شعار قسم مدونات

محمد مرسي.. بين الرمزية الثورية والعقلية المنطقية

blogs محمد مرسي

بسم الله الحق العادل رب الحق والعدل، بسم الله الخالق رب الصعب والسهل، بسم الله الأول والآخر، رب البداية والنهاية، رب كل نبي وكل رسول وكل عالم وعالم، رب مرسي ورب مصر ورب كل حدث وقصة وعظة وحكاية، لقد بات من الخطأ الجليل والتضليل بالتجهيل، ان نري أو نؤصل لفترة الرئيس محمد مرسي، علي أنها فترة لرمزية ثورية انتقالية، أو أنه لم يكن في الإمكان أحسن مما كان، فالعسكر منقلبون منقلبون، وطال الأمر أو قصر كانوا علي مرسي متغلبون، فقد أثبتت المعايير والدراسات ومع مرور الأيام والخوض في التحليلات بأننا يجب أن ندرس ونتدارس تلك الفترة العظيمة من تاريخ مصر الحديث بناء علي تحليل لأبعاد عقلية منطقية بحثية نقيم فيها هذه الفترة حق التقييم نجيب فيها علي أسئلة مصيرية لكي نري الحقيقة الجلية ونتفهم أبعاد تلك القضية.

 

وقد بات المفهوم التحليلي المستهدف يمتد عبر حقبة من الزمان تعدت نصف العقد بمكان، فبات التأثير الزمني مرتبطا بمنتجات ومتغيرات جلية لا يمكن معها تغييب الحقيقة أو استبدالها بأكذوبة إعلامية أو صناعة استخباراتية، وأنا هنا أيضا لا استهدف البحث المقارن بين الرئيس والمنقلب، فهذا ليس بمكانه ولا يليق فلا يمكن مقارنة الثراء بالإفلاس ولا العلم بالتجهيل، ولا التنوير بالتغفيل، ولا يجوز مقارنة فن صناعة المجتمعات "بشغل الحمير".

 

وأنا هنا أستدعي كل ما خبرته وعلمته وتعلمته فعلمته لكي أستحضر أحداثا كنت ملاصقا لها وشاهدا عليها ومحللا وكاتبا عن مجرياتها، فلا سر ولا أسرار، في أن تلك المرحلة كان لها عظيم التأثير في مجريات حياتي وما جرت به الأقدار، فقد كنت أصغر من ترشح للرئاسة في سن الأربعين ومن أول من تنازل ليدعم حملة الدكتور مرسي الشهيد الكريم ؛ وتشرفت بتحليل نتائج فوزه علي تلفاز الفضائية المصرية في فجر الحدث العظيم، وكثير من الأحداث والمجريات شاركت فيها أنبل النبلاء من إخوة وزملاء فضلاء حتي يوم الانقلاب اللعين، يوم نزلت اللعنة علي بلادنا يحملها شرذمة من المجرمين، ومازالت أحمل هذا التأثير والتفكير وأمل التغيير ومحاور التفعيل فوقفت مرة أخري مواجها ومرشحا في وجه المنقلب اللعين في انتخابات ٢٠١٨ مع مجموعة من أفاضل المصريين، فأنا بلا شك ولا إخفاء دليل حي علي صناعة يناير وعلي تغيير جوهري أنتجته فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي ومازالت أحمل الأمل في بناء مصر الحرية والديمقراطية والنماء.

Presidential candidate Mohamed Morsy of the Muslim Brotherhood casts his vote in a polling station in a school in Al-Sharqya, 60 km (37 miles) northeast of Cairo June 16, 2012. Egypt's first free presidential election concludes this weekend in a run-off between the Muslim Brotherhood's candidate Mohamed Morsy and Ahmed Shafik, the last prime minister of ousted leader Hosni Mubarak. REUTERS

ولهذا فأنا أزعم بأننا يجب أن نبحر في أحداث فترة حكم الرئيس الشهيد مستحضرين قواعد وأبعاد دراسية واضحة تقيم حكمه في ضوء محاور محددة: كالاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتغيرية والأمنية وكذلك في ضوء سياساته الخارجية واستراتيجيات الاكتفاء الذاتي وتحقيق العدالة الاجتماعية والترسيخ لصناعة تحول ديمقراطي عبر بناء شخصية اجتماعية حرة مستقلة واعية وغير فوضوية، وسوف نتطرق سويا بالتحليل والفهم لأهم هذه المحاور والمعطيات في هذه الحلقة وما يتبعها من حلقات.

محمد مرسي.. ونموذج إدارة التغيير الإبداعي Innovative Change Management Model

وهنا أحب أن أؤصل مبدأيا لواقع وحقيقة بأن الدكتور محمد مرسي قد قدم نموذجا تغييريا إبداعيا مبهرا لكل من لديه عقل أو علم أو فهم أو من كان علي دراية بأحدث الاتجاهات في تحليل المتغيرات، فهناك بعدين رئيسين يوثقان مفهومي الداعم لتقييم تلك الفترة كونها معجزة سياسية وحكمية وهما بعدا قيادة الزمن Pace والكم Scale وهما البعديين الرئيسين لدراسة محاور التغيير لأي منظومة مجتمعية أضف لهما بعد السرعةSpeed  الذي يحكم فاعلية قرارات المنظومة، ولهذا فكون الرئيس محمد مرسي كان يدير منظومة تغيرية ذات بعد كمي هائل من الأحداث الطبيعية والمفتعلة اللا متناهية علي المستويين المحلي والدولي، وبمعدل سريع جدا وفي نطاق زمن حكمي لم يتعدي العام إجباريا وليس اختياريا.

 

يجعلني كل ذلك أرى تأثيره الشخصي والمهني في هذه المنظومة تأثيرا أسطوريا إذا ما ربط كل ذلك وقورن علميا بمعدل ونسبة وحجم وسرعة الفشل الذي تعرضت له نفس المنظومة في إطار زمني يقارب سبعة أضعاف زمن حكمه وفي وجود موارد غير مسبوقة وفرتها قروض فلكية ودعم قوي ومستمر من منظومات ساندت الانقلاب وصنعته ونجحت في إفشال التجربة الديمقراطية الوليدة عير مبعوثها العسكري الانقلابي السيساوي، والذي سيطر علي مقدرات البلاد في ٣ يوليو ٢٠١٣، وأنا هنا في هذه الحلقة لست بصدد سرد تفاصيل رقمية ودراسية لأنني أهدف إلى صناعة المفهوم وترسيخ أصول المضمون، وليس سرد الأرقام وتوصيف النسب أو تعريف علاقتها بالزمان، ويمكنكم الاطلاع على تفاصيل الأرقام البحثية والداعمة للكلام بالمنطقية، بالرجوع إلى كتاب رئاسة الجمهورية والتعليق عليه من موقع الجزيرة تحت عنوان إنجازات مرسي.

 

ولكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عن ارتفاع معدل النمو للناتج المحلي في خلال التسعة أشهر الأولي من ٢٠١٣، وارتفاع إجمالي الاستثمارات في خلال نفس المدة، أضف إلى ذلك ارتفاع الحد الأدنى للأجور والكادر الخاص للمعلمين وتحسين أوضاع هيئة التدريس؛ والضمان الاجتماعي ومشروع المرأة المعيلة، وتقنين أوضاع العمالة والإعفاءات الخاصة بصغار المزارعين ودعم المواد الغذائية وزيادة عدد المخابز، وغيرها وغيرها، وأهم من ذلك وعلي رأس أمته، صناعة شخصية مصرية جديدة تسعي نحو الحرية وتعمل من أجل ترسيخ الديمقراطية، ومحدثكم ليس من ذلك ببعيد، والناظر بعين العقل والدارس والمحلل لتفاصيل ومتطلبات ومكونات الحركة الاستخباراتية تمرد ومستقبلها، وتفاصيل مؤامرة ٣٠ يونيو وقيادتها وصناعها ومموليها، يمكنه أن يستنبط الكثير عن حجم التزييف والخداع والمؤامرة الذي تعرضت له مصر والمصريين على أيدي مجموعة من البلطجية في أثواب عسكرية ودينية وثورية وحزبية وبرادعية.

blogs محمد مرسي (رويترز)

محمد مرسي.. بين الرمزية الثورية والعقلية المنطقية

أريد أن أضع مفهوما واضحا فالقول بأن الدكتور مرسي لم ينجح في حكم مصر وأن غالبية من انتخبوه قد عصروا الليمون وشربوا الكمون، هو قول لا يحتكم إلى عقل ولا ينطق به لسان في رأس، وقد كان من الممكن أن نتقبل الآراء ونستمع إلى هذا الهراء قبل أن تمر علينا السنين وتنطق الأيام بهول الكوارث والقروض والفقر والقمع وضياع قيمة البلاد والعباد في الداخل والخارج وضياع النيل والأرض والعرض.

 

بل أن الواقع والحقيقة أن الدكتور مرسي قد قدم نموذجا متقدما لحكم مدني شامل لم تعرفه مصر في عصرها الحديث حيث أن أساس بنائه قام على كون الرئيس منتخبا عبر انتخابات ديمقراطية حرة تفرض قواعد دستورية محددة تضمن صناعة منظومات اقتصادية وسياسية واجتماعية متقدمة ومتطورة، ولا يمكن مقارنة تلك المنظومة أو الهيكلة من قريب أو بعيد بحكم عسكري أو بإدارة دولة يحكمها الجيش ومؤسسات الأمن الوطني ولواءات المعسكرات، فتلك المنظومات باتت من قصص أفلام الرعب الردئية وحكايات الحروب القميئة، يشاهدها الناس حول العالم ولا يسمعوها ولا يمكن أن تحكمهم أو يمكنوها.

 

إن الدارس لشخصية الدكتور محمد مرسي الرئيس المصري الشهيد يجد أن الله قد حباه بصفات ومميزات لم نسمع عنها إلا في سيرة حكام مسلمين قد عرفهم التاريخ ودانت لهم الدنيا بأمر رب العالمين، ففي هذا القرن العشرين نجد رئيسا مصريا لا يسكن قصر الرئاسة ويسكن منزلا بالأجر، رئيسا لا ينام بسبب صحفي قبض عليه لأنه سبه فيلغي قانون الحبس ليحرره، رئيسا يتفقد اكل حرسه قبل اكله في رمضان، رئيسا يحترمه الجميع وتقف له الأمم، رئيسا يتقدم أولاده لوظائف مع العامة ويقبلون ويرفضون، يوقف موكبه بعد انتخابه ليحيي صاحب منزله خوفا من أن يراه المالك قد تغير، رئيسا كان لفلسطين العزة والقوة في زمنه، رئيسا ترحم علي الصحابة تحت قبة إيران، رئيسا زلزلت كلماته مقر الأمم المتحدة، رئيسا يصلي الفجر بالناس ويقطع كلمته في الإسكندرية ليؤذن للصلاة بروية، رئيسا مصريا لم يتقاضى راتبا ولم يتهمه أحد حتي من حاكموه من مجرمي الأرض بالفساد، رئيسا رفض أن يطلق رصاصة علي مقتحم لقصر حكمه حتي لا يصيب دما مسلما ؛ رئيسا وعد فصدق فمات وقتل من أجل مصر والمصريين، مصر في أشد الحاجة لهذا الرئيس، مصر في حاجة إلى مرسي جديد، قائد يحيي هذا النموذج الفريد من الحكم والمثابرة والإنجاز لكي يتحول العام إلى أعوام وتتغير مصر في شهور وأيام.

 

فحق علينا القول لنقول، في ذكري أول الرؤساء، سلاما يا أعز الشهداء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.