شعار قسم مدونات

عجائب الاختراعات من التاريخ الإسلامي

من منَّا يمكنه أن يُخف دهشته إزاء الاختراعات والابتكارات التكنولوجية والميكانيكية، التي لا تلبث أن يُعلَنَ عن إحداها في يومٍ حتى تظهر في اليوم التالي ما يفوقها إبداعاً وإتقاناً؟ قد تُثير هذه الابتكارات والاختراعات الحديثة الأسف في قلوب المسلمين فتضيقُ نفسُهُ ويتمنى لو أنها صُنِعت بأيادٍ مسلمة، فيُكِتَبُ على غلاف ذلك الاختراع بأنها مصنوعة في إحدى البلاد الإسلامية، بدلاً من الصين أو أمريكا أو اليابان مثلما جرت عليه العادة الآن.

 

إنها الحقيقة، أفلا نعترف بها؟ فإنَّ الاعتراف بذلك دليلٌ على بقاء القوة في أعصابنا وعروقنا، وعلامةٌ على أننا قادرون -بإذن الله- على استرجاع مجدنا الحضاري والعلمي إن خضنا المعركة من جديد، فإنَّ الذي لا ريب فيه أنَّ ذلك الشعور بالأسف لدينا -إزاء كل اختراع وابتكار تكنولوجي وميكانيكي أجنبي اليوم- كان في الماضي فخراً واعتزازاً يوم كنا نحن المسلمين نتربع على عرش الاختراع والابتكار، بل والإبداع فيهما، فما قصة المخترعين المسلمين واختراعاتهم التي دوَّنها المؤرخون المسلمون وغيرهم؟!

باب الساعات

ذكر ابن كثير أنَّ أحد أبواب جامع دمشق كان يُسمَّى باب الساعات؛ لأنه عُمِلَ فيها الساعات التي اخترعها الساعاتي المهندس محمد بن علي والد فخر الدين رضوان بن الساعاتي، وكان يُعلم بها كل ساعة تمضي من النهار، عليها عصافير وحيَّة من نحاس وغراب، فإذا تمَّت الساعة خرجت الحيَّة فصفَّرت العصافير، وصاح الغراب، وسقطت حصاة في الطستِ، فَيَعْلَمُ الناس أنه قد ذهب من النهار ساعة. وكان لابن الجزري ساعةً مماثلةً أيضاً، وقد وصف الرَّحَّالة المسلم الشهير ابن جبير تلك الساعة في دمشق وصفاً دقيقاً.

 

ساعة هارون الرشيد

و قد أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري (التاسع الميلادي، حوالي سنة 807م) هديةً عجيبةً إلى شارلمان ملك الفرنجة (فرنسا)، وكانت الهدية عبارةً عن ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة، تتحرك بواسطة قوة مائية، وعند تمام كل ساعة يسقط منها عددٌ معيَّنٌ من الكرات المعدنية بعضها إثر بعض، بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة، فيُسْمَعُ لها رنين موسيقيٌّ، يُسْمَعُ دويُّه في أنحاء القصر، وفي نفس الوقت يُفتح بابٌ من الأبواب الاثني عشر المؤدِّية إلى داخل الساعة، ويخرج منها فارسٌ يدور حول الساعة، ثم يعود إلى حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارساً مرةً واحدةً، ويدورون دورةً كاملةً ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتُغلَقُ خلفهم.. وإنَّ هذا ليعني-في بعض ما يعنيه- مدى ما وصلت إليه العقلية الإسلامية من تسمٍ في الفكر والإبداع، ذلك الإبداع الذي لم يفصل بين الناحية العملية والناحية الجماليَّة للابتكارات والاختراعات العلميَّة.

روبوت بديع الزمان الجزري

وإذا كان العالم الآن على وشك الدخول فيما أُطْلِق عليه (عصر الإنسان الآلي) وذلك بعد أن حقَّقت تكنولوجيا الإنسان الآلي تقدُّماً سريعاً على مدى السنوات القليلة الماضية، فإنَّ مصادرنا الإسلامية تُشير إلى أنَّ البداية في ذلك كانت في عصر الحضارة الإسلامية، وقد كان ذلك على يد عالم الحيل الهندسية بديع الزمان أبي العز إسماعيل بن الرزاز الجزري، الذي عاش في القرن السادس للهجرة؛ فهو أوَّل من اخترع الإنسان الآلي المتحرِّك للخدمة في المنزل؛ حيث طلب منه الخليفة أن يصنع له آلةً على هيئة غلام منتصب القامة، وفي يده إبريق ماء، وفي اليد الأخرى منشفة، وعلى عمامته يقف طائر، فإذا حان وقت الصلاة يُصفِّر الطائر، ثم يتقدم الخادم نحو سيِّده، ويصبُّ الماء من الإبريق بمقدارٍ معيَّنٍ، فإذا انتهى من وضوئه يُقدِّم له المنشفة، ثم يعود إلى مكانه، والعصفور يُغرِّد.

 

 

ومن اختراعات العالم المسلم الشهير (عباس ابن فرناس) اختراعه لآلة أسطوانية تتغذَّى بحبرٍ سائلٍ يُستخدم للكتابة، وهي أول قلم حبر سائل في العالم! سبق فيها (ستيلو) الفرنسي بقرون.

حامل المصف الآلي

هذا؛ وإن نسينا فلا ننسى ما جاء في كتاب (الأسرار في نتائج الأفكار) لأحمد-أو محمد- بن خلف المرادي الذي عاش في القرن الخامس الهجري من التقنيات والاختراعات المتقدمة (جداًّ) في ذلك الزمن المبكر (جداًّ)، ومنها (حامل المصحف) الذي كان موجوداً في جامع قرطبة، والذي يُتيح تناول نسخة نادرة من القرآن الكريم، وقراءتها دون أن تمسَّها الأيدي، إذ ينفتح الحامل بطريقةٍ آليةٍ؛ حيث توضع المجموع المكوَّنة من الحامل والمصحف على رفٍّ متحرِّكٍ في صندوقٍ مغلقٍ بالقسم العلوي من المسجد، وعندما يُدار مفتاح الصندوق ينفتح باباه فوراً وآلياًّ نحو الداخل، ويصعد الرفُّ من تلقاء ذاته حاملاً نسخة القرآن إلى مكانٍ محدَّدٍ، وفي الوقت نفسه حامل المصحف وينغلق بابا الصندوق، وإذا أدخل المفتاح من جديد في قفل الصندوق وأُدِيرَ بالاتجاه المعاكس تتوالى الحركات السابقة بالترتيب المعاكس، وذلك بفضل سيور وآليات أُخفِيت عن الأنظار.

 

كان هذا غيضٌ فقط من فيض الآلات والابتكارات العلمية التي لو صُنِعت في هذا الزمان لقلنا بأنَّها من التطور والإتقان بمكان، فما بالك وقد صُنِعت قبل قرونٍ من اليوم!.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.