث أورد موقع ميدان المدعوم من شبكة الجزيرة الاخبارية ارتفاع عدد مستخدمي تطبيق (زووم) إبان الجائحة إلى أكثر من ٢٠٠ مليون مستخدم نشط يوميا بسبب وباء "كورونا" بعدما كان العدد ١٠ ملايين مستخدم يومي فقط ،وقد حمل تطبيق (زووم) أكثر من ١٣١ مليون شخص في عموم العالم في شهر أبريل/نيسان، بحسب شركة الأبحاث "سينسر تاور" وهذه أكثر بـ ٦٠ ضعف من نفس الفترة قبل عام فيما بلغ عدد المستخدمين النشطين (لمايكروسوفت تيمز) ٧٥ مليون مستخدم نشط يوميا حسب موقع ميكروسوفت الرسمي كما وفرت ميكروسوفت حسابات مجانية لهذا التطبيق لمن أراد استخدامه لغايات التعليم حتى يناير ٢٠٢١ من خلال (Office 365 A1) لكن هل كان هذا كافيا لإعادة الطلبة إلا مقاعدهم ولو افتراضيا والحصول على المعلومة كما كانوا يحصلون عليها في الفصل الحقيقي أو ما يقرب منه وهل المنتج دون استراتيجية ناظمة لاستخدامه ينهي المأزق ( تساؤلات طرحها أحد مدراء المدارس الثانوية في الأردن) .

 

المعلمات أيضا يعانين من التعليم عن بعد.. هذه تجاربهن (بيكسلز)

الفجوات التي تعطل الأدوات

إن الدول تتباين وتختلف في الآليات المتبعة في التعليم عن بعد ومقدار الإنفاق في سبيله، وذلك حسب إمكانيات كل دولة وقدراتها لاسيما المالية، في ظل فجوات رقمية تتعلق بالتطور والاستعداد التقني والتكنولوجي، وجاهزية بنيتها التقنية التي تعتبر هي وعاء التعلم في مثل هذه الأوضاع ،و نظرا لافتقار البعض من هذه الدول للمستلزمات، والتجهيزات المتعلقة بالتعليم عن بعد وفي مقدمتها التدريب والممارسة، فلم تعد كلمة المساواة ترادف العدل إن كان الأمر في التعليم والتخطيط له فلكل خصوصيته التي لابد من مراعاتها، إذ لا يعرض تطبيق زووم الذي يحتاج الى تغطية انترنت عالية على منْ ليس لديه تغطية انترنت كافية علاوة على عدم توفر تجارب مسبقة لقياس مدى نجاحها في حال تطبيقها، كإجراء مساند إبان جائحةكورونا وقد لخصت ستيفانيا جيانيني، مساعدة المديرة العامة للتربية في اليونسكو الحال بقولها نحن نواجه وضعا غير عادي مع عدد كبير من البلدان المتضررة من نفس القضية في نفس الوقت. علينا أن نجتمع ليس فقط لمعالجة العواقب التعليمية المباشرة لهذه الأزمة غير المسبوقة، ولكن لبناء المرونة طويلة الأجل للنظم التعليمية..(الآن ؟؟؟)

أهالي الطلبة عندما يتكلمون

تباينت آراء أهالي الطلبة بخصوص جدوى التعلم عن بعد، منال في حيرة من أمرها، فهي أم لثلاثة أبناء، تعاني من معضلة تنظيم وقتها لمتابعة دراساتها في مرحلة الدكتوراه ودراسة أبنائها ،حيث أنها تستخدم حاسوبها وهاتفها وهاتف زوجها لتدريس أبنائها الثلاثة، رغم أنها ترى أن الفرق شاسع بين جدوى التعلم في الفصل والتعلم عن بعد بل إنها تحمل من الآن هم ابنها الذي سيدخل الصف الأول الابتدائي بعد ثلاثة أشهر ومستوى التعليم الذي سيتلقاه اذا استمر الاغلاق في المدارس والتعلم عن بعد، وفي تقرير موسع للاندبندنت البريطانية تباينت الآراء بين من يرى في التجربة نجاحا ومن يرى فيها فشلا ذريعا، "نجلاء" ترى أن التجربة كانت ناجحة، إذ استمر ابنها في التحصيل الدراسي عبر اليوتيوب" من دون مشكلات تذكر، في المقابل تقول دعاء سلام (أم لثلاثة أبناء) إن العملية التعليمية لأبنائها من البيت تسير بشكل جيد، ولكن بدرجات متفاوتة، المدرسة الخاصة الملتحق بها ابناها في الصفين الخامس والسابع تنتهج التعلم الرقمي منذ سنوات، لذا كانت شبه جاهزة مع قرار الإغلاق، تقول (نقلا حرفيا عن الاندبندنت) "يمضي اليوم الدراسي كالمعتاد من الثامنة حتى الثانية والنصف، بحصصه وأوقات الراحة، ولكن أمام الشاشة، وذلك عبر تطبيقي (زووم) و(غوغل كلاس روم)، أما مدرسة ابنتي الخاصة أيضا فقد وجدت نفسها في مواجهة مفاجئة مع التكنولوجيا لأنها تتبع الطرق التقليدية؛ لذلك، بدأت إدارة المدرسة في التعامل مع الطالبات عبر البريد الإلكتروني، ثم بدأتْ تطور من أدائها تدريجيا".

مبادرات فردية تحترم لكنها لا تحل المشكلة

يذكر بعض الآباء أنهم يعانون ملل الأبناء من الخطة المرتجلة وغياب استراتيجية ذات بال تسد مسد إغلاق المدارس فترة الحجر الصحي، فواقع الحال يشير إلى حالة المدارس التي في أغلبها يرثى لها من حيث البنية التحتية المهترئة، وتهالك وسائل التعلم الحديثة وغياب بنية التكنولوجية والاعتماد على البث التلفزيوني للدروس كما حصل في الأردن وتونس والجزائر، والذي يبث الدروس مرة واحدة مما دفع كثير من المعلمين للمبادرة ذاتيا لتقديم تعليم جيد لطلابهم ،من قبيل إعارة الطلبة أجهزة لوحية أو حواسيب محمولة ،مع الاحترام لكل هذه المبادرات لكنها لا تكفي لحل المشكلة، فلن يحل مشكلة التعليم معلم يقدم لطلبته حزم من الانترنت أو معلمة وفرت لطلبتها حسابات في منصات التواصل والتعلم عن بعد، هذا أمر لابد أن تتبناه الدولة وتقدم الحل الناجع الذي يقدم مخرجا من الأزمة ودائما لما بعد الأزمة، أما من صرح قائلا "عدم قدرة المعلم على توصيل المعلومة للطالب عن بعد يعني فشله في الأسلوب التقليدي أيضا" كلام باطل مردود على صاحبه فالتعليم منظومة وليس شخص أو أدوات أو وسائل بل كلها مجتمعة، مع الاجلال والتقدير لشخص المعلم فإن حاله في هذا الظرف كمن قيل فيه "رماه في البحر مكتوفا وقال له ..إياك إياك أن تبتل بالماء" أعدوا للمعلم عدته وهيئوا له البيئة ثم اعذلوه إن قصر " أقلوا اللوم لا أبا لكم .. أو سدوا المكان الذي سدوا"

خلاصة القول

التعلم عن بعد هو منظومة متكاملة لا يحكم عليها بالقطعة (إن بنجاح أو فشل) لابد أن يؤخذ منظومة كاملة لكنني أرى أن التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني مساندا قويا للتعليم التقليدي فالتعليم التقليدي والتعليم عن بعد جناحي العملية التعليمية التي تحلق بهما في سماء العلم والمعرفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.