شعار قسم مدونات

هل يساعدك "رمي العملة بالهواء" على اتخاذ قرارات أفضل؟

(غيتي إيميجز)

بينما كان دونالد داك – شخصية البطة الشهيرة في كوميكس ديزني والمعروف باسم "بطوط" في العالم العربي – يتجول في الأنحاء، لمح خيمة البروفيسور باتي، كانت الإعلانات المعلقة على الخيمة مثيرة لفضول دونالد، "لا رعب في الحياة عندما تعتنق فلسفة التقليب" لكن ما هذه الفلسفة يسأل دونالد، يلح البروفيسور باتي: في كل مفترق طرق، دع فلسفة التقليب تختار مسارك، كل هذا بدولار واحد، هل انت مستعد للمشاركة؟ يجيب دونالد: لا اعرف إذا كان علي الموافقة او الرفض. يرد البروفيسور: هنا يأتي دور فلسفة التقليب. ثم يقوم برمي عملة معدنية في الهواء، ليحدد قرار دونالد في الاشتراك. وقعت العملة على الرأس، انت مشترك في فلسفة التقليب ومدين لي بدولار.

الحياة مقامرة.. دع "رمي العملة في الهواء" يحدد طريقك

فلسفة رمي العملة هي فلسفة مزعومة تدعو إلى اتخاذ القرارات الأكثر أهمية عن طريق رمي العملة. هل سبق لك وأن وجدت نفسك متحيراً بقرار مهم في حياتك؟ هل أقبل بهذه الوظيفة أم لا؟ هل أشتري هذه السيارة أم تلك؟ بالطبع لقد درست الخيارات المتاحة جيداً، وقمت بتقييم الإيجابيات والسلبيات من كل قرار، لكنك لم تصل إلى قرار نهائي، سألت أصدقائك النصيحة ولكن هذا لم يكن كافياً، قم برمي العملة المعدنية في الهواء ودعها تقرر بدلاً عنك.

كيف تعمل قرارات رمي العملة علميا

"إذا لم يمكنك الاختيار بين خيارين، ارمِ العملة المعدنية في الهواء. ستكون هذه طريقة رائعة لاتخاذ قرار، لكن ربما ليس بالطريقة التي تفكر فيها" هكذا يكتب فريدريك فابريوس وهانس هاجيمان في كتابهم (المخ الرائد)، إذا كنت ممزقاً بين خيارين لجدارة تبدو متساوية، ارمِ العملة، إن كنت راضياً أو مرتاحاً من القرار الذي اتخذته العملة لك، فانتقل إليه. لا تتجاهل الشعور الغريزي، هناك علم يكمن وراء الحدس فهناك مناطق متميزة في دماغك تقود قرارات بديهية.

 

عندما تحتاج إلى اتخاذ قرار، غالباً ما يبدأ دماغك اللاوعي بالعمل على المشكلة على الفور، حتى لو لم تكن تفكر بوعي في الأمر، عندما تحاول أخيراً اتخاذ قرار واع، يقارن دماغك هذا القرار مع ذلك الذي اتخذته بالفعل اللاوعي، إذا وافق اللاوعي والوعي الخاص بك، يعطي دماغك استجابة مكافأة خفية، لا يبدو القرار منطقياً فحسب بل يبدوا جيداً ايضاً، أما إذا اختلف اللاوعي مع قرارك الواعي، تكتشف تغيرات اخرى في جسمك، إنه يسجل تهديداً مما يعني أن قرارك لا يبدو جيداً.

 

 

بالطبع القرارات البديهية ليست وليدة الصدفة، إنما هي نتيجة خبرة وتجارب كثيرة، يساعدك أيضا رمي العملة في الهواء على معرفة شعورك تجاه شيء ما، عندما تقلب العملة وتأتي النتيجة وتشعر بالفرح لها، وتعمل بها، وإذا جاءت العملة على الجهة الأخرى ستبدأ برميها مرة أخرى أو تنتقد نفسك لاستخدامك مثل هذه الطريقة، وذلك بسبب رغبتك الغريزية بالقرار الآخر.

المغامرة خطر لكن الروتين قاتل

"سر الحياة المثمرة هو أن تخاطروا" هكذا يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، الغريب في الأمر أنه من الممكن أن يكون القرار الناجح والأكثر سعادة لك ليس ناتجاً عن التفكير والتدقيق. بل ذلك نتيجة المغامرة، في دراسة حديثة أجراها ستيفن د. ليفيت لمدة عام كامل، أن الأشخاص الذين قرروا تغيير حياتهم بطريقة كبيرة كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين لم يتخذوا أي إجراء وتمسكوا بالوضع الراهن.

 

العبرة هنا ليست البدء في اتخاذ جميع قراراتك الرئيسية في الحياة بقلب العملة، بل أن تتجه نحو الفعل أكثر من السكون، في بعض الأحيان لا تكون القرارات الكبيرة في حياتك قرارات على الإطلاق، بدلاً من ذلك فهي نتيجة خيار لم تقم به فحسب، على سبيل المثال أنت تقضي ساعات بالتفكير إذا ما كنت ستترك الوظيفة التي تكرهها، ففكرة الإقلاع عن العمل مبهجة، ومع ذلك فأن عدم اليقين مرعب، وهكذا في النهاية لا تفعل شيئاً.

 

هناك اقتباس يظهر بكثرة في منصات التواصل الاجتماعي يقول: "بعد عشرين عاما من الان، ستندم على الأشياء التي لم تقم بها في حياتك أكثر من الأشياء التي قمت بها" على ما يبدو أن هذه الكلام صحيح علمياً، قد يكون الناس حذرين بشكل مفرط عند مواجهة الخيارات التي تغير الحياة، إذا كنت متحيراً بين المغامرة والركود، غامر واقلب العملة، ستكون أكثر سعادة لذلك.

 

قرارات تاريخية بقلب العملة

فاز ويلبر رايت بفرصة صنع التاريخ عندما فاز ضد شقيقه بالقرعة بواسطة العملة في معسكرهم في كارولينا الشمالية عام 1903، ولكن القدر أتاح فرصة أخرى للخاسر بالقرعة حين شعر ويلبر بخطأ تقني في المحرك وقام بإيقاف الطائرة الأولى في التاريخ، بعد ثلاثة أيام، تم تصحيح الأخطاء عندها وصل الدور للأخ أورفيل رايت، وقام بنجاح بأول رحلة بشرية بالطائرة، تم تخليد ويلبر رايت الذي ساعدته العملة النقدية في أخذ الدور الثاني.

 

كذلك مدينة بورتلاند، أكبر مدينة في ولاية اوريغون بالولايات المتحدة الأمريكية، ما لا يعرفه الناس حقيقة تسمية المدينة بهذا الاسم حيث قام مالكي الأراضي الرئيسين في المدينة باختيار اسم لكل منهما، وحلت المشكلة وتم اختيار اسم بورتلاند بعدما أجروا قرعة برمي القطعة المعدنية، جدير بالذكر أن العملة التي تم استخدامها موجودة في متحف الولاية، لذلك عندما يأتي الناس للتعرف على تاريخ المدينة، يمكنهم النظر إلى قطعة النحاس التي قررت كل شيء.

 

إن رمي العملة المعدنية هو محفز لاتخاذ قرار، لمعرفة رغبتك في قرار ما، لكن يبقى التفكير والتحليل المنطقي أفضل سبب لاتخاذ قرار، أما إذا تساوت الكفتين، وكان اتخاذ القرار شيء لابد منه، ارمي العملة، فالفعل مهما كان سيئاً فهو أفضل من السكون وعدم التحرك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.