شعار قسم مدونات

قيس سعيد.. أمل الربيع في زمن خريف الثورات

blogs قيس سعيد

كانت مفاجئة مدوية تلك التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية التونسية داخل تونس وخارجها، الانتخابات التي فاز بها قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي دارت يوم 13 أكتوبر 2019 بعد تحقيقه أغلبية أصوات الناخبين التونسيين و خاصة من فئة الشباب الذي حضر بقوة في مكاتب الاقتراع، وسرعان ما ظهر متلحفاً بعلم بلاده، ودموع الانتصار تملأ عينيه، وهو يحتفل مع أنصاره، في شقةٍ صغيرةٍ بأنحاء العاصمة، على وقع شعاراتٍ ثوريةٍ أهمها؛ "أوفياءٌ لدماء الشهداء"، متوعداً أنّه سيعيد لتونس مجدها، وسيمضي في تركيز دعائم دولة القانون والعدل.

 

وقد كان سعيد قد اكتسب شهرة كسياسي غير عادي، فلقد رفض الأموال المخصصة لتمويل حملته من قبل الدولة، على الرغم من أنه كان لديه الحق القانوني لنيلها، وجمع وديعة ضمان قدرها 10000 دينار للتسجيل في القائمة النهائية للمرشحين وذلك باللجوء للاستدانة من أفراد عائلته ويعد قيس سعيد من العائلة السياسية الثورية. إنها عادة الشعب التونسي هذا الشعب المثقف المستنير الذي دائما ما يأتي بالجديد في كل شيء وما أحداث الربيع العربي منا ببعيد ولسنا هنا في معرض ذكر سمات وميزات هذا الشعب ولكن ما نحن بصدده هنا هو قدرة هذا الشعب على التحلل من براثن القيود الرجعية والحزبية أمر مذهل، الأمر الذي مازال في كثير من المجتمعات العربية حلما بعيد المنال فما زال الارتباط للقبيلة والطائفة والحزب التقليدي الذي تتبعه العائلة الأمر السائد، فشكرا لهذا الشعب الذي يفتح أمامنا الطريق للتقدم مرة بعد أخرى.

 

وهنا نعود لبطل العرس الانتخابي انه قيس بن المنصف بن محمد سعيّد مواليد 22 فبراير 1958 هو رئيس الجمهورية التونسية السابع. وسياسي وأستاذ جامعي تونسي، مختص في القانون الدستوري اشتهر بمداخلاته الأكاديمية المميزة للفصل في الإشكاليات القانونية المتعلقة بكتابة الدستور التونسي بعد الثورة، الرجل صاحب ال 61 ربيعا الرجل الهادئ الذي يلفه الوقار هادئ الطبع معتدل المشية قليل الحركة ثابت الملامح صاحب الآراء الجريئة والصوت الجهوري وأيضا كما يحلو للبعض تسميته (الرجل الآلي) نسبة إلى طريقة حركته وتعابير وجهه الجامدة التي تشبه الرجال الآليين.

   undefined

  

دخل قيس سعيد قصور قرطاج حاملا آمال الشعب التونسي والشباب بشكل خاص وهو الذي قال أثناء حملته الانتخابية انه لا يبيع الأحلام وهو يواجه مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية، فقيس بثوابته التي عبر عنها والتي عنوانها الواضح في شعار حملته "الشعب يريد" فهو قد أتى من الشعب والى الشعب وهمه أن يخدم الشعب ويطبق إرادته، وكان أول تحدي هو تشكيل حكومة وفقا للقانون والدستور فبعد فشل مرشح حزب "النهضة" الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان مطلع يناير وجد سعيّد نفسه ملزما دستوريا بتكليف شخصية لتشكيل الحكومة ، واشترط الرئيس التونسي خلال دخوله في مشاورات سياسية مع الأحزاب قبل ترشيح وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ، أن تقدم الأحزاب والكتل السياسية مقترحاتها "كتابيا" في محاولة لتجنب إهدار الوقت ولفسح المجال لنواب الشعب أن يصلوا إلى حلول وسط لإخراج البلاد من أزمة تشكيل الحكومة وهو تصرف مسؤول من الرئيس الجديد.

 

طلب قيس سعيد من الفخفاخ أن يأخذ بالاعتبار في برنامج عمله "أنّات العاطلين عن العمل وأنّات الفقراء". ولما تعذر على الكتل البرلمانية التوصل إلى توافق حول حكومة الفخفاخ مارس السيد قيس وبكل مسؤولية ومهنية صلاحياته ليحمي دولته من السقوط في فخ الفراغ الحكومي وقال عند استقباله في قصر قرطاج، راشد الغنوشي رئيس البرلمان (رئيس حركة النهضة)، ويوسف الشاهد رئيس حكومة تصريف الأعمال، إنه "لا سبيل للخروج من أزمة تشكيل الحكومة إلا بالاحتكام إلى الدستور وحده… وليس للتأويلات التي ترد علينا ممن فتحوا دور إفتاء"، وخلال اللقاء، أكد سعيد أن الفصل 89 من الدستور ينص على أنه "إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يومًا". ورأى أنه يجب تطبيق نص الدستور في هذا الشأن.

 

وشدد الرئيس التونسي على أنه "إذا لم تحصل الحكومة التي سيتم تقديمها الى البرلمان على الثقة فسيقع اللجوء إلى الشعب، فهو صاحب السيادة يمنحها لمن يشاء ويسحبها ممن يشاء وله الكلمة الفصل"، مؤكدًا ضرورة أن يتحمل الجميع مسؤوليته التاريخية، وبالفعل ووفقا لهذا التصرف الحكيم الذي فيه احتكم سعيد للدستور والقانون بدون مماهاة للكتل والأحزاب القوية تم التوافق على حكومة الفخفاخ في فبراير 2020. داخليا لم يغفل سعيد عن فتح أبواب الرئاسة لاستقبال شباب عاطلين عن العمل من المناطق الداخلية في البلاد يبحث معهم مقترحاتهم لحل أزمة إنتاج الفوسفات في قفصة (جنوب تونس) كما كرر توجيهاته المستمرة لوزراء الحكومة الجديدة بأن يولوا الإنسان التونسي والطبقة الفقيرة والشباب الاهتمام الأكبر وان يكون برنامج الحكومة موجها لهم.

 

ونجح قيس سعيد في بناء جسور التواصل مع شعبه بشكل ايجابي وقال لهم انه قيس سعيد رئيس الجمهورية وليس رئيس الجمهورية قيس سعيد فهو الإنسان منهم واليهم قبل ان يكون رئيس الجمهورية في بادرة تنم عن كرم خلقه وتواضعه وعفته كيف لا وهو الذي كان يقطن في شقة مستأجرة صغيرة متواضعة في عمارة بحي ابن خلدون قلب العاصمة التونسية. ودعا سعيّد أن تتولى الدولة المرافق العمومية من صحة وتعليم وضمان اجتماعي فضلا عن الشغل، مؤكدًا أنه بصدد مشاريع قوانين بالنسبة للقانون الانتخابي وقوانين اقتصادية واجتماعية، وتابع سعيد ”أحاول أن أجد التمويلات اللازمة من الداخل والخارج لحل مشكل الشباب” معلنا أنه “يعمل على إنشاء مدينة صحية في القيروان تتوفر على كل الاختصاصات". 

  undefined

  

دبلوماسيا، حاول الرئيس الجديد التمسك بمبدأ "الحفاظ على السيادة"، من خلال رفض تونس الدخول في حلف مع أنقرة في خصوص الملف الليبي بالإضافة إلى رفض دعوة برلين في منتصف كانون الثاني/يناير للمشاركة في المؤتمر الدولي حول ليبيا لأنّها وصلت "متأخرة"، كما ان موقف جمهورية تونس المشرف من صفقة القرن في الأمم المتحدة عبر مندوبها وصياغة مسودة مشروع قانون ترفض صفقة القرن أمر يحسب للرئيس قيس سعيد. أما على صعيد الملفات الإقليمية ففي الملف الليبي فقد اجتمع مع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، كما التقى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لذات الشأن وأشار بأنه بصدد إعداد مبادرة موحدة مع الجانب الجزائري نظرا لتقارب وجهات النظر وشدد على أن "الحل في الأزمة الليبية لا يمكن أن يكون إلا من الليبيين أنفسهم حتى تستعيد ليبيا عافيتها وأمنها"

  

أما على صعيد أزمة كورونا فقد أمر الرئيس التونسي قيس سعيّد الجيش بالانتشار في الشوارع لإجبار الناس على احترام إجراءات الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا، وكان الرئيس التونسي قيس سعيدّ قد أعلن حجرا صحيا عاما وطلب من أغلب المواطنين البقاء في بيوتهم إلا للضرورة القصوى وعلق التنقل بين المدن في تشديد للإجراءات لمنع تفشي فيروس كورونا، وقد كانت لإجراءات الحكومة الصحية لمحاربة فيروس كورونا ردود أفعال ايجابية ومشيدة داخليا وخارجيا وسط تفاعل شعبي طوعي كبير ليضرب الشعب التونسي مجددا مثالا في السلوك الحضاري في أوقات الأزمات، كما أعلن عن خطة كبيرة لتوفير مساعدات للأسر الفقيرة التي تعاني من تداعيات الحظر الخاص بجائحة كورونا في إطار تخفيف معاناة الشعب من جراء أزمة كورونا التي تجتاح العالم، كما أعلن خلال الأيام الماضية عن نيته دعوة البرلمان والجهات التشريعية إلى إصدار قانون يعتبر المحتكرين والمغالين والمتلاعبين بأسعار السلع الغذائية التي تشكل قوت المواطن باعتبارهم مجرمي حرب خاصة في خضم أزمة كورونا وموجة ارتفاع في الأسعار أثرت بشكل كبير على قدرة المواطنين الشرائية.

 

لقد وجهت خلال الفترة الماضية للسيد قيس سعيد بعض الانتقادات مثل ضعف التواصل مع الشعب وأيضا استقباله لأبناء مقاتلي تنظيم داعش في ليبيا وتوجيه الجهات الحكومية لرعايتهم أيضا بطء عجلة الإصلاحات الاقتصادية ولكن يبقى الوقت مبكرا على تقييم أداء الرجل في عهدته الجديدة خصوصا أن حكومة الياس الفخفاخ ما زالت وليدة فالأيام ما زالت حبلى بالأحداث وستبين إن كان السيد قيس قادرا على تحقيق وعوده وجعل أمال التونسيين حقيقة أم انه سيفشل في ذلك، وفي الختام لا يمكن إغفال أن الرجل قيس سعيد شكل بشخصيته وخلفيته الاجتماعية والثورية وثقافته وثوابته الوطنية والعروبية وانتخابه حلما جميلا عاشه الشباب العربي وأملا جديدا لبروز قادة قد يكونون قادرين على تغيير واقع منطقتنا وامتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.