شعار قسم مدونات

"وعّاظ رمضان".. من المساجد إلى فضاء الإنترنت

BLOGS صلاة الجمعة

اعتاد المسلمون في شهر رمضان المبارك على الاجتماع لإداء صلاة التراويح في مساجدهم ومصلياتهم، إلا أنهم وفي هذا العام وبسبب جائحة كورونا أُجبروا على الصلاة في رحالهم بعد أن أُغلقت بيوت الله أمام المصلين، وتعطّلت معها المواعظ والدروس الدينية التي يقدمها الأئمة والدعاة أثناء صلاة التراويح، ففي رمضان هذا العام لا مواعظ أمام المصلين، وإنما أمام كاميرات الجوّال والحواسيب.

فقد فرض انتشار وباء كورونا على النّاس التباعد الاجتماعي، ومنعهم من التجمعات واللقاءات الموسّعة حفاظاً على سلامتهم، ومحاصرة للمرض ومنعه من الانتشار، ما دفع الأشخاص والهيئات إلى تكثيف الاستفادة من ميّزات الإنترنت في عقد الاجتماعات والمحاضرات والنّدوات وغيرها، فزاد استخدام البرامج والتطبيقات المعدة لذلك كتطبيق Zoom وGoogle Meet، بالإضافة لمواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً Facebook التي تُقدّم خصائص الاتصال والاجتماع والبث المباشر. وكغيرهم فقد كثّف الوعّاظ والدعاة استخدام الإنترنت لتسجيل مواعظهم الدينية المختلفة وبثها عبر منصّاتهم وصفحاتهم، وعلى الرغم أنّ حالة الوعظ الديني والقيمي تسعى لأخذ مكانها، إلا أن المتابع يلاحظ زيادة في وتيرة المواعظ الدينية على منصات الإعلام الجديد، خصوصاً في شهر رمضان المبارك لهذا العام، ولعل من أسباب هذه الزيادة -بالإضافة لإغلاق المساجد- حالة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا وتفرغ النّاس لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فهل يستطيع الوّعاظ والدعاة توظيف هذا الفضاء الواسع من أجل الوصول للناس وتقديم المحتوى الديني والقيمي في ظل حالة إغلاق المساجد وتوقف الوعظ المسجدي؟

المواعظ الإلكترونية مواكبة تطوّر، أم حاجة ضرورية؟!
من الفروق الجوهرية بين المواعظ المسجدية والإلكترونية، أنّ الأولى يستمع المصلون فيها للواعظ حتى يُنهي، خصوصاً إذا كانت الموعظة بين ركعات صلاة التراويح، وغالباً ما يُنهي الواعظ فكرته والمصلّون حاضرون أمامه

بات من مسلّمات علوم الاتصال والإعلام الحديث حجم التأثير الكبير الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي في قناعات وسلوك النّاس، في مجالات كثيرة: فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة ودينيّة وغيرها، وبمستويات واسعة وفئات عديدة في المجتمع، وقد أثبتت الكثير من الدراسات قدرة مثل هذا التفاعل على التأثير في المستخدمين، بل في بعض الأحيان أفضلية مثل هذا التفاعل "غير المباشر" على التواصل الوجاهي بين النّاس، فعلى الرغم من فقدان التواصل عبر الإنترنت لبعض الميّزات الحيوية والمؤثرة في الجمهور أهمها لغة الجسد، إلا أن الطبييقات والمواقع الإلكترونية عوّضت مثل هذا النقص بتوفير ميّزات وحلول ومؤثرات تكاد تُغني عن التواصل الوجاهي.

شكّل المضمون الدينيّ والقيميّ جزءاً مهماً من مضامين شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تحديداً، واستطاع بشكل عام مزاحمة المواضيع الأخرى، إذ أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي منصةَ تواصل عريضة بين الدعاة والمدعويين، ساعدت في توصيل المواعظ والدروس الدينية للنّاس، وفي السنوات الأخيرة أسّس الباحثون في مجال علوم الدعوة مناهج ومدارس في "الدعوة أون لاين" و"التفاعل الدعوي" عبر الإنترنت، ووضعوا لها قواعد وشروط وعوامل نجاح، لما لها من أهمية وتأثير. من هنا يمكن القول أن المواعظ والدروس الدينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي – سواء كانت لدعاة ووعاظ مشهورين، أو محليين في إطار بلدهم أو مساجدهم- مهمة ومؤثرة ويجب تعزيزها وتقوية مضامينها وتقديمها بالشكل الأفضل.

الوعظ الإلكتروني وسّع مفهوم الداعية!

يذهب بعض العلماء والباحثين إلى تقييد مهمة الدعوة والوعظ بشروط وصفات كثيرة كالتعمّق بأحكام الدين والبصيرة والحكمة والإخلاص وغيرها، ومع أهمية مثل هذه الشروط إلا أنّ إلزام المسلمين بها يضيق واسعاً، ويحجب منفعة ويعطّل الكثير من أبواب الدعوة إلى الخير، فمهمّة الدعوة لدين الله، والأخلاق الفاضلة، والقيم النبيلة لسيت حكراً على أحد بل مناطة بكل مسلم ومسلمة، كلٌ بحسب علمه وبيئته ومعارفه، وقدرته على نصح النّاس ووعظهم بما فيه خير دينهم ودنياهم، "فربَّ مُبلّغٍ أوعى من سامع"، "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

إنّ انتشار ظاهرة الوعّاظ والدعاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من المتخصصين في العلم الشرعي أو من غير المتخصصين، خصوصاً فئة الشباب وظهور ما يمكن أن يُطلق عليه "الواعظ الإلكتروني" لهي ظاهرة إيجابية وصحيّة يجب دعمها وتوجيهها لتكون على أفضل حال، فلكل شخص دائرة قبول وتأثير، فما أجمل أن يكثر دعاة الخير والأخلاق والقيم، وكل ذلك يصب في مصلحة المجتمع المسلم ويسهم في خلق بيئة محافظة تتحلى بأخلاق الإسلام وقيمه، إذا ما التزم الواعظ بتحري الصواب والدقة في كل يريد مشاركة الآخرين به.

قواعد مهمّة لنجاح الموعظة الإلكترونية..

من الفروق الجوهرية بين المواعظ المسجدية والإلكترونية، أنّ الأولى يستمع المصلون فيها للواعظ حتى يُنهي، خصوصاً إذا كانت الموعظة بين ركعات صلاة التراويح، وغالباً ما يُنهي الواعظ فكرته والمصلّون حاضرون أمامه، أما في حالة الوعظ الإلكتروني فالاستماع للمقاطع المصورة حتى نهايتها يشكّل تحدياً حقيقياً أمام الدعاة والوعّاظ، فالمضامين تتزاحم أمام المستخدمين منها ما هو اجتماعي وإخباري وترفيهي وغيره، ولا ضمانة لمشاهدة الموعظة كاملة وإتمام الفكرة منها، لذا لا بد أن تتوفر مجموعة من القواعد التي تُسهم في نجاح الموعظة والاستفادة منها، ومن أهمها:

1- تميُّز الموضوع والفكرة: ولعل هذا من أهمّ ما يجذب المستخدمين للمواعظ، ويدفعهم لسماعها حتى نهايتها، وكلما كان المضمون صحيحاً ومنطقياً ومقنعاً، كلما زاد إقبال المستخدمين عليه، وهنا لا بد من أن يكون موضوع الموعظة واضحاً ومعنوناً، وفكرة تقديمه جديدة وحيوية وإبداعية وفيها شيء من الإثارة.
2- كلّما قلَّ الوقت زاد الحضور: فنحن في عصر السرعة، فلا وقت عند المستخدمين للانتظار كثيراً، وهذا ما يميّز شبكات التواصل الاجتماعي، والفيديوهات الأقصر هي الفيديوهات الأكثر حظاً في المشاهدات، ولا بد أن تراعي الموعظة الدينية هذا الجانب لأهميته، وحتى يضمن الواعظ وصول الفكرة كاملة للمستخدمين عليه بالإيجاز والاختصار، فما كان يقدّمه في المسجد بعشر دقائق، عليه أن يقدّمه بدقيقين.

3- الاهتمام بالجوانب الفنية: وهنا لا اتحدث عن المواعظ والدروس التي ترعاها شركات إنتاج أو قنوات، وإنما أعني المواعظ "الفردية"، التي يستخدم معظم الواعظون فيها أجهزتهم الذكية لتصويرها، فمثل هذا النوع من المواعظ من المهم مراعاة دقة الصورة ووضوح الصوت ونبرته وخلفية وزاوية التصوير، ولغة الجسد…الخ، فكل هذه المسائل عوامل جذب لا ينبغي الاستهانة بها.
4- اختيار الوقت المناسب للنشر: فهناك أوقات يُنصح النشر فيها، وهي الأوقات التي تكثر فيها متابعة المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي "أوقات الذروة" وغالبا ما تكون في المساء، والابتعاد عن الأوقات التي يغلب على المستخدمين فيها الانشغال، وقد يختلف الجمهور المستهدف من قبل الواعظ من حالة لأخرى، فبعض الدعاة يستهدف جمهوراً محلياً وقريباً، والبعض الآخر يتطلع إلى جمهور أوسع وأكبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.