شعار قسم مدونات

فلسطين وكورونا.. إحصائيات وجهود في خط الدفاع الأول

blogs كورونا

تابع الكثير منا التقارير التي تتحدث عن حجم الميزانيات المرصودة من قبل الحكومات للجوانب العسكرية والأمنية، بحجة مواجهة المخاطر التي تتعرض لها، لكن هذه الحكومات لم تضع في حسبانها وجود أعداء غير مرئيين، كفيروس كورونا "كوفيد 19" الذي اقتحم العالم خلسة. فعلت الأصوات متسائلة عن مدى جدوى هذه الخطط والميزانيات بعدما فشلت أو بالأحرى خضعت لهذا العدو المجهري الذي لا تراه العين، فانكفأ وزراء الدفاع، ليتقدم وزراء الصحة، وهدأت أصوات الثكنات لتعلو أصوات ميادين الصحة، وأصبح الجنود الحقيقيون هم الأطباء والممرضون والصيادلة، وجرى تسخير كل مقومات الدولة بما فيها إمكانيات الجيوش، لمساندة الكوادر الصحية، في تنفيذ خطط الطوارئ. فاليوم الميدان لأهل الطب والصحة والكل خلفهم يساند.

 

فارتسمت في أيامنا هذه، مفاهيم جديدة، كمعنى خط الدفاع الأول، والذي يتجسد في المشافي والمراكز الطبية والبحثية ومختبرات ومصانع الأدوية. فاليوم عاملو القطاع الصحي، من أطباء وممرضين وخبراء وعلماء وباحثين، هم جنود المرحلة، وكما الجندي في أرض المعركة مهدد بالإصابة والوفاة، فعاملو القطاع الصحي، معرضون لذات المخاطر، وفي تصريحات صحفية، أشار مدير منظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم" إلى أن بعض الدول سجلت في تقاريرها إصابة 10% من العاملين لديها في القطاع الصحي بفيروس كورونا المستجد. مع غياب شبه تام لإحصاء المصابين العاملين في هذا المجال، ما يهدد القطاع الصحي وخطط الحد من انتشار الفيروس في دول العالم.

 

الدور لأبناء القطاع الصحي الفلسطيني، داخل فلسطين وخارجها هو محل تقدير كبير، فجهودهم منتشرة في الكثير من البقاع، كما نوهت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، إلى وجود أكثر من ألف طبيب في القارة الأوروبية

وكأمثالهم من العاملين في هذا المجال، سُجِّل بين الأطباء الفلسطينيين خارج فلسطين، العديد من الوفيات والإصابات، وبحسب إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الخارجية الفلسطينية، فقد توفي 4 أطباء فلسطينيين، نتيجة إصابتهم بالفيروس أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني، اثنان منهم في إسبانيا (قاسم عيسى في مدينة غاليسيا، الطبيب هشام ياسر حمد) والثالث في إيطاليا (نبيل خير نائب رئيس الجالية الفلسطينية في أوروبا، والطبيب الصيدلي (سيف تيتي) في ولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى إصابة 20 طبيبا وممرضا فلسطينيا، بينهم طبيبين في تركيا، مع التأكيد على أن الإصابات الأكبر بين العاملين الفلسطينيين بالقطاع الصحي في الخارج تركزت في الولايات المتحدة الأمريكية. وفق مصادر رسمية فلسطينية.

 

وهنا، يستوقفنا أمر، لا بد من الإشارة إليه، أن الأطباء الفلسطينيين هم مواطنون في هذه الدول، فهذه صورة الفلسطيني، وليست الصورة مقتصرة على كونه لاجئاً أو مشرداً، فحينما توفرت له الظروف المواتية بات عنصراً فاعلاً في المجتمعات التي احتضنتهم ومنحتهم الفرصة.

 

إن أبناء شعبنا الفلسطيني، والمقدر عددهم بأكثر من 15 مليون نسمة، نصفهم خارج الوطن، يملكون الإمكانيات والقدرات، وبعض الدول استفادت منها، والكثير منها للأسف أهملها والبعض الآخر حاصرها، ونشير هنا إلى أن أعداد العاملين بالمجال الصحي في فلسطين (الضفة وقطاع غزة وشرقي القدس) يقدّر بـ 31 ألفا وفق إحصائية 2018، ونحو 5 آلاف من الأطباء والممرضين من فلسطينيي 48، وتقدر أعدادهم خارج فلسطين بالآلاف وبإحصائيات غير رسمية أكثر من ذلك بكثير، فهناك قرابة 1600 من موظفي الصحة في الأونروا ضمن أقاليم عملها (سوريا، الأردن، لبنان)، و7 آلاف طبيب في ألمانيا، و500 في إيطاليا، بالطبع الأرقام لا تشمل كافة المناطق، كالقارة اللاتينية، والتي يقيم فيها قرابة 700 ألف فلسطيني.

 

إن الدور لأبناء القطاع الصحي الفلسطيني، داخل فلسطين وخارجها هو محل تقدير كبير، فجهودهم منتشرة في الكثير من البقاع، كما نوهت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، إلى وجود أكثر من ألف طبيب في القارة الأوروبية يشاركون زملاءهم في مواجهة انتشار الفيروس في القارة العجوز، كما يساهم تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا (يضم ألف طبيب)، بدور مهم في إطلاق المبادرات الطبية والبرامج التوعوية، والمحاضرات التثقيفية عبر الإنترنت، لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

 

إضافة إلى تزايد أعداد المصابين الفلسطينيين العاملين في القطاع الصحي بالفيروس؛ فقد ارتفعت أعداد الإصابة بالوباء بين الفلسطينيين في الخارج إلى 1066 إصابة والوفيات إلى 50 وفاة، بينهم 640 إصابة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، توفي منهم 33 شخصاً، و426 إصابة في دول العالم المختلفة. وفق ما أعلنت عنه وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية. وبالطبع الخطر الأكبر يداهم أبناء المخيمات الفلسطينية. إضافة إلى أن أعدد المصابين داخل فلسطين، قد بلغت 339، توفي منهم 2 وتعافى 91 مصاباً حتى الآن. وفي الداخل المحتل عام 1948، سُجِّل قرابة 600 حالة إصابة لا تشمل المدن الساحلية وفق مصادرة صحفية. ورغم الدور الكبير لطواقم فلسطينيي الـ 48 وجهودها في الحد من انتشار الفيروس، تمتنع سلطات الاحتلال من إجراء الفحوصات الطبية لفلسطينيي الداخل، ما يعكس حجم سياسة التميز العنصري الذي تقوم به، ما ساهم في ارتفاع أعداد المصابين بين أفراد المجتمع الفلسطيني في أراضي 48.  

 

وهنا الكثير من الأسئلة، تجول في خواطرنا، هل ستبقى الأولوية لدى دوائر صناع القرار في العالم، للميزانيات والخطط العسكرية، أم أن هذه الجائحة قد غيرت فعلا من المفاهيم السابقة؟ هل ستساهم تضحيات الفلسطينيين من العاملين في المجال الصحي وجهودهم في العالم، بفتح الباب أمامهم ليقدموا ما لديهم، وهل ستُسنَد مهمة تطوير هذه الجهود عبر اتحادات فاعلة وقوية تعطي لهم الأهمية اللازمة؟ وكيف ستتعامل دوائر صنع القرار الفلسطيني مع ازدياد تفشي وانتشار الفيروس بين أوساط الفلسطينيين في الداخل والخارج، وخاصة في المخيمات الفلسطينية التي تفتقد لأدنى الإمكانيات لمجابهة الفيروس، وما هي خططهم لذلك؟ ستكون الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة كفيلة بمنحنا تصورا واضحا لذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.