شعار قسم مدونات

لماذا سحبت أمريكا بعض سلاحها من السعودية؟

blogs أمريكا

يبدو بأن نهاية الحرب على اليمن باتت وشيكة. وما سحب أمريكا لمنصّتي باتريوت وطائرات وجنود من السعودية الا البداية. أمريكا فتحت بابا للسعوديّة لتنهي هذه المأساة الظالمة وتحفظ ماء وجهها بعد خسائرها اللامتناهية، وعلى السعودية أن تنهيها. في البدء لا يجب أن ننسى بأنّ وجود الأسلحة الأمريكيّة المسحوبة هو بالأساس على علاقة بالحرب على اليمن. السعودية وأمريكا احتاجتا حماية النفط بعد أحداث سبتمبر 2019 التي هاجمت فيها القوات الحوثية، بشكل غير مسبوق، منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة أرامكو، باستعمال صورايخ باليستية وطائرات مسيّرة. فأحدثت فيها تدميرا هائلا، مما أضرّ حتما بمصالح الدولتين الأمريكيّة والسعوديّة وأرعبهما. فجاءت الأسلحة على جناح السرعة، منصّتي باتريوت و300 جنديا وطائرات.

وإذا كان وجود هذه الأسلحة بسبب الحرب على اليمن فلن يكون سحبها إلا مرتبطا بها، فلن يقدر أيّ أحد على تهديد النفط السعودي سوى سلاح الحوثيين، كردّ فعل على المجازر التي تحدث على أرض اليمن. ومن الملاحظ بأنّ هناك تغييرات تحدث حاليّا من الجانبين السّعودي والأمريكي تجاه الوضع القائم، وارجّح بانّها تشير إلى تغييرات جذرية في مسار الحرب، المسلّطة على اليمن من خارجه، وتؤسّس إلى بدايات نهايتها.

لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عن كنزها الاستراتيجي، المالي والطاقي والجيوسياسي الذّي يمنحها التواجد في المنصّات الخلفيّة لإيران والصين وروسيا

فليس من الحكمة أن نعتقد بأنّ السعوديّة تودّ مواصلة الحرب على اليمن ثم تتخلّص بكل سهولة من الخطّ العسكري الأوّل للمواجهة. فالسعودية أوقفت عمل جنودا يمنيين، تابعين للواءات الثلاث، ثالث عروبة وثالث عاصفة وثالث حرس حدود، وهم يمنيّون كانت تستعملهم خطّ مواجهة ضدّ الحوثيين على محوري حرض وصعدة في الحدّ الجنوبي للسعودية، واعادتهم إلى بلدهم. قطعت عنهم السعودية رواتبهم منذ أكتوبر 2019، وهو ما يعني بأنّ فكرة التخلّص منهم ابتدأت فعليّا، على الأقل، منذ هذا التوقيت، أي قبل جائحة كورونا وحرب النفط العالمي الاخيرة. ولا نعتقد بأنّ نوايا من أراد أن يواصل حربا أن يتخلّص من جنوده، أثناء الحرب، ليخلي، فجأة، أغلب الحدود الجنوبيّة امام العدوّ. فلو كانت نيّة السعوديّة أدامة الحرب ومواصلتها لأبقت على هؤلاء المقاتلين، باعتبار أنهم، في الأول والأخير، خسائر بشرية يمنيّة صرفه.

ومن ناحية ثانية، يبدو أن أمريكا مطمئنة وهي تغادر السعودية، بأسلحتها المذكورة، على مسار حرب اليمن. وإلا كيف نصدّق ما ذهبت إليه صحيفة وول ستريت جورنال من أن "البنتاغون اتّخذ خطوات سحب هذه الأسلحة من السعوديّة بناء على تقديرات المسؤولين بانّ طهران لم تعد تشكّل تهديدا للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة"، فهل أن أمريكا أمنت بطش إيران، في السعودية ولم تأمنه في العراق، فنقلت إليه السلاح؟ طمأنينة أمريكا ورحيلها عن حماية النفط السعودي تعني بانّها على علم، أو لديها ضمانات، بأن مواقع النفط لن تهاجم مرّة أخرى، ولن يكون ذلك إلا في إطار كبير يرتبط بإنهاء هذه الحرب الظالمة.

ومن زاوية أخرى، يذهب البعض إلى أن أمريكا سحبت ترسانتها العسكرية كعقوبة للسعوديّة على حربها النفطية التّي شنّتها على العالم، فكان الحليف الأمريكي أكبر المتضرّرين فيها. وقد استند هؤلاء على فحوى المكالمة الشهيرة التي حدثت يوم 2 أبريل بين ترامب ووليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. وحسب "رويترز" فان ترامب قال لولي العهد، اثناء المكالمة، "ما لم تبدأ منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في خفض الإنتاج، فإنّه سيكون عاجزاً عن منع المشرّعين الأميركيين من تمرير تشريع لسحب القوات الأميركية من المملكة". وها قد بدأت الإجراءات الميدانية.

إلا أن هذا الرأي لا يمكن القبول به على إطلاقه. بالحساب والمنطق، لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية، حاليا، أن تتخلى عن السعودية، هذا من سابع المستحيلات. لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عن كنزها الاستراتيجي، المالي والطاقي والجيوسياسي الذّي يمنحها التواجد في المنصّات الخلفيّة لإيران والصين وروسيا. وهو ما يشير كذلك بانّ ما قامت به أمريكا مؤخّرا من سحبها لمنصّات الباتريوت والطائرات والجنود من السعودية لا يمكن أن يكون بسبب التخلي عن هذه الدولة "الكنز". لن تترك أمريكا السعوديّة لروسيا والصين حتى لو أرادت السعودية.

وللأسف فإن لهذه الحرب العبثية المدمرة وجهين، وجه خارجي ووجه داخلي. الوجه الخارجي هو الاعتداء اليومي الذي تمارسه السعودية وحلفائها على أهل اليمن منذ 2015. وأما الوجه الداخلي وهو الأخطر، وهو معظمه من نتائج العدوان الخارجي، يتمثل في زرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن الواحد. سيتوقّف الأوّل، ويتواصل الثاني، لتستمر معاناة أبناء اليمن من داخلها.

في المحصلة، حرب اليمن التي تشنّها السعودية وحلفاؤها ستنتهي، ولن يطول وقت إعلان نهايتها. وما سلوكيّات أمريكا والسعودية الأخيرة إلا مؤشرات على ذلك. إلا أن انتهاء العدوان الخارجي على اليمن سيفتح باب الاقتتال الداخلي بين الفرقاء، على مصراعيه، فقد زرعت قوات التحالف كل بذور الفتنة والانشقاق. ولعلّ اليمن لن يكون موحّدا مستقبلا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.