شعار قسم مدونات

رايس وهاب مبولحي.. هِبة الأم عائشة للجزائر!

blogs رايس وهاب مبولحي

مرحبا بك هنا معنا وبيننا.. لابد أنك من عشاق رئيس الجزائر جذبك العنوان فدخلت لترى وتقرأ مدحا أخر فيه، أود أن أعتذر منه أولا ومنك ثانيا لا أظن أن الكلمات التالية ستليق بمقامه فهو يحتاج لتراقص الكلمات داخل الجمل وتراقص الجمل داخل الفقرات بشدة أكبر وأوفر، لكن الاجتهاد واجب ويهدينا حسنة على الأقل إن لم نصِب وتكن حسنتين، الآن.. عشر سنوات تمر على ارتداء رايس وهاب مبولحي لقميص المنتخب الجزائري تحتاج منا أن نَتَذكرَه ونذكُره.

 

نجم ليس ككل النجوم

نُكثر دائما من المدح الوفير لأساطير في عالم الساحرة المستديرة، لكن لأبنائنا علينا حق ويسقط الحديث عن النجوم الساطعة في سماء الجلد المنفوخ عند حضور نجوم منحتنا كثير النور في الليالي الحالكات، ابن الأم عائشة شاب ثلاثيني حسن الأخلاق، هادئ لا تسمع منه ضجيجا سوى بين الخشبات، رجل فحل له من الشهامة الكثير، ولا يعلو اسم فوق اسمه بين الثكنات وفي ساحات الوغى حين تقرع الطبول معلنة بداية حرب للجنود الخضر بالسيوف البيضاء والدروع الحمراء، لم يكن نداء الوطن مرفوضا عنده يوما، بل كان ولازال واجبا لا يُرد، ويلي النداء "نعم" القبول مرددة بقوة في سبيل رفع الراية عاليا، وما الرفع سوى بعذارة شباك متدلية خلفه دائما.

 

مشوار مع الأندية كبحر في محيط المنتخب

لن نغرق كثيرا في بحر مشواره مع الأندية فمحيط المقابلات مع منتخب الجزائر أكثر زُرقة وصفاءً، مبولحي زار عديد البلدان والقارات، حمل كثير الحقائب وركب عديد الطائرات، عانى مشاق الحياة كما لم يعانيها أحد انتقل بين بلدان فرنسا، روسيا، الولايات المتحدة، اليونان، بلغاريا، أسكتلندا، اليابان، تركيا، وحاليا السعودية رفقة فريق الاتفاق، هي كلها فرق ومواسم تراوحت بين الفترة السيئة جدا والحسنة قليلا، لن يهتم لها كثير لأنها لم تكن إشعاعا ينير الدرب المظلم لرايس وهاب بل أنه قضى شهورا عديدة دون فريق يحتضنه فكانت أيام بيضاء تعلوها دائما غيمة حزن سوداء.

  undefined

    

الحظ والقدر جعلاه بقميص منتخب الجزائر

يقول الصحفي والكاتب الجزائري (نجم الدين سيدي عثمان) عن بدايات مبولحي واللحظات التي سبقت دعوته للمنتخب الجزائري في كتابه Var القصص السرية لأبطال أفريقيا: "بعد سلسلة من المقالات، اتصل رئيس الاتحاد الجزائري بالسّفارة الجزائرية في صوفيا وسأل عن الحارس الأسمر، فما كان من مساعد السّفير عثمان حزاتي إلا أن اتصل برئيس فريق "سلافيا صوفيا" البلغاري، هذا الأخير وفّر 17 قرصا مدمجًا أرسلت على الفور إلى الجزائر، كلها لمباريات يظهر خلالها مبولحي كقط مرعب ورشيق يربض بثقة وثبات تحت خشبات المرمى.

 

وكي تكتمل الصورة، طلب الاتحاد الجزائري من مدرب حراس المنتخب السفر إلى بلغاريا، للتحقّق من صحة ما رأوه، أخبروه أن يرى بعينيه بدل أن ينظروا بعيني المصور ومن اختار الأقراص، كان يفترض أن يصل حسان بلحاجي قبل مباراة محلية لمبولحي أمام "ليفكسي صوفيا" تعد الاختبار الأخير لقدراته، في ذلك اللقاء كان مبولحي سيئًا وثقيلا، كما لو كان دائخًا، سجلت في شباكه ثلاثة أهداف، لم يوفق في تدخلاته ولولا ألطاف الله لسجلت أهداف أكثر، لكن من حسن حظّه أن مانعًا جعل مبعوث الاتحاد الجزائري لا يصل إلى بلغاريا، فلم يرَ ذلك الأداء، ومرّ كل شيء بردًا وسلامًا، وكتب له أن يعيد ربط جذوره بوطن والدته".

 

وفاة والدته الحدث الأكثر سوءً في حياته

في الأوساط الكروية لطالما اقترن اسم رايس وهاب مبولحي باسم والدته نظرا لحبه الشديد لها وحبها الشديد له، وأيضا للطلب الخاص الذي طلبته منه يوما ما حين أرادته ملازما للمنتخب الجزائري رغم ظروف مرضها وحاجتها الشديدة أن يلازمها ولدها الوحيد في ظل صراعها مع مرض كان فلذة كبدها أخر من يعلم به، يحكي الشيخ رابح سعدان مدرب المنتخب الجزائري سابقا عن حادثة وفاة والدته وهو في تربص المنتخب للقاء الغابون حين حدثه حارس المرمى منفردا أنها طلبت منه قبل وفاتها أن يبقى في معسكر المنتخب وأن لا يرفض أبدا اللعب للجزائر مهما كانت الظروف وأنه ورغم فقده لها توا إلا أنه سيواصل التدريب والتحضير بجدية تنفيذا للوصية، بعد وفاة والدته أتى رجل أسمر البشرة ليعزيه في مفقوده، لم يعرفه رايس وهاب إلا بعد حديث وكثير الكلمات الحزينة.. الرجل الأسمر لم يكن سِوى والده الكونغولي المسلم الذي لم يراه أبدا في حياته.

 

كثير الألم

في نفس الكتاب يقول الكاتب نجم الدين سيدي عثمان "عندما عاد مبولحي إلى فرنسا بعد أن تلقى سيلا من الشتائم مع رفاقه بعد خسارتهم على يد منتخب الغابون بملعب 5 جويلية اعتزل في البيت بعض الوقت، ثم ركن سيارة أمه وأغلق بيت العائلة وحمل أمتعته وغادر ليستقر في إنجلترا، كما قاطع كل أقربائه، لم يتقبّل أنهم أخفوا عنه الحقيقة فمنعه ذلك من العيش على مقربة من أمه والتنعم معها بآخر أيامه، ذهب دون رجعة، كل ما احتفظ به رقم 92 على ظهره يحمله حيثما ذهب، وهو الرقم الإداري لبلدته "أوت دو سين" حيث نشأ في حضن والدته.

   undefined

   

اقتناص الفرص ليس للكل

لطالما كان اقتناص الفرص الكبرى مهم وواجب يجعلك كاتبا للتاريخ بريشة تعلوها صبغة ماسية، ويُبقِ الكل مرغمين على إعادة رقاص الساعة دورات عِدَّة للماضي، وما حارس عرين المنتخب الجزائري إلا أحد المقتنصين، استدعاء لمونديال جنوب أفريقيا 2010 رفقة الأفناك، لقاء أول ضد سلوفينيا في الاحتياط جاء معه خطأ قاتل من الحارس الأساسي فوزي شاوشي فقدت به الجزائر نقطة على أقل تقدير، ثم لقاء ثان ضد أحد المنتخبات الكبرى المنتخب الإنجليزي، أتى معه التجسيد سريعا 90 دقيقة من الحرب كان فيها رايس وهاب مبولحي حاميا للعرين بضراوة الأسود الأشاوس، ثم لقاء لا يقِل تميزا عنه ضد الولايات المتحدة الأمريكية اقتطع بهما تأشيرة نهائية لرحلة التميز لعقد كامل مؤشرة ومبصوم عليها بالعشرة أن المنتخب الجزائري كسب حارسا للمستقبل لن يكون له نظير ولن ينافسه على ملامسة الخشبات أحد.

 

استبعاد غبي

لا يَختلف إثنان في الجزائر على أن حقبة المدرب المحلي رابح ماجر من أشد الحِقب سوءً في تاريخ المنتخب، اجتمعت فيها النتائج السيئة مع الأداء السيء، سوء علاقة المنتخب مع الجمهور، وسوء علاقة المدرب مع الإعلام، ومن بين سوء فِعال وقرارات الناخب أنه أبعد ركائز المنتخب زمن بينهم الحارس رايس وهاب مبولحي مستبدلا إياه بحراس لم يثبتوا أنهم أهل ليخلفوه بين أعمدة المرمى الأخضر، خلف ذلك امتعاضا شديدا لدى الإعلام والجمهور الجزائري الذي كان يثق بشدة في صانع الملاحم السابقة والذي امتعض بشدة من طريقة إبعاده.

  

صِناعة الإنجاز والإعجاز

قبل العودة بحافلة الزمن أشهر للخلف نعود بها لسنوات، وبالضبط نقف عند المحطة الدولية البرازيلية لنرى بعضا من سحر الأفناك العربية التي قدمت مشوارا في القمة بمونديال البرازيل 2014 حين تأهل المنتخب الجزائري إلى الدور الثمن نهائي وكان قاب قوسين من إحداث مفاجأة تاريخية حين أقصي بصعوبة كبيرة وبعد التمديد على يد حامل اللقب المنتخب الألماني، قدم صغار حليلوزيتش مستوى مميزا جدا وممتازا في المحفل الكروي العالمي، وكان من بينهم -بل كان أفضلهم- الحارس رايس وهاب مبولحي الذي قدم مونديالا راقيا جدا خرج منه من بين أفضل حراس الدورة عند ختامها ونال إشادة عالمية من الجماهير، والفرق، والإعلام.

 

نعود بحافلتنا الخضراء للمحطة المصرية ونتنقل لشهر كامل بين ملاعب الجمهورية، لنقف طويلا عند بوابة وداخل جنبات الملعب الدولي لقاهرة المعز، الإنجاز الأبرز لمبولحي في مشواره الكروي كان هناك حين قاد الأفناك للتتويج بالتاج القاري الأغلى مهديا أربعين مليون جزائري في عز أزمتهم السياسية فرحة غالية لا تُقدر بثمن، إنجاز جماعي أضاف له أخر فردي حين توج بلقب أفضل حارس في الدورة بعد تلقيه هدفين فقط في كل المقابلات خلال الكان، مضيفا تتويجه لكثير التتويجات الفردية الأخرى لزملائه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.