شعار قسم مدونات

هل يتمكّن الذكاء الاصطناعي من إيجاد علاج لفيروس كورونا؟

blogs كورونا

لطالما شكّل اكتشاف العقاقير واللقاحات عمليةً معقّدة ومكلفة للغاية، تتطلّب جهودًا متضافرة من ألمع العقول في العالم. ويزداد هذا التعقيد في فهم علم وظائف أعضاء جسم الإنسان مع نشر كل ورقة بحثٍ جديدة واختبار لكل مركّب دوائي جديد. وفي الوقت الذي يواجه العالم تحديًا كبيراً في مواجهة فيروس كورونا، يقدّم الذكاء الاصطناعي بارقة أملٍ جديد في إمكانية تطوير علاج أسرع من أي وقت مضى. في هذه المقالة، سنعرض بعض الأساليب المستخدمة التي يجري تطويرها والعمل عليها في عملية اكتشاف الأدوية، وسنتناول كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي في هذه الصناعة لمكافحة فيروس كورونا.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في اكتشاف العقاقير

شهدت الشركات الناشئة التي تركز على استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية، استثمارات كبيرة في السنوات الأخيرة، فقد بلغ حجم الاستثمار في الولايات المتحدة ما مجموعه 1.5 مليار دولار بين عامي 2015 و2019 من خلال 69 صفقة فقط، وفق ما نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز.

محركات المعلومات
أدّى انتشار فيروس كورونا بشكلٍ سريع حول العالم إلى بروز تحديات غير مسبوقة في مجال صناعة الأدوية. وهنا، أخذ دور الذكاء الاصطناعي بالاتّساع مع سعي العديد من الشركات المستخدِمة لهذه التقنية في محاولة إيجاد مركّبات دوائية محتملة للقضاء على هذا الفيروس

تشكّل محركات المعلومات البنية الأساسية في اكتشاف الأدوية، وتعمل كمجمع أساسي للمعلومات، من أجل الوصول إلى الاستخلاصات والنتائج الإرشادية. وأمام تزايد المعلومات بشكلٍ كبير، يكمن غرض محركات المعلومات التي يتم تطويرها، في مساعدة العلماء على تحديث وتجميع كل المعلومات وسحب البيانات ذات الصلة. وتعمل محركات المعلومات على دمج المعطيات من عدة مصادر مثل منشورات البحث العلمي، والسجلات الطبية، والمعلومات حول المركبات الدوائية وكذلك الخاصة بالمرض، وبيانات التجارب السريرية التاريخية وغيرها من المعلومات الأخرى. وعندما يتعلّق الأمر باكتشاف العقاقير، تلعب محركات المعلومات دورًا في تجميع وتحليل الكميات الهائلة من المعلومات للمساعدة على فهم آليات المرض، وترشيح الأدوية الأكثر حظاً في تأمين العلاج المحتمل أو تحسين مركّب دوائي مع الخصائص المطلوبة. وعادةً يتم تقديم هذه المعلومات من خلال رسم بياني يصوّر العلاقات بين الأمراض والجينات والمركبات الدوائية وبيانات أخرى، والتي يستخدمها الباحثون فيما بعد للوصول إلى الأهداف المرجوة أو اكتشاف المركبات الكيميائية.

تصميم الأدوية

تشارك تطبيقات تصميم الأدوية القائمة على الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مباشر في البنية الجزيئية للأدوية. فهي تُلخّص البيانات والرؤى من محركات المعلومات التي تم ذكرها أعلاه، للمساعدة في توليد أدوية مرشحة جديدة، والتحقّق من فائدتها وأضرارها الجانبية، وتحسينها أو حتى لإعادة استخدام أدوية موجودة في العلاج. ولتحديد الهدف، يتم استخدام التعلّم الآلي للتنبؤ بالأهداف المحتملة للمرض، ثم يقوم الذكاء الاصطناعي بعملية الفرز بترتيب الأهداف بناءً على التركيبة الكيميائية والسلامة ويعرضها، وبعدها يتم إدخال هذه المعلومات في تطبيق تصميم الدواء الذي يحسّن المركبات ذات الخصائص المرغوبة قبل اختيارها للتركيب. ويمكن بعد ذلك إدخال البيانات التجريبية من المركّبات المحددة إلى النموذج، لتوليد بياناتٍ إضافية بهدف التحسين. وبالنسبة لإعادة استخدام الأدوية، تتمّ مقارنة الأدوية الموجودة لمجالات علاجية محددة مع المسارات والأهداف المحتملة في الأمراض البديلة، ما يخلق فرصةً لعائدٍ إضافي من الأدوية المطوّرة بالفعل، ويوفّر الوقت والجهد في البحث عن عقاقير جديدة لا سيما بالنسبة للأمراض النادرة.

الذكاء الاصطناعي في مكافحة فيروس كورونا

أدّى انتشار فيروس كورونا بشكلٍ سريع حول العالم إلى بروز تحديات غير مسبوقة في مجال صناعة الأدوية. وهنا، أخذ دور الذكاء الاصطناعي بالاتّساع مع سعي العديد من الشركات المستخدِمة لهذه التقنية في محاولة إيجاد مركّبات دوائية محتملة للقضاء على هذا الفيروس. ويمكن أن يشكّل فهم تركيبة البروتين المكوّن للفيروس التاجي أساس الدواء أو اللقاح المحتمل للشفاء، وهذا ما تسعى له شركة "Deep mind" التابعة لـ "غوغل" باستخدام محرك الذكاء الاصطناعي الخاص بها للتنبؤ ببنية تركيبة ستة بروتينات مرتبطة بفيروس كورونا.

وتعمل شركة "Insilico Medicine" ومقرّها في هونغ كونغ على الاستعانة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتصميم جزئيات يمكن أن تحدّ من قدرة فيروس كورونا على التكاثر وذلك من خلال استخدام البيانات المرتبطة بفيروس السارس المماثل للفيروس المستجد والذي تفشّى عام 2003. كما تأمل شركة "Exscientia" البريطانية وهي التي ابتكرت في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، عقاراً جديداً لعلاج اضطراب الوسواس القهري باستخدام الذكاء الاصطناعي، في اكتشاف عقارٍ يمكن إعادة استخدامه لعلاج الفيروس التاجي في فترةٍ تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة، ولهذه الغاية تقوم الشركة بفحص أكثر من 15 ألف دواء باستخدام هذه التقنية. ومن المهم أن نتذكر أنه حتى لو ساعد الذكاء الاصطناعي العلماء على تحديد الأهداف وتصميم مركّبات جديدة بشكلٍ أسرع، فالاختبارات السريرية والموافقة التنظيمية عليها ستستغرق حوالي عام على الأقلّ. لذلك، إلى حين تطوير لقاح أو دواء جديد، يجري البحث في الأدوية الموجودة والتي يمكن إعادة استخدامها في علاج فيروس كورونا.

وتستخدم شركة "Benevolent AI" محرك المعلومات القائم على التعلّم الآلي الخاص بها للبحث عن الأدوية المعتمدة بالفعل والتي يمكن لها الحدّ من عملية انتقال العدوى والإصابة بالفيروس. وبعد تحليل الخصائص الكيميائية والبيانات الطبية، حددت الشركة البريطانية عقار"Baricitinib" المستخدم عادةً لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي المعتدل والشديد، كمرشّح محتمل لعلاج كورونا. وتكمن النظرية في أن الدواء سيمنع الفيروس من دخول الخلايا، وبالتالي بالاشتراك مع الأدوية المضادة للفيروسات سيقلّل ذلك من العدوى الفيروسية وتكرارها ويمنع الاستجابة الالتهابية للرئتين.

ورغم المحاولات الحثيثة لإيجاد ما يمكن أن يعمل كعلاج لفيروس كورونا سواء من الأدوية الموجودة في السوق أو من المركّبات الدوائية الجديدة، على المجتمع الطبي والعلمي أن لا يهمل النهج المعمول به بدءًا من التجارب السريرية إلى دراسة المضاعفات المحتملة بعد العلاج وغيرها، فالأمر يحتاج إلى إجراءات مشدّدة للتحقق من الاستنتاجات ومدى دقّتها خصوصاً فيما يتعلّق بالصحة والحياة. ولكن بالتأكيد استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب بالتعاون مع العقول الساطعة سيؤدي إلى نتيجةٍ أفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.