شعار قسم مدونات

راهن ومستقبل الشباب السوري في الحياة السياسية

blogs سوريا

حملت الثورة السورية منذ انطلاقتها آمالا كبيرة للشباب بولادة واقع جديد ينهي حالة التهميش الأزلي التي كانوا يعيشونها، وفتحت أمامهم آفاق المشاركة السياسية الفاعلة في صناعة واقعهم وتقرير مصير مجتمعاتهم بعد عقود طويلة نُزعت فيها السياسة من المجتمع، فقد ساهمت في عودة جيل الشباب بقوة إلى الانخراط في السياسة وقضايا الشأن العام في عموم المناطق السورية، ولا يخفي على أحد بأن الثورة السورية كانت ولا تزال ذات طابع شبابي بامتياز، تستمر في اطلاق سيلًا من الآمال بأنّ ربيعًا حقيقيًا سيصنعه الشباب، ينتظر سورية التي عانت ما عانته الى الان حيثُ الكارثة الإنسانية المهولة والتكلفة الأعلى في التاريخ التي تطلبها بقاء أو رحيل دكتاتور.

  

تختلف التفسيرات وتتعدد الأسباب التي قادت إلى عدم تحقيق تطلعات ومطالب الشباب، وخروجهم من معادلة التأثير وعودتهم إلى مواقعهم القديمة، موقع المتفرج، مبعدين قصرا أو عازفين بإرادتهم عن المشاركة في العمل السياسي. فقد وجد الشباب الثائر نفسه محاصراً بين نظام مجرم لم يوفّر جهدًا في سحق تحرّكه بوحشيّة، وبين قوى سياسية معارضة ينتمي معظمها إلى الجيل القديم والتي أخفقت في تحقيق أي مُنجز سياسي أو مجتمعي يذكر حتى الان، حيث يرى العديد منهم أن فشل سياساتهم في تحقيق أهدافها إنما سببه "الآخرون" على حد تعبيرهم وليس لخلل فيها أو لأنهم ما عادوا، بإمكاناتهم وأدواتهم وعقلياتهم، مؤهلين للتصدّي للمهام والاستحقاقات التي تفرضها مجريات الأحداث. إخفاقاتهم المتكررة يحصد نتائجها السوريون في كل مكان والواقع خير دليل على ذلك، في حين ماتزال قيادات الجيل القديم محكومين بخلافاتهم الفكرية "التاريخية" وأمراضهم الموروثة من حقب العمل السري المديد مما جعلهم عاجزين تماما عن مغادرة مدارسهم الأيديولوجية التقليدية والتي يعود قدم معظمها الى القرن الماضي.

  

لا يزال الشاب السوري ينقل ناظريه بين واقعه الذي يعيشه بكل ما يتصف فيه من ضياع ومشقة وانعدام للفرص وبين المستقبل الذي يرنو إليه ويحلم به

يترافق كل ذلك مع ضعف الموروث الفكري والسياسي الذي قدمته هذه القوى للفئات الشبابية حيث يكاد يكون نتاجها هزيلاً من ناحية وفقيراً خالي من التجارب الناجحة من ناحية أخرى، ولعلّه من الواضح، غياب الثقافة والوعي السياسي لدى أغلبية الشباب أدى ذلك إلى ضياع وتخبط فكري وايديولوجي يعاني منه الكثير إلى يومنا هذا، مما سوف يؤدي إلى استمرار عملية استغلال الشباب عبر جعلهم بيادق تخدم فقط العديد من التنظيمات الراديكالية المحافظة (الإسلامية منها والعلمانية) المتنفذة الان في عموم الجغرافية السورية، بعد انقضاء تسع سنوات قد مضوا من عمر الثورة السورية، جاءت النتائج مخيّبة، وليس هذا مجال نقاش الأسباب. ما تحاوله هذه السطور، هو الإشارة إلى أهمية إطلاق عملية جدّية تهدف إلى معالجة غياب الدور الشبابي في الكيانات الرسمية على اختلاف أنواعها وأشكالها في ظل استمرار عملية غياب أو تغييب دورهم عن مكامن العمل السياسي وألية صنع القرار، باستثناء بعض ورشات العمل التي تقيمها بعض المنظمات والتي تعتبر معظمها خجولة تكاد لا ترتقي إلى أهمية هذا الجانب في مستقبل سورية.

 

ما يمكن قوله عن غياب دور الشباب في السياسة السورية كثير، في حين لا يزال الشاب السوري ينقل ناظريه بين واقعه الذي يعيشه بكل ما يتصف فيه من ضياع ومشقة وانعدام للفرص وبين المستقبل الذي يرنو إليه ويحلم به ويحاول أن يخطو الخطوة وراء الأخرى لتحقيقه مهما بدا ذلك صعباً حيناً ومستحيلاً أحياناً أخرى، حيث يقع على عاتق القوى السياسية اليوم مسؤولية وطنية كبيرة، فقد أصبح من الضروري عدم الاستمرار في تجاهل الأصوات الشبابية المطالبة بالانفتاح والتغيير وفتح قنوات تواصل جديدة ولقاءات ما بين الجيل القديم والجيل الجديد بالترافق مع استمرار عملية دفع جميع الأطراف الدولية والمحلية الى دعم المبادرات والطاقات الشبابية والمساهمة في تمكين مشاركتهم الفعالة على الصعيد المدني والسياسي كي يكونوا جزءً فاعل في عملية التغيير والتحول الديمقراطي في مستقبل الدولة السورية الجديدة. وعلى النقيض من كل ذلك يبقى السؤال الأهم؛ ماذا يقع على عاتق الشباب السوري أيضاً؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.