شعار قسم مدونات

فيروس كورونا.. الأرض الخصبة للاستثمار في المهارات الناعمة

blogs كورونا

توفر لنا هذه الجائحة فرصة لتغيير نماذجنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية. في الواقع، إنها تعلمنا أن دمج الحلول الرقمية في العمليات التجارية أصبحت ضرورة ملحة. لأننا نعيش في وضع جديد، غامض، معقد، لا يمكن التنبؤ به في مواجهة عدو متقلب للغاية كفيروس كورونا، أصبح من الضروري أن يكون لدى الموظفين القدرة على التحول والتكيف، وبالتالي إعطاء الأهمية "للمهارات الناعمة". لهذا تعتبر هذه الأخيرة عامل رئيسي للتكيف بسرعة وبطريقة أفضل مع هذه البيئة المعقدة والغير مؤكدة. كذلك تُعلِّمنا جائحة كورونا أنه من غير المجدي توظيف شخص ممتاز تقنيًا، ولكنه غير قادر على التفاعل مع بيئته، والتكيف مع المواقف المختلفة التي يمكن أن يصادفها أو ليست لديه القدرة على إدارة الإجهاد.

المقصود بالمهارات الناعمة هي طبيعة المهارات والقدرات التي يمتلكها كل فرد والتي من شأنها أن تُساعد على تطوير وتقدم ونجاح للمؤسسة التي يعمل فيها. وهذه المهارات قائمة بشكل أساسي على قدرته على التواصل مع الآخرين والتعامل معهم بشكل إيجابي وقدرته أيضًا على تكوين العلاقات الناجحة. على عكس المهارات التقنية، المهارات الناعمة هي مهارات يتم اكتسابها من خلال التجارب المعيشية والمواقف الفردية أو الجماعية التي تعزز التنمية والاندماج الاجتماعي والمهني للفرد. على الرغم من أن البعض يعتبر أن هذه المهارات الناعمة هي فطرية يولد بها الإنسان، إلا أنه يمكننا جميعًا تطويرها واكتساب مهارات عرضية جديدة.

ولكن، ما الذي يبحث عنه المشغلون الآن؟
ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻮﻋﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭﻻ المهارات الناعمة (Soft Skills)، ثاﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺃﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ (Hard Skills). ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻬﻤﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺍﺣﺘﺮﺍﻓﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻚ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻳﻤﻨﺤﻚ ﻫﺬﺍ ﻓﺮﺻﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ

في إطار البيئة الغير مستقرة والتنافسية التي تعمل فيها الشركات وتأثير التقنيات الجديدة وتكنولوجيا الرقمنة أصبحت المهارات الناعمة هي المعيار الأساسي لدى اختصاصي التوظيف عند الاختيار النهائي للمرشحين. فهي تعتبر ميزة ذات قيمة مضافة للمؤسسات بعد أن أثبتت مساهمتها الإيجابية في العمل والإنتاجية وكفاءة الأداء وتحفيز الابتكار. اليوم العديد من الشركات تبني ثقافتها حول القيم المرتبطة بالمهارات الناعمة وتعتبرها جوهر البصمة الوراثية للمؤسسة. بالنسبة للأفراد فهي كذلك ضرورية لولوج سوق الشغل. فالمشغلين يعتبرون المهارات السلوكية أكثر أهمية من المهارات الفنية، وهذا ليس مفاجئًا عندما نعلم أن المهارات التقنية لا يتجاوز عمرها 3 سنوات بحيث تصبح متجاوزة أو عفا عليها الزمن. كذلك، تعتبر المهارات الناعمة مسؤولة عن تفاوت الأجور بين الموظفين في الشركات، فوجود فجوة بين القدرات الحالية للعامل والمهارات المطلوبة لتنفيذ العمل له تكون دائما عامل أساسي في تحديد أجره. وبالتالي، فإن تقديرها وتطويرها يعد أحد العوامل الرئيسية للنجاح في سوق العمل وهي ناقل أساسي لتكافؤ الفرص.

ما هي أنواع المهارات الناعمة؟

من أهم أنواع المهارات الناعمة التي يجب أن يحرص حديثي التخرج والباحثين عن عمل على اكتسابها، ما يلي:

المهارات الاجتماعية (inter-personal skills)
– مهارة التواصل: وهي القدرة على تقديم أو تلقي مختلف أنواع المعلومات. وتضمّ تحت مظلتها عدّة مهارات تعمل معًا في سياقات ومواقف مختلفة، نذكر منها الآتي: مهارات الاستماع الفعّال، اللطف، الثقة، الوضوح، الاحترام …
– مهارة العمل ضمن فريق: تتمثل في القدرة على التعاون مع فريق العمل والاتباع الواعي للتعليمات والقواعد.
– مهارة التفاوض والإقناع: قدرة الفرد على تسويق الأفكار والمشاريع.
– التقمص الوجداني (التعاطف أو التَّشاعُر) وهو القدرة على الفهم أو الشعور بما يختبره شخص آخر.
المهارات المنهجية (Methodological skills):
– مهارة إدارة الأزمات: وهي حسن التصرف والتعامل مع المواقف الصعبة.
– مهارات التنظيم والتخطيط: وتهم القدرة على تحديد الأولويات وإدارة الوقت والمهام واتخاذ القرارات المناسبة.
– مهارة التفكير الإبداعي: تتمثل في القدرة على الابتكار والتفكير خارج الصندوق.
المهارات الشخصية (intra-personal skills):
– مهارات التأقلم والمرونة: وهي قدرة الفرد على تقبل النقد والعمل تحت الضغط وكذلك قدرته على التكيف والعمل في بيئات متنوعة ثقافياً.
– المهارات القيادة: وهي القدرة على السيطرة على الآخرين، وتنسيق جهودهم والتحفيز إلى الوصول لأهدافهم.

كيف تحدد وتطور مهاراتك الشخصية؟

ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻮﻋﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭﻻ المهارات الناعمة (Soft Skills)، ثاﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺃﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ (Hard Skills). ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻬﻤﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺍﺣﺘﺮﺍﻓﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻚ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻳﻤﻨﺤﻚ ﻫﺬﺍ ﻓﺮﺻﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻤﺢ ﺇﻟﻴﻬﺎ. فالمهارات الناعمة تلعب دورا كبيرا في تطوير المهارات التقنية واكتسابها. من المهمّ لدى أي باحث عن وظيفة أن يدرج في سيرته الذاتية أفضل المهارات التقنية والناعمة التي يمتلكها، مع الحرص على التفكير في كيفية ارتباط هذين النوعين ببعضهما البعض، حتى يسعه توضيح هذا الأمر خلال المقابلة الوظيفية. لكنه قبل البدء في سرد هذه المهارات ينبغي أن يعرف جيدا طبيعة هذه الوظيفة حتى يتسنى له ذكر المهارات المناسبة لها.

كيف تحدد مهاراتك الناعمة؟

على عكس المهارات التقنية التيﻋﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻳﺘﻢ ﺍﻛﺘﺴﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ، ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ، ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﺒﺮﺍﺕ ﺍﻟﻮﻅﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، فإننا دائمًا ما نواجه مشكلة في تحديد مهاراتنا الناعمة وأيضًا تقييمها في البيئة المهنية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا يمَكِّن الشركات في موائمة ثقافتها مع القيم التي تحكم السوق، والمجتمع بشكل عام، وبالتالي تفعيل آليات التحفيز والدوافع للعمل (المعنوية والمادية). اكتشاف المهارات في العادة ليس بالأمر السهل، إذ إنّ العديد من الناس قد يعيشون ويموتون وهم لا يعرفون ما هي مهاراتهم الحقيقية، ولكن قد يكتشف آخرون ما هي مهاراتهم منذ الطفولة وبهذا يستطيعون تطويرها بشكلٍ مستمر، وبهذا يصبحون مبدعين.

إنّ أول ما على الشخص فعله هو التوقّف عن انتظار مهاراته لتكشف نفسها بنفسها، فعليه التحرّك وتجربة الأمور الجديدة ليعرف ما هي مهاراته، فلن يعرف على الإطلاق ما إن كان يمتلك مهارة العزف إن لم يمسك آلةً موسيقيةً في حياته. خوض التّجارب المختلفة والاحتكاك بالآخرين هو أحسن طريق لفهم قدراته الحقيقيّة. من الطرق الجيدة الأخرى هي أن يسأل الشخص من حوله، فالأشخاص من حولنا قد يذكرون لنا في كثيرٍ من الأحيان أنّنا بارعون في أمورٍ معينة، ولكننّا لا نستمع في العادة لما يقوله الناس لنا.

كيفية تطوير المهارات الشخصية؟

في غالب الأحيان نحن نطور مهاراتنا الناعمة من خلال تجاربنا الشخصية. إلاَّ أن بعض الأشخاص لا تجرؤ على إعطاء قيمة لمهاراتها الناعمة لأنه، حسب رأيهم، المواقف التي طوروها فيها غير مرضية، أو أن طبيعتها الغير الرسمية تجعلها غير مقبولة. لهذا يجب ألا ننسى أن جميع التجارب لها قيمة وتسمح بالتعلم والتطور. على سبيل المثال، يجب ألا نخجل من تسليط الضوء على الوظائف التي شغلناها قبل الحصول على الديبلوم. هذا وحده يمكن أن يسلط الضوء على العديد من المهارات التي اكتسبناها خلال هذه المرحلة، مثل التواصل والمثابرة والقدرة على التكيف. عندما نحدد المهارات الناعمة التي نحتاجها أو نريد أن نتعلمها، نحتاج إلى الانخراط في الإجراءات التي يمكن اتباعها من أجل تطويرها. وهذا يمكنه من خلال عنصرين:

تعزيز الخبرات من خلال:
– إخضاع الشخص لتجارب حقيقية تثير لديه ردود فعل جسدية وعاطفية ونفسية.
– تمكينه في العمل وتفويضه بمهام جديدة، بهدف تطوير مهاراته بمختلف المجالات.
– تشجيعه على التفكير بطريقة غير تقليدية، بالإضافة إلى تحفيز مهارات الابتكار والإبداع وحل المشكلات.
التعلم الذاتي عن طريق:
– التعرف على المهارات الناعمة المكتسبة ومقارنتها بالمهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل عند التوظيف والسعي لتطويرها من خلال التدريب والممارسة.
– التطوير المستمر للمهارات الناعمة من خلال القراءة والاطلاع على المستجدات.
– طلب المشورة من المختصين والخبراء، والاقتداء بأهل الخبرة واتخاذهم كمرشدين.

الخلاصة

قد يكون التعامل مع أزمة فيروس كورونا وعواقبها مصدر قلق في حياتنا اليومية. فتأثيرات هذا الوباء الاقتصادية والنفسية والاجتماعية ستكون كبيرة وعميقة وقد تستمر لشهور أو حتى لسنوات. هذه الجائحة ستتسبب حتما تغيير عميق في عاداتنا وسلوكياتنا اليومية. فبسبب الحجر الصحي أصبحنا أكثر عزلة عن الآخر مما سيغيّر حتما من نظرتنا له، مما سيأثر سلبا على قدراتنا على التواصل مع محيطنا، وعلى العمل ضمن فريق، لكن في المقابل سيكون له تأثير إجابي على قدراتنا الإبداعية وعلى مرونتنا عند حل الأزمات وحتى على ذكائنا الوجداني. في هذه الأوقات المعقدة، تأخذ قيم التضامن والتعاون معانيها الكاملة. غالبًا ما نقرأ هذا الاقتباس "بمفردنا نذهب أسرع، معًا نذهب إلى أبعد من ذلك"، يبدو أنه يمكننا الآن أن نقول أنه في أوقات الأزمات "معًا، نذهب أيضًا بشكل أسرع".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.