شعار قسم مدونات

الرشاقة الاستراتيجة.. كيف تجتاز المنظمات أزمة كورونا بأقل الخسائر؟

 

 

تعرف الرشاقة الإستراتيجية – بأنها عملية تكييف التوجه الإستراتيجي للمنظمة استجابة للظروف البيئية المتغيرة، بهدف الحفاظ على القدرة التنافسية، وزيادة الحصة السوقية وتلبية حاجات العملاء ومتطلباتهم. والمنظمة الرشيقة Agile Organization هي التي تتمكن من تعظيم نقاط قوتها بشكل مستمر، وتُوَسّع من خياراتها لتقديم الخدمة الملائمة في الوقت المناسب، بما يلبي احتياجات الزبائن. إنها عملية ديناميكية لإعادة تشكيل الاستراتيجية في البيئة المتغيرة بناء على الاستشعار والتنبؤ بما قد سيحدث.

 

ولا يمكن الحديث عن الرشاقة هنا بمعزل عن الكفاءة العالية في الأداء وتهيئة الظروف لتوظيف الإبداع والابتكار في كافة عمليات المنظمة. الرشاقة Agility المنشودة في هذا التعريف هي الرشاقة الشاملة على المدى البعيد والقريب ابتداء من التوجه الاستراتيجي وحتى أبسط العمليات في المنظمة، وليست فقط المرونة Lean في النظام، أو المرونة Flexibility البسيطة في العمليات على المدى القريب. إن تبني فكر الرشاقة الاستراتيجية والإعداد لها وتطبيقها يضمن للمؤسسة أن تكون مميزة تنظيميا، وأن يكون لديها التميز في القيادات وفرق العمل والعمليات وجودة الأنشطة والأعمال والأداء المالي.

الرشاقة المنشودة

الرشاقة التي ينشدها الناس في أجسادهم لتسهيل حركتهم وأداء أعمالهم وضمان مواءمة قياسات ملابسهم، هي ذاتها الرشاقة التي تنشدها المنظمات لتجعلها أكثر استجابة لاتجاهات السوق وتسليم المنتجات والخدمات بشكل أسرع، وبأقل كلفة مقارنة مع المنظمات غير الرشيقة.

 

وفي المقابل ليست الرشاقة الاستراتيجية بعضا من أشكال الترفيه واللمسات الفنية والجلسات الهادئة والألعاب التي توفرها بعض الشركات للموظفين، فهذه لا تثمر كثيرا على المدى البعيد إذا لم تقترن الرشاقة بالعمق الاستراتيجي لأعمال الشركة، بالرغم من فوائدها في البعد التشغيلي. والرشاقة الاستراتيجية هنا ليست بمعزل عن التصنيع الرشيق والذي تبوأت ريادته عالميا شركة تويوتا اليابانية حتى أصبح منهج عملها يعرف عالميا بالاختصار TPS للدلالة نظام التصنيع في تويوتا والمعروف بأنه الأفضل على وجه الأرض.

 

الرشاقة الاستراتيجية ليست مجرد مظاهر شكلية في المؤسسة تظهر للزبون من الخارج، لتعكس الصورة الإيجابية أمام الزبون وفي المحيط، ولكنها فكر متكامل يلزمه ثقافة ومرونة تنظيمية ونظم معلومات وانسجام كامل بين كافة المستويات.

كفاءة العبور في الأزمات

يقول بيل جيتس "يتطلب النجاح اليوم الرشاقة والدافع لإعادة التفكير باستمرار، وإعادة التنشيط، والتفاعل، وإعادة الابتكار". ربما كان الحديث عن الرشاقة الاستراتيجية وقضايا الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي نوعا من الترف عند بعض القيادات والمنظمات، ولكن مع بدء هذا العام 2020 واستفحال جائحة الكورونا كان الانتقال لمربع إدارة الأزمة بكفاءة مُمَهّدا أمام المؤسسات التي فكرت في هذا النهج على الأقل، والمؤسسات التي خططت للأزمات وأفردت استراتيجيات مخصصة للتحديث والابتكار والاستجابة للعملاء حيث استطاعت العبور بسهولة إلى برّ الأمان وتجاوز مخاطر الأزمة، بل ربما استفادت خلالها بشكل لافت.

محددات الرشاقة الاستراتيجية

محددات الرشاقة الاستراتيجية التي تحتاجها المنظمات لضمان تبني الفكر الإبداعي الاستراتيجي الرشيق وتطبيقه تشمل الحساسية الاستراتيجية للمتغيرات الخارجية، والشراكة في المسؤولية من قبل كافة الأطراف المعنية الداخلية والخارجية، ووضوح الرؤية في المؤسسة، واختيار وصياغة وتطبيق الأهداف الاستراتيجية الفاعلة، وتوفير المقدرات والموارد اللازمة، وتنفيذ الأعمال والتوصيات، وتوفير أدوات التكنولوجيا الحديثة المساعدة.

كيف نكون أكثر رشاقة

تقول الدكتورة Bettina Buchel في كتابها الأحدث حول الرشاقة الاستراتيجية Strategic Agility: The Art of Piloting Initiatives إن تحقيق الانتصارات السريعة في هذا العالم المتغير يتطلب استراتيجيات أكثر رشاقة من تلك التي اعتدنا عليها. وتضيف في هذه البيئة المتقلبة وغير المستقرة، فإن تنفيذ الاستراتيجية يتمحور حول سرعة التعلم واتخاذ القرارات المناسبة لتخصيص الموارد.

 

إن الرشاقة الاستراتيجية والأعمال الرشيقة تحتاج إلى القادة الذين يضعون الاستراتيجيات التكيّفية ويتواصلون بشكل جيد، مما يمكّن الفرق من تحديد الفرص لتنفيذ هذه الاستراتيجيات بطرق مبتكرة وغير متوقعة سابقًا، يعد اكتشاف واستغلال فرص السوق الجديدة أمرًا أساسيًا للرشاقة الاستراتيجية. هذا ما يسميه المتحدث الأسترالي الشهير في القيادة Steve Denning "ابتكارات إنشاء السوق". يقول ستيف إن ابتكارات إنشاء السوق هي ابتكارات تفتح أسواقًا لم تكن موجودة من قبل، والدور الذي تقوم به المنظمة في السوق هو بطبيعته أمر عابر، فلم تعد الشركات تتمتع بترف الهيمنة على السوق بمنتج واحد كما كانت من قبل.

الرشاقة الاستراتيجية في ظل كوفيد 19

وقعتُ على عبارة تحفيزية جميلة للمتعثرين في الأزمات ولمن يرهبهم الفشل لأستاذ الطب والتأمل Jon Kabat Zinn يقول فيها "لا يمكنك إيقاف الأمواج، ولكن يمكنك تعلم ركوب الأمواج". رياضة ركوب الأمواج surfing تعرف بالركمجة وحرفيا هذه هي المفردة الملائمة لأوضاع المنظمات في أزمة كوفيد-19. فعندما يتعلق الأمر بـأزمة كورونا COVID 19 نجد أن الخطة الاستراتيجية الرشيقة الأمثل هي الخطة العفوية، ربما لأننا بشر فنحن لا ندرك المستقبل ونتصرف بعفوية عند الأزمة بغض النظر عن الخطط. ومع هذا فالمطلوب أن نجتهد في قراءة المستقبل والتنبؤ بما يحمله من مفاجآت، خاصة من المخاطر، حيث يعزي الخبراء 96 بالمائة من أسباب فشل المنظمات في وقت الأزمات إلى عدم تمتعها بالرشاقة الاستراتيجية.

 

لقد أجبرت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة لـ COVID 19 قادة الأعمال في جميع أنحاء العالم على اتخاذ إجراءات سريعة للاستجابة للإجراءات الجديدة في ظل تفشي الجائحة ومحاولة التغلب على آثارها في أعمالهم. لقد وضعت آلاف الشركات خططًا لإدارة الأزمات، وتحول العديد منها إلى بيئة العمل الافتراضية بالكامل، حيث بادروا بدراسة البدائل واختبارها ثم التكيف مع الواقع الجديد.

 

الكثير من قيادات الأعمال في العالم فكروا بعقلية النمو والتغلب على الأزمة، ورحبوا بالفشل كجزء من عملية التعلم ولم يصنفوه على أنه عائق لتقدمهم في الأعمال وإنما للريادة في نمط جديد من أسلوب الأعمال وتقديم الخدمات. هؤلاء عملوا بالنصيحة الشهيرة لخبير القيادة ومؤلف الكتب العالمية الشهير John C. Maxwell حول الفشل المبكر والفشل المستمر الذي يعتبر دائما خطوة للأمام " Fail early، fail often، but always fail forward ". هذه الأزمة جاءت كما نقول بالعربية الدارجة "قَرصةُ أُذُن" للشركات لكي تبقى على أهبة الاستعداد للأزمات المحتملة، وأن تتحلى بالحيوية الدائمة، والتنافسية، والصمود ثم المرونة والمزيد من المرونة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.