شعار قسم مدونات

دور الأوبئة في انهيار الدولة الأموية

يذكر المؤرخون عدداً من الأسباب وراء انهيار الدولة الأموية، فيذكرون من أسباب سقوطها ظهور الأحزاب السياسية المعارضة، كالخوارج، والشيعة، وابن الزبير، وقيام الجمعيات السريعة التي دبرت المؤامرات للقضاء على بني أمية، وكذلك النزاع بين أبناء البيت الأموي، ولم يذكر أحد منهم أن من أسباب سقوطها كثرة الأوبئة والطواعين التي كانت في عهد بني أمية، وظهر ما يقرب من ستة وعشرين طاعون في الدولة الأموية التي استمرت من عام واحد وأربعين هجري حتى مئة وسيع وثلاثين هجرية.

أهم أحداث الطاعون

1- طاعون المغيرة بن شعبة سنة تسع وأربعين تاريخ الطبري5/232 المنتظم 5/224

2- الطاعون الجارف سنة خمس وستين أو أربع وستين تاريخ الطبري 5/612

3- طاعون الفتيات سنة ثمان وثمانين أو ستة وثمانين المنتظم 6/267

4- طاعون سلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومئة المنتظم 7/287

 

وينبغي أن نشير إلا أنه حدث استلام الأمويين للحكم بطاعون، وكان سقوطهم كان بطاعون أيضاً، فقد وصل سيدنا معاوية إلى ولاية الشام بعد طاعون عمواس الذي حصد أرواح البشر في الشام، ومنهم أغلب الصحابة، فقد ولى سيدنا عمر يزيد بن أبي سفيان على الشام بعد وفاة أبي عبيدة بن الجراح الذي توفي في طاعون عمواس ليتوفى يزيد في نفس العام ويستخلف أخوه معاوية، كما أن بداية النهاية للدولة الأموية كانت بطاعون مسلم بن قتيبة عام 131 يقول خليفة بن خياط " فكان يموت فيه الجميعة من الناس اشتد في شعبان وكانت حمته وشدته في رمضان ثم سكن فكان كنحو ما بدأ حتى انقضت السنة" فقد حسم طاعون مسلم بن قتيبة معركة مروان بن محمد مع أبي مسلم الخراساني قبل وقوعها.

 

هروب الخلفاء والوزراء

أول طاعون في الخلافة الأموية طاعون المغيرة بن شعبة في خلافة معاوية في عام 49هـ والذي خرج بسببه المغيرة من الكوفة هرباً من الوباء، وهرب أبو سفيان بن زياد من الطاعون الجارف إلى البادية فطعن في البادية ومات هناك، وفي عام 70هـ هرب عبد العزيز بن مروان والي مصر إلى حلوان واستخلف عبد الرحمن بن معاوية بن جديع الكندي وقام عبد العزيز بن مروان، والي عبد الملك على مصر، بإعمار منطقة حلوان، وأقام بها، نائيًا بنفسه بسبب الطاعون.

 

وترك عبد الملك بن مروان دمشق اتقاء الوباء عام 86هـ وترك الوليد بن عبد الملك دمشق أيضاً بسبب الطاعون سنة 87 وهرب هشام بن عبد الملك من الطاعون إلى دير خارج دمشق، كما بنى هشام بن عبد الملك مدينة الرصافة وتقع في البرية وابنتى بها قصرين وكانت مدينة رومية في القديم، فقيل له: «لا تخرج، فإنّ الخلفاء لا يطعنون، لم نر خليفة طعن!» فقال:- «أفتريدون أن تجرّبوا بى؟» وفي عام مئة و خمسة فر محمد بن عبد الملك بن مروان بعد توليه مصر مباشرة إلى الصعيد بسبب الوباء، إلا أنه عام إلى مصر مرة أخرى ثم خرج إلى الأردن وطلب العفو عن منصب الولاية فأعفاه هشام بن عبد الملك من الولاية . كما هرب عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف والي دمشق خوفاً من الوباء واستخلف ابنه سنة ستة وعشرين ومئة.

 موت الخلفاء بسبب الطاعون

مات عدد من الخلفاء أو ولاة العهد مما سبب فراغاً في السلطة، ومن أهم من مات بسبب الطاعون:

1- يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، الخليفة تاريخ أبي زرعة 196

2- معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الخليفة، البدء والتاريخ 6/17

3- المغيرة بن أبي شعبة، أمير البصرة، المعارف 1/295

4- زياد بن أبي سفيان ويقال له: زياد بن أبيه وزياد بن سمية، والي العراق، البداية والنهاية 8/67

وغيرهم عددا مم سيكون خليفة أو من الولاة.

 

اقتطاع أجزاء من الدولة الأموية

كان البيزنطيون قد اعتادوا، عقب سماعهم بوقوع الطاعون في الشام، مهاجمة تلك المدن الواقعة على التخوم، مثلما حدث في طاعون الجارف في عام 69هـ/ 688م، ، فقام الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني (66 – 77هـ/ 685 – 695م) بانتهاز تلك الفرصة، وقام بحملة واسعة استهدفت إخضاع أرمينيا وإعادتها إلى السيادة البيزنطية ونجح بالفعل في سلخ أرمينيا عن جسد الدولة الأموية، تكرر في عام 79هـ/ 698م مسلك الروم نفسه في الطاعون العام؛ إذ أقدم البيزنطيون على مهاجمة أنطاكية. ويبدو أن الأمر تكرر في عقب طاعون الأشراف أو الفتيات، كانت أمور الشرق مضربة كثيراً ورغم ذلك لا يسجل المرخون أي تقدم للأتراك، فقد دخل أبو مسلم مرو وقت ما كن هناك طاعون كبير يجتاج العراق والشام واستمر بتقدمه إلى الري في سنة إحدى وثلاثين وقت طاعون مسلم بن قتيبة.

الآثار الاقتصادية جراء الطواعين

لاحظ أحد الباحثين في التاريخ الاقتصادي للدولة الأموية ذلك الارتفاع الكبير في الأسعار في أواسط العصر الأموي، مُبديًا استغرابه من عدم وجود مبرر لحدوثه في فترة وصفها بفترة استقرار نِسْبي للنظم الإدارية والمالية والسياسية، وهي الفترة الممتدة بين عامي 80هـ/ 699م و 100هـ/ 718م، حيث لاحظ أن القوة الشرائية للدينار الأموي (حديث العهد) قُدّرت بـ 20 أردبًّا من القمح في الفترة بين عامي 80هـ/ 699م و87هـ/ 705م، ثم انخفضت انخفاضًا حادًّا لتصل إلى 12 أردبًّا في عام 88هـ/ 706م، ثم وصلت في الفترة من عام 88هـ/ 706م إلى 100هـ/ 718م إلى 10 أرادب. ثم من المؤكد أنها انخفضت مرة أخرى في عهد عمر بن عبد العزيز إلى حدٍّ أقل لم تعيّنه المصادر المعاصرة، بيد أنه يُشتبه أن يكون ذلك الانخفاض حادًّا أيضًا. انظر: (الطاعون في العصر الأموي صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية)

 

وهكذا نعلم أن كثرة الطواعين في العصر الأموي أثرت تأثيراً كبيراً في الدولة وساعدت العباسيين على استلام دفة الحكم ولم يكن للأمويين أي خيار تجاه هذه الطواعين.


المصادر:

كتاب الطاعون في العصر الأموي صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.