شعار قسم مدونات

كارلوس الثعلب.. ثائر أم إرهابي؟

blogs كارلوس الثعلب

تضاربت الآراء والاقاويل حوله، البعض يعتبره ثائر آمن بقضية أيدولوجية، والبعض الآخر اتهمه بأنه إرهابي مرتزق، احترف القتل من أجل المال والشهرة. لنتعرف على قصته وأترك للقارئ الحكم في النهاية. اسمه إيليتش راميريز سانشيز، اسمه الحركي كارلوس ولقبته أجهزة المخابرات بكارلوس الثعلب. ولد في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، في تشرين أول من عام 1949، لعائلة ثرية. والده كان محامياً اعتنق الفكر الماركسي، أما والدته فقد كانت كاثوليكية متدينة. وقد أثر هذا التضارب عليه في صغره، فقد بدأ حياته بالدراسة في مدرسة كاثوليكية، إلا أنه ما لبث أن غادرها ليدرس في مدرسة تُعلِّم أسس الماركسية والشيوعية التي وجد فيها نفسه، ولاءمت أفكاره، فاعتنقها مثل والده من قبله.

في عام 1966، انتقل للإقامة في لندن مع والدته بعد انفصالها عن والده، ثم سافر بعد ذلك ليتابع دراسته الجامعية في موسكو، وتخصص في مجال الفيزياء والكيمياء. لكن ما لبثت الجامعة أن قامت بفصله، بعد مرور سنتين، بسبب عدم جديته في الدراسة. لكن أثناء اقامته في موسكو، تعرف على عدد كبير من الطلاب الفلسطينيين، الذين ساهموا في تشكيل أفكاره الثورية من خلال تسليطهم الضوء على القضية الفلسطينية، فألهب حماسه للمشاركة فيها، وآمن بالقضية الفلسطينية. فانضم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعد لقاءه بمحمد بودية الثائر الجزائري وعضو الجبهة، والذي نشأت بينه وبين إليتيش صداقة قوية وحميمة استمرت حتى اغتيال بودية. ومن خلاله تعرف إلى جورج حبش قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي التقاه في موسكو أيضاً، وعرض عليه القدوم إلى الأردن، والانضمام إلى المعسكرات التدريبية التي تشرف عليها الجبهة هناك.

في عام 1982 تم القبض على رجل وامرأة من مجموعته، كانوا يحملون السلاح ويتوجهون لتنفيذ عملية تفجير في العاصمة الفرنسية باريس. كانت المرأة هي ماجدلينا كوب حبيبة كارلوس، وزوجته في ما بعد وأم ابنته الوحيدة

بالفعل وصل إيليتش إلى الأردن وتلقى التدريب على يد كل من جورج حبش ووديع حداد، وقد كان تلميذاً نبيهاً فقد ساعدته خلفيته التدريبية على حرب العصابات التي تلقاها في وقت سابق في فنزويلا وكوبا. وفي عام 1970 اندلعت مواجهات بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني، بعد أن طلب منهم الملك الحسين تسليم سلاحهم. وهنا كانت فرصة إليتيش لإظهار مواهبه حيث سطع نجمه كمقاتل عنيد وجريء لأول مرة، خلال مشاركته للمواجهات، التي سميت لاحقاً بأيلول الأسود، فقد برز ذكاءه وقدرته على التخطيط، بالاضافة إلى قدرته العظيمة على التخفي وتغيير شكله، وفي تلك الفترة حمل اسم كارلوس.

بعد انتهاء المواجهات قامت الجبهة بإرساله إلى أوروبا، بهدف البحث عن أهداف محتملة. فجند كل قدراته من أجل تحقيق أهدافه، في محاربة الصهيونية والامبريالية الأمريكية وحتى الدول العربية المطبعة مع اسرائيل، إلا انه بقي لفترة في هذه الخانة، ولم يشارك فعلياً في عمليات الجبهة الشعبية، مما أثار حنقه وغضبه. وفي عام 1973 أعطي الضوء الأخضر للقيام بأول عملية فعلية له، وهي اغتيال جوزيف سييف، رجل الأعمال اليهودي الذي يملك سلسلة محلات مارك اند سبنسر الشهيرة، والرئيس الفخري للاتحاد الصهيوني البريطاني، ويعتبر من أكثر رجال الأعمال الداعمين للكيان الصهيوني، بملايين الجنيهات سنوياً.

ففي أحد أيام ديسمبر من عام 1973، توجه إلى إحدى ضواحي لندن حيث يقيم سييف. فتح له الخادم الباب وتحت تهديد السلاح، أمره بالتوجه نحو الغرفة التي يتواجد بها سيده، وعند وصوله عاجله برصاصة في وجهه، ولكن سلاحه خذله، فقد تعطل عند محاولة اطلاقه النار للمرة الثانية، فما لبث أن هرب قبل أن يتم القبض عليه، ونجا جوزيف سييف بأعجوبة. وكانت هذه العملية التي اطلقت أسطورة كارلوس الثعلب عالمياً. ولكن أجرأ عملياته على الإطلاق، كانت عملية اختطافه لوزراء منظمة أوبك. ففي ديسمبر من عام 1975، اقتحم بصحبة خمسة من المقاتلين مدججين بالسلاح، اجتماع لوزراء منظمة أوبك، المنعقد في فيينا، فقاموا بقتل الحراس الشخصيين. ثم قرأ عليهم بيان درع الثورة، الذي مجَّد فيه القضية الفلسطينية، وقد طلب من التلفزيون الرسمي النمساوي تلاوة هذا البيان كل ساعتين على مدى 24 ساعة.

ثم اصطحبوا الوزراء مع عدد من الموجودين، تحت تهديد السلاح، إلى المطار، حيث طلبوا تزويدهم بطائرة مقابل اطلاق بعض الرهائن، وفعلاً تم تنفيذ طلبهم. ومن فيينا توجه كارلوس بصحبة رفاقه والرهائن نحو الجزائر. وبعد مفاوضات مضنية تم الاتفاق على إطلاق الرهائن مقابل 50 مليون دولار. ودخل كارلوس بعد هذه العملية التاريخ فعلياً. إلا أنَّ الجبهة الشعبية لم تكن راضية عن نتيجة العملية، فقد كانت الخطة تقضي بقتل كل من وزيري النفط السعودي والإيراني، وبسبب ذلك تم طرده من الجبهة. بدأ كارلوس بتأسيس مجموعته الخاصة عام 1978، وعمل لحساب بعض الحكومات التي ترغب بتصفية معارضيها، في مختلف دول العالم. بعض عملياته نجحت لكن أغلبها فشل، لكن لسخرية القدر أن عملياته الناجحة كانت بدافع الحب! وليس بدافع أيديولوجي أو مادي.

ففي عام 1982 تم القبض على رجل وامرأة من مجموعته، كانوا يحملون السلاح ويتوجهون لتنفيذ عملية تفجير في العاصمة الفرنسية باريس. كانت المرأة هي ماجدلينا كوب حبيبة كارلوس، وزوجته في ما بعد وأم ابنته الوحيدة. على خلفية هذا الاعتقال بدأ كارلوس بتنفيذ عمليات انتقامية، من أجل الضغط على السلطات الفرنسية للإفراج عن ماجدلينا ورفيقها. فقام بتفجير العديد من المنشآت الفرنسية، والقطارات، والمجلات، والسفارات الفرنسية في لاهاي وبيروت، وقام أيضاً بتنفيذ هجوم على طائرة لشركة العال الاسرائيلية في فرنسا وغيرها من العمليات. إلا أن ماجدلينا ورفيقها بقيا في السجن حتى نهاية مدة حكمهم، ولم تجدِ هذه العمليات نفعاً، إلا في أن يصبح كارلوس المطلوب الأول عالمياً في ذلك الحين.

قامت أجهزة الاستخبارات الفرنسية والإسرائيلية والأمريكية بملاحقته، ومحاولة القبض عليه أو اغتياله، ولكنه نجح في الهرب منها في كل مرة. بعد الإفراج عن ماجدلينا أقامت مع كارلوس في دمشق، وتزوجا وبدآ بتأسيس عائلة. وأجبر كارلوس على التقاعد في هذه الفترة، حيث أن العديد من الدول والحكومات التي دعمته في السابق، مادياً ومعنوياً، بدأت تتخلى عنه وتتجاهله واحدة تلو أخرى، بسبب الضغوطات التي تعرضت لها من الحكومات التي تتطلع للقبض على كارلوس. استمر زواج كارلوس من ماجدلينا، إلى أن التقى بسيدة أردنية تدعى لانا، فتزوجها وانتقلا للاقامة في السودان، الدولة الوحيدة التي رحبت به في تلك الفترة. كانت السودان حينها ملجأ للمنفيين من الدول الأخرى. ولكن هذا الانتقال كان بداية النهاية لأسطورة كارلوس.

ففي عام 1994 خضعت السودان أخيراً لضغوطات الحكومة الفرنسية، من أجل تسليمها كارلوس، مقابل 50 مليون دولار. فقامت الاستخبارات الفرنسية، وبمساعدة الاستخبارات الجزائرية، باختطافه من داخل منزله ونقله إلى باريس لتبدأ محاكمته. وحكم عليه عام 1997 بالسجن المؤبد، بتهمة قتل ضابطي شرطة فرنسيين أثناء محاولة لاعتقاله في عام 1975. وتمت محاكمته مجدداً في عام 2011، ثم عام 2014، في التفجيرات التي قام بها بالثمانينات، وحكم بالمؤبد للمرة الثانية والثالثة دون إمكانية إطلاق السراح المشروط. وفي عام 2001 أعلن إسلامه في السجن، ومن ثم تزوج محاميته الفرنسية إيزابيل كوتانت بيفر. والتي ما تزال حتى اليوم تدافع عنه باستماتة، وتلقي باللوم على الحكومة الفرنسية والقضاء غير العادل على حد تعبيرها، كما انها تتهم السلطات بمعاملته بأساليب غير انسانية فقد تم احتجازه بسجن منفرد لسنوات طويلة.

أصدر كارلوس من داخل السجن كتاب أسماه الإسلام الثوري، دافع فيه عن أسامة بن لادن، كما برر وجهة نظره باستخدام العنف في ظروف معينة. يقبع إيليتش أو كارلوس إلى الآن في سجنه، وقد تجاوز السبعين. ولكنه ما زال محل جدلٍ كبير، هناك من يتهمه بأنه إرهابي مهووس بالشهرة، بينما يعتبره البعض رومانسي ثائر، أما هو فيصف نفسه بأنه ثوري محترف في خدمة حرب تحرير فلسطين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.