شعار قسم مدونات

النظام السعودي.. من اختلال في الوجهة إلى انقلاب في المقاصد

blogs بن سلمان

أعلم أن النظام السعودي منذ مدة وهو يسعى إلى بسط نفوذه على العالم الإسلامي، بيد أن نتيجة فعله لم يكتب لها النجاح، أو قل جاءت على غير ما كان ينتظر، فبدل تحقيق النجاح صار يجني الخسران في كل تحركاته مهما بدى عليها في البداية من الجمال والجلال. لذا، صار أهم سؤال يطرحه كل ناظر إلى حال هذا النظام السياسي هو: ما الأمر الخفي الذي يسبب له كل هذه الخسائر رغم ثروته النفطية الهائلة وموقعه المتميز وتاريخ بلاده الذي انطلق منه الإسلام، فضلا عن تواجد "قبلة مكة" على الأرض التي يتولون تدبير شؤونها ويدعون حمايتها؟

في محاولة للبحث عن الجواب، التجأنا هذه المرة إلى وجهة لم يعتد القارئ العربي التعامل معها فيما يخص تقييم بعض الأنظمة السياسية، بل لم يعطيها المكانة التي تستحق، حيث غُيّبت لطغيان تيارات أخرى، حتى ظننا أن الحل يوجد عند الجميع إلا الجهة التي نحن بصدد تقديم مقاربتها، وهي الفلسفة الائتمانية بقيادة الفيلسوف الكبير د. طه عبد الرحمن. وعليه، سنحاول، في هذه المساهمة، تقديم بعض أفكار الفيلسوف طه، مع شيء من التصرف فيها حتى تستقيم مع المقام كما يقال.

النظام السعودي الذي ظل يحاول بسط نفوذه والدخول في صراع مع خصمه الإيراني، الذي يعتقد بدوره، امتلاك الحق في بسط نفوذه على العالم الإسلامي، لم يكن من نتائجه إلا التمكين للخصم الإيراني من حيث أراد أن يَحُد من نفوذه

لم نعتد من فيلسوفنا الحديث في قضايا الساعة، بيد حرصه على إبراز القضية الفلسطينية ومحاولة تناولها من وجهته الفلسفية الائتمانية، جعلته يخوض في بعض ما يحيط بها، حتى ندرك جيدا طبيعة الصراع القائم، بل ويحدثنا عن بعض أطرافه. لهذا، جعل من النظام السعودي أحد أبرز الأطراف في الصراع، لاعتقاد هذا النظام الأخير نفسه صاحب الحق في الدفاع عن عقيدة المسلمين دون غيره، لكونه يتولى حماية قبلة المسلمين، مما أدخله في صراعات لا تنقضي، باحثا عن حق ممارسة نفوذه في بلدان العالم الإسلامي.

إن اعتقاد النظام السعودي، بخصوص حماية القبلة، اعتقاد باطل، كما يقول طه عبد الرحمن، ذلك أن من يروم حماية القبلة، لا حماية نفسه، لما وجد في العدو التاريخي لمجموع الأمة، أي "الكيان الصهيوني"، حليفا. بل لم يعتبر قط، أن الكيان سلب الأمة سببا عظيما من أسباب صلتها بربها، وهو "بيت المقدس"، أو يراعي أن الاستيلاء على القبلة الأولى يُفقد "قبلة مكة" نفسها دلالتها على "الوجهة" التي ينبغي للمصلي استقبالها، لأن حاضر التوجه إلى البيت الحرام هو من ماضي التوجه إلى المسجد الأقصى.

وعليه، فإن النظام الذي يوالي العدو المغتصب لقبلة القدس يُعرّض أمته لنقصان في قوة توجهها، فكيف إذا كان لا يرى في هذا الاستيلاء إلا ممارسة الكيان الغاصب لحقه، والأدهى من ذلك هو سعيه بشتى وسائل الإكراه أو الإغراء جعل أبناء أمته قبول هذا الغصب الصهيوني وتعريضهم لنقصان التوجه.

وبما أن الأصل هو توجه المسلمين إلى القبلة وغيرها من التوجهات متفرع منه، صار نقصان توجُّههم إليها يُحدث اختلالا في باقي التوجهات. لكن، من كان هو السبب في إحداث هذا النقصان، لزم أن يكون أولهم وأكثرهم عرضة لاختلال في الوجهة، وبالتالي يكون معرّضا لانقلاب مقاصده إلى نقائضها. أي أن النظام السعودي أكثرهم اختلالا في الوجهة، ما جعل من حاله أكثر الأنظمة انقلابا في المقاصد، فصار يُخطئ ويُفسد حيث يعتقد أنه يُصيب ويُصلح.

وخلاصة القول، إن النظام السعودي الذي ظل يحاول بسط نفوذه والدخول في صراع مع خصمه الإيراني، الذي يعتقد بدوره، امتلاك الحق في بسط نفوذه على العالم الإسلامي، لم يكن من نتائجه إلا التمكين للخصم الإيراني من حيث أراد أن يَحُد من نفوذه. ما يجعل الواحد منا يقول كما قال طه عبد الرحمن: كيف لنظام سياسي مختل الوجهة أن يحمي قبلة المسلمين، فضلا عن حماية إيمانهم! بل كيف له، وقد فقد وجهته مستقويا بأعداء الأمة، أن يحمي أي شيء، حتى ولو كان حكمَه نفسه! اللهم احفظ المسجد الأقصى من أي سوء، واحفظنا ممن آذى الإنسان واحتل الأرض، ورد بنا إلى الطريق السوي حتى نستعيد كرامتنا باستعادة المسلمين بيت المقدس وأرضه من الكيان الصهيوني الغاصب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.