شعار قسم مدونات

انقذوا مصر من الفخ الليبي

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi and defence Minister Mohamed Ahmed Zaki attend the graduation ceremony of new army officers at the army academy in Cairo

استعراض سريع للعقدين الماضيين سنرى أن هناك فخاخا نصبت لتدمير أهم وأكبر ثلاث دول عربية، الفخ الكويتي الذي سقط فيه صدام حسين، وتسببت عنجهيته في تدمير بلاده، كان بمثابة مصيدة أمريكية لشرعنة احتلال العراق وتدميره، واحتلال الخليج من جديد، إذ أعطت السفيرة الأمريكية في بغداد إشارات ملتبسة لصدام حينها بأنهم يوافقون على الغزو أو على الأقل لا يعارضونه.

 

أما الفخ الثاني فهو الفخ السوري، حيث تسببت عنجهية بشار الأسد ورفضه التحاور مع شعبه بعد خروجه في انتفاضة سلمية، كانت مطالبها الإصلاح وكبح جماح الأجهزة الأمنية، في تدمير بلاده وهدم المعبد على الجميع، وبدلا من تقديم تنازلات لشعبه بات اليوم محتلا من قبل ٣ دول، وانتهى من " رئيس" إلى واحد من زعماء الميليشيات المتقاتلة في سوريا، وطبق بغباء الوصفة الإسرائيلية الأمريكية بتدمير سوريا وتأمين تحييدها واخراجها لعقود خارج القدرة على الفعل. في سوريا كانت هناك أيضا إشارات أمريكية ملتبسة، لكن للمعارضة السورية التي خذلت وتركت وحيدة بمواجهة نظام طائفي، ليتبين لاحقا أن تدمير سوريا وتحويل ثورتها لحرب أهلية كان مخططا أمريكيا إسرائيليا نفذه النظام بإتقان.

 

تقديري أن الفخ الثالث ينصب حاليا لمصر وليس السيسي، لجرها لحرب عبثية في ليبيا، بعد سنوات من التجريف الممنهج الذي قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي بعد انقلابه في عام ٢٠١٣، ذلك الرجل الذي أوقع مصر في الفخ الإسرائيلي عندما نفذ انقلابه على الرئيس المنتخب، وأوقف عجلة الديمقراطية التي بدأت بالتحرك عقب ثورة يناير ٢٠١١، وبارك وقتها الإسرائيلي انقلابه مدعوما بمال خليجي، يدفعه ذات الحلف اليوم لتوريط مصر في حرب تستكمل ما بدأه انقلاب ٢٠١٣ من تدمير لمصر واستنزافها.

مشكلتنا في العالم العربي أننا لا نقرأ التاريخ، ومن يقرأ التاريخ من العرب لا يقوم بالإفادة من الماضي بل يكرر أخطاءه، إذ يبدو أن الانتحار الذاتي بات صفة عربية بامتياز يستحق العرب بجدارة أن يدخلوا بها موسوعة غينتس للأرقام القياسية.

 

تقديري أن تصعيد السيسي الأخير تجاه ليبيا قد يؤشر على احتمالية تدخل عسكري مباشر، أهداف السيسي منه: الرضوخ للضغط الخليجي، الطمع في دعم مالي والذي بات يعرف في الحالة السيساوية ب " الرز الخليجي" ، وتحويل الأنظار عن الأزمة الحقيقية  التي تواجه مصر وهي سد النهضة الأثيوبي والتي فشل الرجل تماما في مواجهتها، وبات مضربا للتندر والضحك وهو يملي على رئيس وزراء أثيوبيا قبل عام كلمات يتعهد فيها بعدم الاضرار بمصر، في مشهد " كوميدي" بامتياز" يجعل العربي يبكي دما على الحال التي انتهت لها مصر المحروسة، لكن تقديري كذلك أن تدخله في ليبيا لو حصل قد يفضي لسقوطه بحدوث انقلاب عليه من داخل المؤسسة العسكرية لأن فشله في ليبيا مؤكد، فالتاريخ يخبرنا أن العساكر المصريين الذي انقلبوا قبل السيسي وخاضوا حروبا دون شرعية شعبية هزموا في كل تلك الحروب.

 

أخيرا ونحن نراقب التصعيد المصري والتحريض الخليجي على الحرب، يحق لنا أن نتساءل عن سبب التسامح العربي غير المحدود مع كل غير العرب، والحب والهيام بالأجنبي والإسرائيلي والكره للعربي، لماذا تتحول وزارات التسامح التي أسستها بعض الدول لوزارات حرب عندما يكون الخلاف عربي عربي؟ لماذا يختفي التصالح ومعه كل أنغام الالتحام الانساني والديني؟ لماذا لا تجتمع الجامعة العربية لحل الخلافات العربية على الطاولة بدلا من الاشتراك في حملة تحريض ممنهجة؟ ارحموا شعوبكم لا يحتمل العربي المقهور من المحيط إلى الخليج مزيدا من الحروب.. يريد ماء ورغيف خبز، ومدراس، لا بنادق ولجوء، ومزيدا من الأيتام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.