شعار قسم مدونات

هل يصدأ الذهب الأسود ما بعد كورونا ؟

blogs نفط

بعد أسابيع عصيبة مرّ بها السوق النفطي وما صاحبها من انهيارات صادمّة سُجّلت لأول مرّة في التاريخ لما تكبدته أسعار النفط من خسائر فادحة وصلت حدّ ملامسة العقود الآجلة للنفط الصخري الأمريكي حدّ السالب بـ 44 دولاراً، إلّا أنّ ذلك لا يعدّ الخطر الأكبر الذي سيترتب على حسابات الصناعة البترولية في ظلّ جائحة كورونا العالمية .. دعونا نتابع.

 

تخفيضات أوبك بلس المنتظرة

يرى مراقبو السوق النفطي عبر خفض الانتاج ضمن التزامات منظمة الدول المنتجة للنفط أوبك وحلفائها المستقلين كروسيا والمكسيك بريقَ أملٍ في استعادة النفط لبعض خسائره التي مني بها في 20 أبريل، وذلك ضمن حزم خفضٍ تصل إلى 20 مليون برميل يومياً من الانتاج العالمي البالغ نحوَ 100 مليون، بيد أنّ مؤشراتٍ عديدة توحي بفقدان الدول الكبرى المنتجة القدرة على التحكم كما السابق في الإقبال على الذهب الأسود وأسعاره حتى ولو أتى ذلك ضمن اتفاقات كبرى وتاريخية على غرار اتفاق أوبك بلس التاريخي الأخير.

 

هالة أملٍ وهمية

يضاف إلى كون بنودِ تسوية أوبك بلس في مواجهة الأزمة غير كافية لاستمالة الطلب على النفط وتعافيه، أن التقديرات المبدئية تشير إلى عجز في الطلب على النفط بين المعروض والمُنتج وصل بمجمله إلى 10 ملايين برميل يومياً، يزيد عليه عجز التخمة التي قدّرت بنحو 2.4 مليار برميل وهي حصيلة حرب أسعار بين روسيا والمملكة العربية السعودية، لتستدعي المعطيات أعلاه اتفاقاً نفطياً آخر بين الدول المنتجة كخطوة نحو إصلاح ما يمكن إصلاحه في ميزان العرض والطلب.

    

    

إن تلويح المنتجين أيضاً بخطر حدوث موجة ثانية للوباء العالمي كورونا في الخريف المقبل، ساهمت بتعزيز حالة الخوف وعدم الاستقرار داخل السوق النفطي على المدى البعيد، في وقت لا تزال فيه الأسعار منخفضة بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، وسط صراعٍ بين الدول المنتجة على استمرار العرض الزائد في ظلّ أسوأ صدمة للطلب في التاريخ.

  

العثرة المستدامة

لا شكّ أن انعكاسات خفض الإنتاج النفطي ستلقي بظلالها على أسعار السوق العام مع إحداث ارتدادات ولو على المدى القريب في رفع الأسعار عمّا باتت عليه اليوم من مستويات متدنية، إلا أن الصناعة النفطية بمجملها تواجه أزمة حقيقة ليس لما ترتبت عليه المعطيات السوقية وحسب بل على مستقبل الاستهلاك حتّى بعد الجائحة العالمية، إذ تتوجه أنظار العالم اليوم نحو الطاقة المتجدّدة والتي تسعى دول عديدة للاعتماد عليها في مستقبل صناعة الطاقة.

 

للتبّين من دقّة ما سُرد أعلاه، وَجَب التطرّق إلى تقارير ودراسات تحدثت ما قبل كورونا عن أن ذروة الطلب على النفط ستحدث بحلول عام 2040 بسبب صعود السيارات الكهربائية، وزيادة كفاءة الطاقة والتحول إلى مصادر بديلة، وهي دراسات غيّرت من حيثياتها جائحة كوفيد – 19، لتصبح عودة السوق النفطي إلى نموه ما قبل 2020 أمراً مستحيلا.

 

إن مواطني المدن التي كانت ملوثة ذات مرة، اعتادوا اليوم على هواء نظيف وسماءٍ صافية، تجد حكوماتهم نفسها أمام مطالب حقيقية بفرض ضوابط أكثر صرامة على الانبعاثات فيما لو بدء فك الحظر المفروض، مما يشجع الحكومات على مضاعفة جهودها لمعالجة أزمة المناخ ليشكّل ذلك ضغطاً على تسريع القوى الدافعة لانتقال الطاقة من معتمدة على النفط إلى مستغنية عنه بشكل كبير.

  undefined

  

تُظهر الإشارات الحالية بالفعل إلى أن المدن الأوروبية استثمرت الوباء العالمي كفرصة للحد من التلوث، وذلك ما أكده نائب عمدة ميلانو الإيطالية في تصريحات لصحيفة الجارديان حيث تحدّث عن أن المدينة تريد بالطبع إعادة فتح الاقتصاد، لكن الحكومة تعتقد بأن عليها فعل ذلك على أساس مختلف عن ذي قبل، في إشارة إلى آلية التشغيل المختلفة التي سيتمّ اعتمادها على أساس الطاقة المتجددة والمساهمة في تخفيف الانبعاثات الضّارة، والنفط مصدرها بالطبع.

 

كورونا دمرّت جسر الصناعة البترولية

لقد دمر وباء الفيروس التاجي الطلب على البنزين ووقود الطائرات مع بقاء بلايين الأشخاص في منازلهم، ولا يوجد ضمان بأنه سيتعافى تمامًا على الرغم من الأسعار المنخفضة للغاية، فصناعة النفط تستعد لتأثيرات الأزمة، ويعزز ذلك، الفرضية الأكثر ترجيحاً باستمرار الموظفين في إتمام أعمالهم من المنزل ورغبة أرباب العمل بالأمر عينه لما يوفره من مصاريف تشغيلية، كما سيتأثر قطاع السفر الدولي الذي يعدّ نادراً اليوم، وسيكون كذلك في الأسابيع والأشهر المقبلة.

 

المطالب المدنية سترافقها بلا شكّ حملة مستثمرين للتخلص من الأصول النفطية التي كانت تكتسب زخماً قبل انهيار الأسعار الأخير. وبالمقارنة، يبدو أن استثمارات الطاقة المستدامة صمدت بشكل جيد نسبيًا على الرغم من تقلبات سوق الأسهم، كلّ ذلك يضع سوق النفط العالمي برمته أمام عقبة كبيرة ربّما قد تغيّر مفهوم العالم بالكامل لقطاع الطاقة بعد انفراج الأزمة الصحية الحالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.