شعار قسم مدونات

سد النهضة.. الصراع الإثني الإثيوبي وموازين السياسة الداخلية والخارجية

ما نتائج وساطة واشنطن على أزمة سد النهضة؟

طفح على سطح السياسة الإقليمية والدولية في هذه الإيام الصراع القديم المتجدد بين الدول الثلاث المعنية بشأن سد النهضة الإثيوبي، وذلك بسبب قرب الفترة الزمنية المضروبة لملء بحيرة السد والمحدد لها سلفاً شهرتمّوز-يوليو- القادم من الجانب الإثيوبي في ظل رفض مصري وصمت سوداني على تلك الخطوة الإثيوبية، حيث فشلت المفاوضات بين الدول الثلاث في التوصل إلى إتفاق فني بشأن ملء بحيرة السد في ظل تمسك وإصرار إثيوبي على تنفيذ ذلك في الفترة المحدد، تجدر الإشارة إلى أن قضية سد النهضة مرت بمجموعة من المفاوضات والإتفاقات بين الدول الثلاث منذ القرارات الأولى لتشييده والتي انطلقت في بداية العقد السابق.

الأهمية الإقتصادية والسياسية الإثيوبية لسد الألفية الكبير

سد النهضة والذي يطلق عليه أيضاً سد الألفية الكبير يمثل أكبر سد كهرومائي في أفريقيا والسادس على مستوى العالم؛ يمثل طفرة إقتصادية نوعية من حيث إنتاج الكهرباء وتصديرها لدول شرق ووسط إفريقيا، حيث قدر البنك الدولي بأن عائدات إثيوبيا من تصدير كهرباء سد النهضة ستبلغ مليار دولار سنوياً قابله للزيادة، كما توفر بحيرة السد إمكانيات هائلة للتنمية الزراعية وصيد الأسماك والسياحة وزيادة مواردها المائية وتعدد استخداماتها.

 

ومن المتوقع أن تصبح إثيوبيا الدولة الأولى في إفريقيا جذباً للإستثمارات الصناعية بمختلف أشكالها نسبة لوفرة الطاقة من سد النهضة وعمالتها قليلة التكلفة، وكذلك موقعها الجغرافي الذي يجعل منها مركزاً وسطاً للسوق الإفريقي؛ كذلك وفر سد النهضة عشرة ألف وظيفة عُمالية قابلة للزيادة، مما ساهم في تقليل نسبة البطالة التي شكلت هاجساً إقتصادياً وسياسياً كبير للحكومة الإثيوبية.

 

 

تلك الفرص الإقتصادية الضخمة التي سيوفرها سد النهضة لإثيوبيا، ستجعل منها قوة إقليمية ذات نفوذ إقتصادي وسياسي في المنطقة فإثيوبيا ستمد أكثر من تسع دول بالكهرباء في محيطها الأفريقي، هذا الربط لن يكون إقتصادياً فقط؛ فالآثار الإقتصادية دائماً ما تَسبقها أو تَعقبها آثار سياسية، فأديس أبابا شكلت قِبلةً سياسية ودبلوماسية للدول الإقليمية والدولية فهي تحتضن مقر الإتحاد الأفريقي ومنظماته العاملة، كما أنها شكلت مقراً لحل وفض النزاعات الأفريقية وتَبيَّن هذا النجاح بشكل واضح في الأزمة التي طالت الفرقاء السودانيين بعد نجاحهم في إسقاط نظام البشير.

الصراع الإثني والسياسي بين القوميات الإثيوبية

في تمّوز-يوليو- 2019 أعد البروفيسور يوناس أديي أديتو الأستاذ المساعد للأمن الدولي وبناء السلام بمعهد الدراسات الأمنية في جامعة أديس أبابا ورقة عن الصراع والتطرف الإثني في إثيوبيا حيث تضمنت الورقة استطلاعاً للرأي كانت نتيجته أن 82% من الإثيوبيين يعتقدون أن خطر التطرف الإثني في بلادهم كبير ومهدد لمستقبل بلادهم وتماسكها الداخلي، أما السفير الأميركي السابق لدى إثيوبيا الخبير في شؤون القرن الأفريقي دافيد شين، فقد أبدى مخاوفه من تصدع إثيوبيا بسبب تصاعد الصراعات العرقية التي تزايدت وتيرتها في العامين الأخيرين، على خلفية صراع سياسي يتخذ طابعاً إثنياً، ظهر إلى العلن بعد وصول عرقية "الأورمو" إلى سدة الحكم بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

 

منذ 1989 وإلى 2018م تُدار إثيوبيا عبر ائتلاف يتكون من أربعة مكونات تمثلها "جبهة تحرير شعب تيغراي"، و"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، و"الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا"، و"الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا" ولهذا الائتلاف أمين عام يُشترط فيه أن يكون رئيساً لحزبه حتى يُقدم ويُنتخب لرئاسة الائتلاف والذي بدوره يصبحُ رئيساً للوزراء، وفي عام 2016م اندلعت احتجاجات صاخبة وعنيفة في إقليمي الأورومو والأمهرا احتجاجاً على نتائج إنتخابات 2015م التي يعتقد الأورومو والأمهرا أنها أقصت مكونيهما من السلطة وكرّست السلطة التفيذية في نخبة التيغراي، وعلى أثر تلك التظاهرات تقدم رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين باستقالته آمِلاً أن تكون حلاً سياسياً وإقتصادياً، وعلى أثرها قدم الائتلاف الحاكم آبي أحمد ذا الخلفية الأورومية خلفاً لسلفه الذي ينحدر من شعوب جنوب إثيوبيا بهدف تحقيق التوازن السياسي والإصلاح الجذري وكبح جماح التظاهرات الإثنية.

ملء السد وأثره على سياسات أبي أحمد

بعد صعود أبي أحمد إلى وظيفة الرجل الأول في إثيوبيا لم يهدأ الصراع السياسي والإثني فيها فالتظاهرات اندلعت من جديد حتى في مناطق قوميته التي ينحدر منها، كما أن قوميتي الأمهرا والتيغراي تُعارضان آبي أحمد بشكل كبير نتيجةً لسياسته التي اتخذها لتمكين مقربين منه في مفاصل الدولة وإزالة قيادات تلك القوميتين من الوظائف العليا في أجهزة الجيش والشرطة والأمن، كما أن نظام آبي أحمد واجه ثلاث محاولات إنقلابية أشهرها تلك التي أودت بحياة رئيس أركان جيشه وحاكم إقليم الأمهرا، كما أنه تعرض لمحاولة اغتيال كادت أن تُودِي بحياته، في ظل توجيه نقد لاذع ومستمر لسياسته الخارجية مثل تساهُلهِ في سد النهضة وبنود السلام مع إرتيريا.

ميدان - آبي أحمد (رويترز)

في الفترة الأخيرة أصبح الرجل الحائز على جائز نوبل للسلام أكثر قسوةً من ذي قبل مع معارضيه في الداخل والخارج وتحديداً فيما يتعلق بسياساته الخارجية، وربما يعود ذلك إلى قرب السباق الإنتخابي المقرر له نهاية هذا العام والمؤجل بسبب جائحة كرورنا، فقضية سد النهضة تعد القضية الأولى في إثيوبيا لما لها من أهدافٍ إقتصادية وسياسية وإثنية، لذلك تظل برنامج انتخابي يتنافس حوله الجميع، كما أن آبي أحمد أصبح أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يستجيب لرؤية الداخل الإثيوبي ويملأ بحيرة السد في الموعد المحدد له الشهر المقبل – وهو ما يتحفظ عليه المجتمع الدولي بقيادة مجلس الأمن في ظل عدم الإتفاق بين الدول الثلاث – وإما أن ينحني لتك العاصفة الدولية ويؤجل ملء بحيرة السد – فالرجل يبحث عن قبول ونفوذ دولي أكبر- وحينها سيفقد منصبه بنهاية هذا العام.

 

ختاماً؛ تظل قضية سد النهضة قضية شائكة ومعقدة سواءً كان ذلك داخل إثيوبيا أو خارجها، فالصراع الإثيوبي السياسي ذو الطابع الإثني هو أكبر مهدد داخلي يواجه اتمام عملية تنفيذ وملء بحيرة السد، فكل مُكون سياسي يسعى إلى تحقيق أهدافه عبر مشروع سد النهضة والظَّفر بإتمام عملية إخراجه النهائية، فمقتل مدير مشروع سد النهضة السابق ليس بعيداً عن ذلك الصراع، كما أن تأخير ملء بحيرة سد النهضة وتدويلها عبر مجلس الأمن الدولي بعد الطلب المصري سيزيد من حدة الإستقطاب الداخلي الذي يؤكد أن قضية سد النهضة هي قرار إثيوبي بحت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.