شعار قسم مدونات

كورونا.. فرصة ذهبية وموسم حصاد لمجرمي الإنترنت

blogs التعليم الإلكتروني

مع بداية آذار من العام الحالي وفي ظل تفشي فيروس كورونا حول العالم، انقلبت حياتنا رأساً على عقب. العدوى لحقت بملايين الاشخاص وأودت بحياة مئات الآلاف حتى الآن كما خسر عشرات الملايين من البشر وظائفهم بسبب الحجر الصحي التي فرضتها الحكومات كإجراء احترازي للوقاية. وبغض النظر عن فاجعة المرض التي لحقت بالملايين يتوقع خبراء الاقتصاد انكماشاً كبيرا في الأسواق في الربع الثاني من هذا العام الى جانب الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد العالمي مؤخراً.
الخاسر الأكبر كان الشركات المتوسطة والصغرى وقطاع السياحة والخدمات بشكل رئيسي، فالمطاعم ومراكز التسوق والمنتزهات والنوادي الرياضية كلها أغلقت أبوابها في وجه قاصديها بأمر من الحكومات، لتفادي المرض والحد من انتشار العدوى.

ولتفادي الخسائر ومنع توقف دوران عجلة الاقتصاد، عمدت أغلب الشركات التقنية الكبرى ومنها Google وApple وMicrosoft إلى إتاحة إمكانية العمل عن بعد لموظفيها كوسيلة مثالية لحمايتهم والحفاظ على استمرارية العمل، حيث يستطيع أغلب موظفي هذه الشركات أداء مهامهم اليومية على أكمل وجه من المنزل دون الحاجة للذهاب إلى مكاتبهم. ويهدف هذا الإجراء إلى تقليل أي اتصال جسدي أو تواصل غير ضروري أو تجمعات يمكن أن تؤدي إلى انتشار أكبر لفيروس كورونا.

موسم حصاد للقراصنة ومجرمي الإنترنت
يستخدم العديدون منا الشبكات الافتراضية الخاصة للوصول الى الخدمات والمواقع المحجوبة في بلده أحياناً، ولكن ما يجهله الكثيرون أن لهذه التطبيقات استعمالات أكثر فائدة بمئات المرات تتعلق بالأمن والحماية على الإنترنت

قد يكون العمل من المنزل أمراً محبباً للكثيرين ولكنه ومن الناحية الإدارية، واجهت العديد من الشركات تحديات أمنية سببت ضياع وتسريب العديد من بياناتها. شبكات المكاتب والشركات دائماً ما تكون أكثر أماناً لأنها محاطة بجدران حماية يصعب اختراقها، حيث تعمد العلامات التجارية الكبرى كالبنوك وشركات الاتصالات إلى توظيف عدد كبير من خبراء أمن المعلومات لتدعيم وحماية هذه الشبكات. لكن ومع تواجد وعمل الموظفين من منازلهم وزيادة نشاطهم على الإنترنت من خلال شبكات منازلهم (الضعيفة أو عديمة الحماية) فقد خرجت الأمور عن السيطرة نوعاً ما وواجهت هذه الشركات تحديات حقيقية في حماية بيناتها وملفاتها على الإنترنت ووجد قراصنة المعلومات حول العالم فرصة ذهبية قد لا تعوض.

فكانت الخطوة الأولى والأهم للعاملين عن بعد هي تأمين مستلزمات الحماية من برامج مكافحة الفيروسات وشبكات الخاصة الافتراضية لتشفير وحماية الخصوصية على الإنترنت والمعروفة بـ VPN. وهي بالعربية تعني شبكة خاصة افتراضية (وهمية) تسمح لك بإنشاء قنوات اتصال آمنة على الإنترنت، في تستخدم خاصيات تشفير معقد (كتشفير AES256) مما يجعل البيانات غير قابلة للقراءة والفهم لكل من يحاول التجسس على اتصالك موفراً بذلك حماية تامة لمعلوماتك. بحسب موقع AtlasVPN المهتم بقضايا الأمن السيبراني فقد زاد البحث عن تطبيقات VPN في محركات البحث بنسبة 400٪ في الشهر الماضي وحده فقط كما أعلن تطبيق NordVPN أحد أكبر موفيري هذه الخدمة والرائد في مجال أمن المعلومات عن ازداد الطلب على خدماته بنسبة تفوق الـ 150٪ خلال جائحة كورونا فقط الحالية.

أيضا أحد أكبر التحديات يكمن في تأمين قنوات اتصال وحسابات آمنة لاعضاء الشركة الواحدة لتسهيل المحادثة وتبادل المعلومات فيما بينهم. كلنا سمعنا عن المشاكل الأمنية التي عانى منها تطبيق Zoom الذي ذاع سيطه مؤخراً في أغلب الشركات والجامعات حول العالم، التطبيق الذي تمكن من جذب أكثر من ٢٠٠ مليون مستخدم في فترة زمنية قياسية لا تتعدى الشهر، ليتحول عدد مستخدمي التطبيق من بضع ملايين إلى ٢٠٠ مليون مستخدم مضيفا أكثر من ٣ مليارات دولار إلى ميزانية الشركة! لا شك أن فيروس كورونا كان مصيبة كبرى أوقفت دوران عجلة الاقتصاد لأكبر الحكومات والشركات. بل وشغلت العالم بإيجاد العقارات الطبية والحلول التقنية لتفادي الخسائر المادية الناجمة عن إفلاس وإيقاف العمل للكثير من المؤسسات والشركات، ولكن مما زاد الطين بلة هو الانتهاك اللامتناهي للخصوصية على الإنترنت.

فمع بقاء التزام الجميع بمنازلهم، أصبح الإنترنت هو الشغل الشاغل لمعظم الناس سواء للعمل أو للتعليم والتسلية وأصبح البيانات الشخصية أكثر عرضة للسرقة الإلكترونية. ففي نيسان الجاري كشف تقرير لشبكة Business Insider الأمريكية الشهير، عن وجود أكثر ٥٠٠ ألف حساب وكلمة مرور لتطبيق Zoom معروضة للبيع على الـ Dark web بسعر 546 دولار أمريكي فقط! يعني أقل من فلس للحساب الواحد كما تم تسريب العديد من الاجتماعات والمحادثات والمؤتمرات الخاصة وبيعها. وأيضاً في ١٧ نيسان الماضي، كشفت forbes قيام القراصنة ببيع بيانات أكثر من ٢٥٦ مليون حساب إلكتروني بمبلغ 500 دولار أيضاً!

حتى الجامعات لم تسلم من القراصنة! حيث تحدث تقرير مفصل من صحيفة الغارديان البريطانية اليوم في الـ ٣ من أيار عن قيام قراصنة من الصين وروسيا باستهداف جامعات وحسابات طلاب من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ولكن يتساءل الكثيرون ما الذي يبحث عنه القراصنة؟ وهل خصوصيتك عرضة للخطر؟ مع كل مرة تقوم فيها بتصفح موقع أو تطبيق معين، فإنك تقوم بتسريب كم هائل من معلوماتك الشخصية لمصدر غير معلوم قد يكون يكون المواقع التي تزورها نفسها أو شركات مزودي الإنترنت والحكومة، ومن هذه البيانات المسربة:
1- عناوينك والفترة الزمنية التي تقضيها في كل موقع (وهذا يعطيهم احتمالات معرفة مكان عملك وبيتك).
2- نشاطاتك المفضلة وكل المواقع والصفحات التي تزورها كل يوم والفترة الزمنية التي تقضيها بكل صفحة.
3- قائمة اتصالاتك وكلماتك المرورية وبيانات بطاقات الائتمان في حال شرائك من خلال المواقع ضعيفة الحماية أو استعمالك لـ انترنت عام public wifi.

يستخدم العديدون منا الشبكات الافتراضية الخاصة للوصول الى الخدمات والمواقع المحجوبة في بلده أحياناً، ولكن ما يجهله الكثيرون أن لهذه التطبيقات استعمالات أكثر فائدة بمئات المرات تتعلق بالأمن والحماية على الإنترنت، فعلى سبيل المثال ستحتاج رجال الأعمال والبورصة والإداريين وموظفي الشركات لحماية خصوصيتهم لعدة أسباب أهمها تتعلق بحماية ملفات وبيانات الشركات من الاختراق، كذلك حماية رجال الأعمال من هجمات القرصنة التي قد تستهدف حساباتهم المصرفية ووثائقهم الشخصية وغيرها، أما الموظفين فقد يحتاجون إلى الولوج إلى الشبكة الخاصة بالشركة التي يعملون بها من أجل الوصول إلى ملفات أو تطبيقات معينة في الشركة.

أيضاً صحفيو الرأي والمعارضين السياسيين والمتظاهرين في البلدان الاستبدادية كروسيا والصين والسعودية ومصر وسوريا: أيضا لأسباب أمنية حيث ان تطبيقات الشبكات الخاصة ستمنع مزود الانترنت (شركة الاتصالات) من معرفة مواقع الويب التي تحاول الوصول إليها وبالتالي تضمن الأمان التام في حالة كتابة منشورات أو زيارة مواقع إخبارية معارضة. وفقاً لأحد خبراء الخصوصية الرقمية في NordVPN من الضروري جداً عدم إدخال أي معلومات حساسة أو تفاصيل مصرفية في أي نوافذ منبثقة عن رسائل إلكترونية غير موثوقة. تكرار كلمات المرور هو خطأ شائع يقع به أغلبنا عند إنشاء حسابات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي لذا ينصح الخبير دائما باستخدام كلمات مرور معقدة وفريدة لكي لا يتمكن قراصنة المعلومات من اختراقها أو تخمينها. ففي حالة اختراق قاعدة البيانات لهذا الموقع أو ذاك، ستبقى حساباتك الأخرى آمنة ومحمية بكلمات مرور مختلفة.

في الحقيقة المساهم الأكبر بحماية خصوصيتك على الإنترنت هو أنت، حاول دائماً الابتعاد عن المواقع المشبوهة ولا تقم بالشراء من أي موقع غير موثوق. فأغلب حوادث القرصنة حصلت وتحصل على الإنترنت، ببساطة لأنك تقضي أغلب وقتك على الشبكة العنكبوتية. ليس من الصعب تمييز المواقع المشبوهة من غيرها، على الأغلب ستجد روابطها مكونة من كلمات طويلة وغريبة، أو أنه هذه المواقع ذات تصميم سيئ و لغة ركيكة، فدائماً يُنصح بأخذ الحيطة والحذر.

في النهاية ومع هذا التطور الهائل للتكنولوجيا الذي نعيشه اليوم والذي يُسهل الوصول إلى بياناتك الشخصية من خلال استخدام الهواتف الشخصية، أو الحواسيب المتصلة بالإنترنت أو من خلال تتبعنا أثناء استخدام تطبيقات معينة، أصبح من الصعب جدًا على الإنسان أن يحافظ على خصوصيته، فهل حان الوقت لنتخلى عن مبدأ حماية الخصوصية نهائيًا؟ بالطبع لا. انتهاك الخصوصية خطر قائم على الشركات والأعمال والأفراد في آن معاً، ولكن باتباع اجرائات حماية بسيطة بإمكانك حماية خصوصيتك وعائلتك من خطر القرصنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.