شعار قسم مدونات

ماذا لو تفشت كورونا في غزة؟!

Friday prayers are held in Gaza mosques amid concerns about the spread of COVID-19

حاولت أن أسرح بتفكيري قليلا وأتخيل ماذا لو لا سمح الله انتشر أو تفشى فيروس "كورونا" في قطاع غزة!! هذا الفيروس اللعين الذي يصيب العالم أجمع ولم يرحم أعتى الأنظمة الصحية في الكرة الأرضية، كيف سيتم التعامل معه في غزة؟ وماذا سيفعل الناس؟ وكيف ستتعامل وزارة الصحة المنهكة أصلا في غزة مع تداعيات انتشار كورونا بين 2 مليون فلسطيني يعيشون في بقعة جغرافية لا تتجاوز 360 كم مربع. تخيُلي هذا لم يأت من فراغ وليس من باب الفال السيء، فقبل أيام قليلة من عيد الفطر أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، عن إصابة 19 شخصا جديدا مرة واحدة من بين المحجورين في قطاع غزة، بفيروس كورونا، وبعدها بأيام أعلنت عن اصابات جديدة بشكل متفرق كانت 6 اصابات في مرة أولى ثم 4 اصابات جديدة في آخر مرة أعلنت فيها وزارة الصحة، وبذلك ارتفع مجمل عدد المصابين إلى 70 حالة، تعافى منهم 18، فيما يخضع 51 مصابا للعلاج.

 

وبعيدا عن عدد الإصابات والأرقام التي غالبا ما ستزيد بشكل تدريجي ربما لأن غزة لم تصل بعد إلى الذروة في جائحة كورونا، فالمشكلة الرئيسية ليس في عدد الاصابات لأنه يعتبر قليلا مقارنة بعدد السكان أو بدول أخرى، لكن المصابين اختلطوا مع العشرات من العائدين خلال عودتهم إلى قطاع غزة وفي مراكز الحجر الصحي، أما الكارثة الحقيقية تتمثل في وجود شكوك لمخالطة هؤلاء المصابين لأشخاص من خارج مراكز الحجر الصحي. فلو تأملنا قليلا في احتمالية أو وجود شبهة بسيطة بمخالطة هؤلاء المصابين لمن هم خارج مراكز الحجر الصحي، كيف ستكون النتيجة؟! أو بمعنى أدق كيف ستكون المصيبة على سكان القطاع؟ ولا أبالغ أبدا حينما أقول مصيبة أو كارثة ستحل بهم، لماذا؟ لأن القطاع الصحي في غزة يرثى له، بل إنه متهالك، فهو يعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية منذ أكثر من 13 عاما بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة. كما أن المستشفيات في قطاع غزة ليست على مستوى عال واستعداد تام للتعامل مع عدد كبير من الحالات المصابة بكورونا حال حدوثها – لا قدّر الله-

 

وكان مكتب منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة بيّن أن جائحة فيروس كورونا زادت العبء على القطاع الصحي في غزة بالإضافة إلى التحديات التي كان يواجهها من نقص للأجهزة والأدوية والمستهلكات الطبية التي تصل إلى نسبة 50%. لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة أيضا، أن غزة ستكون من المناطق الأصعب في العالم استجابة لجائحة كورونا، في حال تفشّى الفيروس فيها؛ وذلك بفعل النقص في الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية.

 

Gaza mosques are sanitized before they reopen to worshippers to perform Friday prayers

 

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن مخازنها في غزة تعاني من نفاد 44% من الأدوية، و35% من المستهلكات الطبية، و65% من المواد المخبرية. وعدد أسرة العناية المركّزة في مستشفيات قطاع غزة سواء الحكومية أو الخاصة، أو التابعة للمؤسسات الطبية الأهلية، يبلغ 100 سرير فقط، متصلة بنحو 93 جهاز تنفس صناعي، مع العلم أن تلك الأعداد من أجهزة التنفس، يجب أن توفّر الخدمة لما يزيد عن 2 مليون مواطن فلسطيني في حال انتشر فيروس كورونا في غزة. حاولوا أن تتخيلوا ذلك معي، تخيلوا فقط!

 

وحتى هذه اللحظة من كتابة المدونة فإن معظم المصادر الفلسطينية تؤكد أن فيروس كورونا، غير منتشر في داخل قطاع غزة –الحمد لله- بسبب الحصار المفروض عليه، وصعوبة تنقل السكان، والتدابير التي اتخذتها الحكومة والوزارة في القطاع، خاصة في التعامل مع العائدين من الخارج إلى غزة عن طريق معبر رفح ووضعهم في مناطق العزل الصحي حتى يتم التأكد من سلامتهم وخلوهم من الفيروس.

 

ما أريد قوله باختصار ومن خلال كل المعطيات على أرض الواقع، فإن غزة غير مهيأة أبدا لأي مباغتة مفاجئة من كورونا حتى تقوم باللازم وتتدارك الموقف بشكل سريع، فدول عظمى مثل ايطاليا واسبانيا وفرنسا وانجلترا وأمريكا لم تستطع أن تسيطر على المرض عندما انتشر وتفشى في تلك البلاد رغم التقدم والتطور الهائل في النظام الصحي لتلك الدول. وأتمنى على المواطنين الفلسطينيين في غزة ألا يستهتروا بخطورة الفيروس الحقيقية وخطورة انتشاره، لأنه وللأسف ما زال الكثير منهم متساهل في التعامل معه ولا يأخذ أبسط التدابير اللازمة للوقاية من هذا الفايروس المميت.

 

وفي النهاية ما أؤمن به شخصيا، أن ما يحدث في غزة من عدم تفشي الفيروس بشكل خطير حتى يومنا هذا هو أولا بفضل الله العالِم بحالها وبفضل العناية الربانية الشديدة بتلك البقعة الأسيرة المغلوب على أمرها، التي تعاني من الحصار والظلم والقهر منذ سنوات سواء كان من الغريب "إسرائيل" أو من القريب وهم كثر، ولعل لله حكمة في ذلك، ونتمنى السلامة لغزة وأهلها من كل شر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.