شعار قسم مدونات

سد النهضة.. مصر ومعادلاتها الصفرية في ظل قيادة السيسي

epa07358385 Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (L) and Prime Minister of Ethiopia Abiy Ahmed (R) chat during the 32nd African Union Summit in Addis Ababa, Ethiopia, 10 February 2019. African heads of state and business leaders are gathering in Ethiopian capital for a two-day summit under the theme 'Refugees, Returnees and Internally Displaced Persons: Towards Durable Solutions to Forced Displacement in Africa'. EPA-EFE/STRINGER

شغلت قضية سد النهضة وملء بحيرته حيزاً كبيراً من السياسية المصرية في السنوات الأخيرة، حيث مَثّل سد النهضة قضية أمن مائي لمصر التي دائماً ما ربطته بأمنها القومي، فمنذ عهد الرئيس الأسبق لمصر حسني مبارك ومروراً بمرسي وأخيراً السيسي كانت اللغة المصرية دائماً تميلُ إلى لغة السلاح والتدخل العسكري لحسم الخلاف الذي عجزت غرف المفاوضات في العواصم الإقليمية والدولية عن الوصول به إلى حلول تُرضي أطراف النزاع الثلاث حتى هذه اللحظة، مما دعا مصر في الآونة الأخيرة إلى طلب تدخل مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي لحسم ذلك الخلاف، في ظل حديث سوداني مصري أن إثيوبيا تراجعت عن ملء بحيرة السد، وهو حديث لم يُعِرهُ الجانب الإثيوبي أي اهتِمَامٍ مما يعني أنه ماضي قُدُماً في ملء بحيرة السد في موعده الذي حُدّد له شهر تموز- يوليو القادم.

الخيارات المصرية في التعامل مع قضية سد النهضة

لم تكن الخيارات المصرية منذ الوهلة الأولى خيارات فنية أو دبلوماسية كما صرح أخيراً وزير خارجيتها سامح شكري، فمصر سعت منذ فترات سابقة في التأثير على القرار الإثيوبي عن طريق التدخل في شأنها الداخلي متخذةً من إريتريا – التي كانت وقتها في حالة نزاع وخلاف مع جارتها الجنوبية – قناةً لذلك التدخل، فمثلت إريتريا أرضيةً خِصبة لانطلاقة المعارضة الإثيوبية المدعومة مصرياً، وهو ما أكدته إثيوبيا في أكثر من محفل دولي أن مصر سلحت مجموعات إثنية احتضنتها الأراضي الإريترية بهدف السيطرة على نظام الحكم واشغال نار الحرب بين قومياتها الإثنية، فالقاهرة كانت إلى وقتٍ قريب تأوي وتستضيف جبهة تحرير أورومو فضلاً عن دعمها المالي والعسكري للحركة الشعبية لتحرير بني شنقول وحركتي تحرير شعب جامبيلا وأوغادين اللتين تتخذان من أسمرا مقراً لهما، فكان لمصر ما أرادت بفضل التغيُرات المحلية في إثيوبيا، فاهتز نظام هايلي مريام ديسالين بسبب الاضطرابات والاحتجاجات التي أرغمته على ترك منصبه في عام 2018م.

 

الخيار العسكري المباشر كان حاضراً بشدة في الرؤية المصرية إلى وقتٍ قريب، فحسني مبارك هدد بضرب السد بطائرة عسكرية كما أن الرئيس الراحل محمد مرسي أكد أن من يمدّ يده إلى مياه النيل سنقطعها له، وهي وتيرة استمر عليها السيسي قولاً بعد انقلابه في 2013م وعندما حان وقتها فعلاً عجز عن توجيها، فسعى السيسي إلى خيار آخر يُقوِّي به موقفه التفاوضي وهو إشعال الحرب بين السودان وإثيوبيا فعندما هاجمت عصابات إثيوبية الحدود السودانية هلل إعلام السيسي وأصبح يدق دفوف الحرب ويتحدث عن الصدام العسكري بين الدولتين، بل ذهب أبعد من ذلك عندما تحدث عن الاجتياح العسكري السوداني لإثيوبيا وأن عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني وهو مقربٌ من السيسي وحاضنته الإقليمية، قادرٌ على تدمير إثيوبيا في ساعات وهي أضغاث أحلام مصرية بحسب الوقائع والروابط بين البلدين.

إتفاقية حُسن النوايا بالخرطوم

في الثالث والعشرين من آذار- مارس 2015م احتضنت الخرطوم لقاءً شهيراً جمع رؤساء الدول الثلاث السوداني البشير والإثيوبي ديسالين والمصري السيسي بشأن سد النهضة والقضايا الخلافية بين هذه الدول، وتمخض من ذلك اللقاء وثيقة إتفاق عُرفت بإتفاقية إعلان المبادئ "حُسن النوايا" حيث نصت تلك الوثيقة على أحقية الدول الثلاث في مياه النيل كما نصت على أن سد النهضة مشروعٌ لمصلحة هذه الدول كما أكدت على سيادة الدول الثلاث ولا ضرر ولا ضرار بينهم، كما ألزمت الأطراف الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا.

 

أشارت وثيقة حُسن النوايا إلى تفيذ واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الخبراء الثلاثية حول الدراسات الموصي بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع؛ وهو البند الذي تتمسك به إثيوبيا في ملء بحيرة السد، فحسب التقرير فإن ملء السد لا بد أن يتم في موعده حفاظاً على السد نفسه من التصدع والانهيار، فإثيوبيا دائماً ما تُحمّل مصر فشل المفاوضات بشأن السد؛ بل وصف وزير الخارجية الإثيوبي بأن الشروط المصرية على طاولة النقاش دائماً ما تكون شروطاً تعجزية وغير منطقية، فهل تراجعت مصر عن وثيقة حُسن النوايا التي نصت على احترام تقرير لجنة الخبراء وحل النزعات وُدّياً بين الدول الثلاث والتي وقعها السيسي نفسه؟، أم أن السيسي سيظل يراوغ لكسب الوقت ولإلهاء الشعب المصري بقضايا جانبية مثل تدخله العسكري في الشأن الليبي وصراعه في سيناء؟.

أسد عَلَيَّ وفي الحروب نعامةٌ

يُبين طلب السيسي من مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي التدخل في قضية سد النهضة وحشد الدول العربية عبر جامعتهم بهدف الوقوف معه أن مصر اصطدمت بمُعادلاتِها الصفرية التي رسمت عليها موقفها التفاوضي منذ الوهلة الأولى لقضية السد، ولكن سيظل السيسي يكابر ويرمي فشله على الآخرين مع ممارسته لشعبوية مفرطة على الشعب المصري، فعندما كان حفتر يتقدم على حكومة الوفاق الليبي كان السيسي يهيء الشعب المصري لانتصاره على إثيوبيا أو إرغامها على التوقف عن ملء بحيرة السد، ولكن بعد خسارة حفتر في ليبيا وفقدان أمله وجه السيسي آلته الإعلامية بالحديث عن خطورة الوضع في ليبيا على أمن مصر القومي بعد التدخل التركي في الشأن الليبي ودعمه للحكومة الشرعية بقيادة السراج.

فعادت فزاعة الأخوان وتركيا من جديد في الإعلام المصري بحجة أثرهما في ليبيا وتهديدهم لأمنها القومي الذي تحول بين ليلةٍ وضحاها من خطورة إثيوبية عبر النيل إلى مهددٍ لبيبيٍّ عبر الصحراء الكبرى،ذلك المهدد يستوجب على مصر التدخل عسكرياً في ليبيا التي تشظت وتقسمت بسبب الحروب الأهلية التي تدعمتها قوى الثورة المضادة التي يدافع عنها السيسي اليوم؛ لذلك يبدو أن شطر البيت أعلاه – أسد علي وفي الحروب نعامة – تجسد فعلياً في طريقة عبدالفتاح السيسي في ظل مُعادلاته الصفرية والكسبية في كيفية التعامل مع قضيتي ليبيا وإثيوبيا.

 

ختاماً؛ من سوء حظ مصر وشعبها أن قضية أمنها المائي التي تهدد حياة أكثر من مليون نسمة تديرها قيادة لا تُحسن إدارة ملفها ومعادلاتها الكسبية لصالحهم، كما أنها لا تعي الخطر الذي يُهدد استمرار تدفق مياه النيل وانخفاض منسوبه الذي سيؤثر سلباً على بحيرة ناصر وعلى التوليد الكهربائي وعلى حياة المصريين مستقبلاً، مما يعني فقدان كثير من المشاريع الزراعية والخدمية في ظل عدم الإتفاق حول ملء بحيرة سد النهضة وكيفيتها وكيفية تشغيل السد نفسه في المستقبل؛ فالسيسي منهمك ومهتم بدعم الثورة المضادة في ليبيا بقيادة حفتر إرضاءً للحليف الإماراتي السعودي ونكايةً في تركيا ورئيسها أردوغان، في حين يَغض الطرف عن قضية القرن التي تُهدد حياة المصريين ولا أحد سواهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.