شعار قسم مدونات

أهمية "الديتوكس الرقمي" في حياتنا

blogs هاتف

جرب أن تترك مواقع التواصل الاجتماعي لمدة شهر، قم بإغلاق جميع حساباتك على الفيس بوك، انستغرام، سناب شات، تيكتوك وتويتر، ألغي اشتراكك من نتفلكس ثم احذف من هاتفك تطبيقات هذه المواقع، لا تكتفي بوضع الطيران بل قم بكسر شريحة هاتفك ثم ارمها حتى لا تتراجع للحظة من أجل استرجاعها، أغلق هاتفك وسلمه لمن يعيش معك في المنزل مع الحاسوب المحمول ثم اذهب إلى خارج البيت حيث لا توجد انترنت.

 

إذا حدثتك نفسك بأن تتراجع قم بشراء كتاب واحتضنه ثم قلب صفحاته واقرأه لأن نفسك سوف تؤنبك على صرف نقودك على شيء دون الاستفادة منه، قم بشراء علبة شكولاطة من نوعك المفضل وتناولها ببطء واحرص على أن لا تنتهي منها في أقل من ساعة، المهم أن تملأ وقتك بعيدا عن العالم الافتراضي، التقي مع أصدقائك في أحد المقاهي أو المنتزهات، اضحك معهم وتناول الطعام دون التقاط الصور، افعل أي شيء يخطر على بالك، قم بمشاريعك التي حلمت بها منذ عشر سنوات مثل الرسم، النحت، الكتابة، الخياطة أو حتى ازرع نبتة، ببساطة عش واقعك بتفاصيله، إذا خطرت ببالك فكرة التراجع اذهب إلى معبدك وتقرب إلى رب، تأمل في الطبيعة بتفاصيلها وحاول تحليل أسرارها وتفسير مفاهيمها أو زر مكتبة حيك وتصفح مجلاتها.

 

وعندما ينتهي الشهر لا تنسى أن تستيقظ بهدوء لتعود إلى عالمك الافتراضي، افتح حاسوبك المحمول ببطء ثم قم بتشغيله لتدخل بياناتك على الفيس بوك من بريد الكتروني وكلمة مرور، لا تدع ألف رسالة التي تنتظرك تمنعك من أن تتأنى وتعيش اللحظة، وعند دخولك ستفاجئ أنك قد وجدت رسالتان فقط في انتظارك، إحداهما تتضمن : إن لم ترسلها إلى عشرة أشخاص ستدخل النار ورسالة من صديق يريد أن يسألك أين يقع مركز البريد الجديد والذي يستطيع البحث عنه بنفسه على خارطة جوجل، أما طلبات الصداقة فكلها من أناس لا تعرفهم وأغلبهم من معارف أصدقائك الذين لم تلتقي بهم يوما في حياتك، أما الإشعارات فكلها من أصدقائك الذين أشاروا إليك في مئة تعليق من أجل أن يكسبوا أيفون آخر صيحة على صفحات استغبت عقول الناس وكل همهمها هو أن تضخم عدد متابعيها من أمثالهم.

blogs هاتف

و لكن مهلا يمكن أن تكون الأمور مختلفة على التويتر، يمكنك تفحص الأخبار التي فاتتك لمدة شهر، وهنا أيضا ستصطدم بأنك قد سمعت بآخر احصائيات مرض الكورونا من زميلك في الشغل، وأن ابنك الذي يدرس في الطور الابتدائي قد أطلعك بتغلب مدينة ووهان الصينية على فيروس الكورونا أما باقي الأخبار فقد أخبرتك بها جارتك طويلة اللسان، وغيرها من الاشاعات والتفاهات التي لن تهمك لأنها تنشر من أجل جمع الاعجابات والمشاهدات فقط، باختصار أنت لم يفتك شيء.

 

نفس السيناريو سيتكرر مع باقي المواقع، ستكتشف أنك بدلا من أن تضحك على فيديوهات اليوتيوب قد ضحكت على نكت أصدقائك وعفوية والديك، ستكتشف أنك بدلا من أن تعيش الأحلام على الانستقرام وتقارن حياتك بحياة الآخرين غير الحقيقية قد عشت واقعك أكثر، وأنك بدل من أن ترقص على أنغام التيكتوك قد بحثت في ذاتك عن مجال جديد لتطوره، وبدل من أن تركض وراء آخر صيحات الموضة قد ركضت وراء مستقبلك وخططت له أكثر، ستكتشف أنك قد أمضيت سنوات طويلة من حياتك تتواصل مع كل الناس من كل بقاع الأرض ونسيت أن تتواصل مع أهم شخص وهو ذاتك.

 

أنا لا أدعوك لاعتزال العالم الافتراضي نهائيا ولكنني أنصحك بأن تأخذ بعض المرات فترات راحة متقطعة تقوم فيها بعزلك نفسك والتواصل معها والتأمل فيها لفهم احتياجاتها وتنمية قدراتها أو على أقل التقليل من عدد ساعات استعمالك للهاتف يوميا لتكرس وقتك من أجل تطوير نقاط ضعفك والتركيز على نقاط قوتك

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.