شعار قسم مدونات

تلوّيحة شكر وعرفان لعمَّال النظافة

blogs عامل نظافة

في سابقة هي الأولى من نوعها، تعيش معظم دول العالم حالة طوارئ صحية غير مسبوقة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، ومن بينها المغرب الذي لجأ منذ ظهور الحالات الأولى إلى تدبير استباقيّ سديد، حيث اتخذت سلطاته عدة تدابير وقائية واحترازية حكيمة لمحاصرة هذا الوباء، كان من بينها، فرض حالة الطوارئ الصحية مُبكرا، حيث أصبح التنقل يقتصر على باعة المواد الأساسية وعلى الموظفين الذين يعملون في المرافق العامة التي تُقدم خدمات ضرورية أو موظفي مؤسسات تدبير الأزمة، كنساء ورجال الصحة الذين يوجدون في الصفوف الأمامية في هذه الحرب الشعواء، ثم رجال السلطات العمومية والأمنية وعمّال قطاع النظافة..

 

مهندسو النظافة، هذه الأيادي السخية التي تعطي ببذخ لتبدو لنا الشوارع والحدائق والأزقة والساحات في حلة بهية ونقية، وهذه الأرواح المُجللة بالصدق والمسكونة بحبّ الوطن، التي تنسجُ الجمال بسَدى عرقها الطاهر. عمَّال النظافة فرسان غير مرئية لدى أغلب الناس لكن أثرهم واضح في حياة كل الناس، يستيقظون في الساعات الأولى كلّ يوم، بما في ذلك أيام الآحاد وأيام الأعياد الدينية، نراهم صيفا وشتاءً في كلّ صباح ونحنُ في طريقنا لمقرات العمل أو لنوادي الرياضة وهم يقومون بتنظيف الشوارع من مخلفاتنا وتفريغ أكياس القمامة، معرضين بذلك لأمراض التنفس بسبب تفشي الروائح النتنة والجراثيم المنبعثة من الحاويات.

  

هذا في الأيام العادية، لكن والعالم يعيش حالة طوارئ صحية غير مسبوقة بسبب جائحة فيروس كورونا التي اجتاح العالم مؤخرا، فالشعور بالخطر يتضاعف عند هؤلاء، خصوصًا وأن بعض السلوكيات الفردية غير الحضارية والتي تتمثل في إلقاء الكمامات والقفزات المُستعملة في الأرض وبدون وضعها في أكياس بلاستيكية تحمي رجال النظافة من لمسها بشكل مباشر وهو ما يجعلهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بهذا الوباء.

   undefined

   

نساء ورجال النظافة بالمغرب مثلًا، يشتغلون تحت مسؤولية شركات النظافة في إطار ما يصطلح عليه قانونيا بالتدبير المُفوض، ومعنى هذا أن الجماعات الترابية تفوّضُ لشركةٍ ما تدبير قطاع النظافة بموجب عقد واضح البنود ومُحدد المدة، أو يشتغلون كأعوان مؤقتين تابعين مباشرة للإدارات الجماعية، ذلك أن تدبير قطاع النظافة من اختصاصات الجماعات الترابية. لكن في كلتا الحالتين، يتقاضون مقابل عملهم الجبار مرتبًا لا يرقى إلى مستوى تطلعاتهم ولا يتناسبُ مع حجم تضحياتهم، ولهذا نجد أغلبيتهم يبحثون عن موارد أخرى للرزق، فهذا يعمل في الآماسي في تشذيب وسقي الحدائق الخاصة وذاك في أسواق الخضر، وتِيكَ تعمل في وقتها الفارغ في تنظيف البيوت أو أدراج العمارات.

 

يتعبون ويعملون لساعات طوال وبأجور هزيلةٍ لا تحقق لهم الأمان المادي لتغطية مصاريفهم اليومية وتكفل لهم الضرورات الحياتية، وفضلًا عن هذه الضغوط المادية، تُعاني هذه الفئة من ضغوط أخرى نفسية تتعلق أساسًا بالنظرة الدونية التي يرمقهم بها البعض، حيث يلقبهم البعض من ذوي السلوكيات الخاطئة أحيانا بِـ "الزبّال" أو صاحب الزبل، وأظنُ أنّ الحال يتشابه في كامل الوطن العربي، يختلف تمامًا في أوروبا، لكن في الوطن العربي، ينعتون بصاحب الزبل، يا لها من كلمات معيبة تثير استياء السامع. النفايات تخرج من منازلنا وهم يقومون بجمعها، يكنسون الشوارع والفضاءات العامة من أعقاب السجائر ومن كلّ مخلفاتنا، ويجمعون نفاياتنا المنزلية حتى لا تتراكم في الحاويات المُتبثة عند مداخل الأحياء السكنية، وتزكم روائحها الكريهة أنوفنا. كلّ هذا ولا يستحقون وقفة احترام وإجلال؟

   

وفضلًا عن هذه الأعمال اليومية والمهام الروتينية، يتجند مهندسو النظافة هذه الأيام وفي هذه الظروف الاستثنائية، المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، لتعقيم الشوارع والمحطات الطرقية وكل الفضاءات العامة الأخرى. وحتى لا ننكر للناس أشياءها، تقوم الجماعات الترابية وبعض الشركات المواطنة هذه الأيام بمجهودات كبيرة، إذ توفر لهؤلاء القفازات وأقنعة الوجه والألبسة الوقائية البلاستيكية وكلّ آليات العمل. وفي هذه الأيام بالذات انتشرت صورة بكثرة ولقَت استحسان رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يبدو في الصورة رجل أمن وهو يعطي التحية لعامِل نظافة، مشهدٌ حضاري وإنسانيّ صادق، على الرغم من أن الإثنين يستحقان كلّ تحايا التقدير خصوصا في هذه الظرفية الصعبة. فالأولُ رجل أمن يسهر على أمن وسلامة المواطنين وعلى تطبيق قانون حالة الطوارئ والثاني رجل نظافة يُنظف الشوارع والأحياء السكنية ويحافظ على جمالية المدن.

 

أما الأطباء فهم فرسان هذه الحرب، إلى جانب موظفي الداخلية.. ونساء ورجال التعليم الذي بفضلهم تخرج كل هؤلاء، وعمّال التنظيف الذين تعوَّدنا على وجودهم في حياتنا، حتى صار وجودهم مألوفًا قد نكاد لا نلحظه. فنحن نشعر بقيمة الضوء حينما يغشانا الظلام، وكذلك لا ندرك قيمتهم إلا حينما يغيبون يوما أو يومين، يوم واحد فقط كفيل لكي نشعر بحقيقة دورهم. وختامًا فإنني لا أودّ أن أنهي هذا الحديث من دون توجيه كلمات شكر وعرفان صادق لما يقوم به هؤلاء، جنود الخفاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.