شعار قسم مدونات

كيف تساعد البيانات الذكاء الاصطناعي في مواجهة أزمة كورونا؟

blogs كورونا

شهد الذكاء الاصطناعي تطوّرًا لافتًا في السنوات القليلة الماضية، وبات يشكّل رأس حربةٍ في مواجهة التحديات التي نواجهها على كوكب الأرض، آخرها فيروس كورونا الذي بات الشغل الشاغل للعالم. سنتناول في هذه المقالة، كيف يتم توظيف البيانات مع تقنية الذكاء الاصطناعي في ظلّ أزمة فيروس كورونا، واستعراض عددٍ من الشواهد والأمثلة من أرض الواقع.

اكتشاف فيروس كورونا

في الواقع، كانت "BlueDot" الكندية من أولى الشركات التي تمكّنت من رصد تفشي فيروس شبيهٍ بالإنفلوانزا في إقليم "هوبي" في الصين وذلك في ديسمبر من العام الماضي. وتعمل الشركة على استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعة والتعلّم الآلي لمراقبة الأمراض، وتستطيع من خلالها قراءة تقارير تفشي أمراض الحيوانات والنباتات وبيانات أخرى مرتبطة بتذاكر الطيران وغيرها بأكثر من 60 لغة، كما يمكنها فحص وتتبّع 150 نوعًا مختلفًا من مُسبّبات الأمراض في الوقت الفعلي.

وبفضل الذكاء الاصطناعي توقّعت "BlueDot" بشكلٍ صحيح أن ينتقل فيروس كورونا من الصين إلى دول جنوب شرق آسيا مثل اليابان، وكورويا الجنوبية، وتايلند. وهذه ليست المرة الأولى، فقد سبق للشركة أن أصابت في التنبؤ بتفشي فيروس "زيكا" في جنوب ولاية فلوريدا الأميركية عام 2016، ما يفتح الباب على إمكانية التنبؤ بحركة الأمراض وتفشيها من خلال استخدام تحليلات الذكاء الاصطناعي.

تحديد الأنماط
قد نشعر بالانزعاج جرّاء التطفّل على خصوصيتنا، من خلال التتبّع الجغرافي لتحرّكاتنا واتصالاتنا من قبل الجهات الرسمية، لكن الاستفادة من بيانات الآثار الرقمية (Traces) قد يمنح السلطات الصحية رؤى مهمة حول سلوك وطرق انتشار فيروس كورونا

يُعدّ التعلّم الآلي إحدى قدرات الذكاء الاصطناعي، وهذه القدرة تمكّن من تحديد الأنماط المعقّدة في مجموعات كبيرة من البيانات، سواء كانت نصوصًا أو صورًا. وفي حالة استخدامه بشكلٍ صحيح، يمكن أن يتجاوز الذكاء الاصطناعي البشر، ليس فقط في السرعة ولكن أيضًا في الدقة عند تحديد الأنماط في البيانات التي قد يتجاهلها البشر. ونظرًا لأنّ الذكاء الاصطناعي يتطلّب كمياتٍ كبيرة من البيانات، فالتحدّي مع فيروس كورونا يكمن في توفير بياناتٍ موثوقةٍ وذات جودة. وهذه تُشكّل مشكلة في الوضع الراهن، فبدون أمثلةٍ سابقة للتقييم، يكون من الصعب للغاية، معرفة أفضل مسارٍ للعمل. لكن لحسن الحظ، أصبحت البيانات الطبية متاحة حاليًا حيث بدأت بعض البلدان في استيعاب المشكلة والعمل على مواجهة الفيروس المستجد.

وتتوفّر العديد من مجموعات البيانات الكبيرة التي يمكن للذكاء الاصطناعي استخدامها لتحديد الأنماط، وبعض هذه المجموعات متاحٌ بشكلٍ مجاني. نذكر منها:
– مجموعة بيانات كوفيد 19 للأبحاث المفتوحة (CORD-19) وهي تحتوي على أكثر من 45000 ورقةٍ بحثية علمية، بينها أكثر من 30000 نص حول فيروس كورونا والفيروسات التاجية. وباستخدام معالجة اللغة الطبيعية، يمكن أن يولّد الذكاء الاصطناعي رؤى جديدة قيّمة من البحوث المنشورة.
– قاعدة بيانات كوفيد 19 للأبحاث المقدّمة من منظمة الصحة العالمية، وتتضمّن أحدث النتائج العلمية الموثوقة المرتبطة بالفيروس.
– موارد مايكروسوفت الأكاديمية (Microsoft Academic) وتطبيقاتها حول فيروس كورونا.
– قاعدة بيانات المركز الوطني الأميركي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية (NCBI) وهي تضمّ أكثر من 27000 مقالة علمية عن فيروسات كورونا والسارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS).

التعرّف على الأنماط

تمّ توفير أداة أخرى مفتوحة الوصول تعتمد على الذكاء الاصطناعي هي "Covid-Net"، أنشأها عالمان من جامعة "Waterloo" بالتعاون مع شركة "Darwin AI" في كندا، وتَستخدم هذه الأداة تقنية الشبكات العصبية (Neural Networks)، ويسعى مطوروها لحثّ العلماء على التعاون في تطوير نظام ذكاء اصطناعي يمكن من خلاله تحديد علامات فيروس كورونا بدقةٍ في صور أشعة الصدر.

وتمّ تدريب "Covid-Net" على قرابة 6 آلاف صورة أشعة لأكثر من 2800 مريض يعانون من أمراض رئوية مختلفة بينها مرض "كوفيد 19". وحتى كتابة هذه المقالة لم تدخل الأداة حيّز العمل، ولكن بمساعدة العلماء قد تساعد في وقتٍ قريب على مكافحة الفيروس المستجد. وما يجعل "Covid-Net" مميّزة هو أنّ شركة "Darwin AI" تعمل حالياً على تمكين الأداة من شرح منطقها، وهذا سيسهّل على العاملين في مجال الرعاية الصحية من استخدامها.

تتبّع الناس

قد نشعر بالانزعاج جرّاء التطفّل على خصوصيتنا، من خلال التتبّع الجغرافي لتحرّكاتنا واتصالاتنا من قبل الجهات الرسمية، خاصةً إذا أسيء استخدام البيانات المنبثقة عنها. لكن الاستفادة من بيانات الآثار الرقمية (Traces) قد يمنح السلطات الصحية رؤى مهمة حول سلوك وطرق انتشار فيروس كورونا.

وهناك طريقةٌ بسيطة يمكن للناس المساعدة في محاربة الفيروس، عبر التبرّع بالبيانات لدراستها من قبَل علماء الأوبئة، فكثيرٌ من الناس يرتدي أجهزة قابلة للارتداء مثل الساعات الذكية وأجهزة تتبّع اللياقة البدنية. ويمكن من خلال البيانات الصادرة عن هذه الأجهزة أن تساعد في تحديد مكان المصابين وكذلك معرفة الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم والمساعدة في اتخاذ الاجراءات الوقائية. وقد طلبت عدة دول مثل الصين وتايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية من موظفيها تنزيل تطبيق يقوم بتقييمهم بناءً على مخاطر العدوى الخاصة بهم ومن ثم مشاركة المعلومات مع السلطات المعنية. وتستعين شركات تحليل الرعاية الصحية في الولايات المتحدة مثل "Jvion" بالذكاء الاصطناعي لدراسة حوالي 30 مليون مريض في قاعدة بياناتها لتحديد الأشخاص والمجتمعات الأكثر عرضةً للإصابة بفيروس كورونا، وقد ساعد ذلك الشركة على إنشاء قوائم بالأشخاص الذين يمكن منحهم الأولوية في المستشفى أو عزلهم بشكلٍ استباقي.

وعندما يستخدم مقدّمو الرعاية الصحية والسلطات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط من هذه الكميات الضخمة للبيانات، فهذا يساعدهم في صناعة القرار والتخطيط الجيد. ويمكن أن يكون لتقنية التتبّع قيمة خاصة في اكتشاف "مجموعاتٍ محددة" من الناس، ذلك لأنّ السكان لا يختلطون بشكلٍ كامل، ويميلون إلى الانقسام لمجموعات نادرًا ما تتفاعل مع مجموعات أخرى.

الذكاء الاصطناعي واللقاحات

الذكاء الاصطناعي لا يلعب فقط دورًا رئيسيًّا في المساعدة على تتبّع تفشي فيروس كورونا، ولكن أيضًا في إمكانية تطوير لقاح، فمن خلال التحليل العميق للرعاية التي يتلقاها كل مريض تساعد هذه التقنية في تحديد أفضل استراتيجيات العلاج. ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع بإمكانك الإطّلاع على المقالة السابقة. ولا شكّ أنّ توافر البيانات الموثوقة مهم للإدارة الفعّالة لمواجهة وباء مثل كورونا. وإذا ما تمّ الجمع بين البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي، فهذا سيخلق أداةً قوية يمكن لها المساعدة في الحد من انتشار المرض، وكذلك التخفيف من عواقبه.

ويبقى الذكاء الاصطناعي أداةً قيّمة لفهم المجموعاتٍ الضخمة من البيانات، خاصةً عندما يقترن بمعرفة الخبراء البشر، وهذا يمكن أن ينقذ أرواح الكثيرين.وفي أزمة فيروس كورونا الحالية، ستلعب تكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي والخوارزميات بالإضافة إلى المعرفة البشرية والإبداع والابتكار، دورًا حاسمًا في المواجهة والتغلّب على هذا الفيروس ولو بعد حين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.