شعار قسم مدونات

نظرية المؤامرة.. هي مؤامرة بذاتها

blogs كورونا

لن ننتهي من تبادل مقالات وفيديوهات تؤسس لنظرية المؤامرة. إلا أن هناك ملحوظتان تستحقان الانتباه: أولهما يحتاج الإجابة على سؤال يلح علي بإستمرار وهو "بالنظر إلى جودة الإنتاج العالي لهذه الفيديوهات، من ينفق على إنتاجها؟". الموضوع ليست لقطات عابرة من هنا وهناك، ولكننا نشاهد إنتاج محترف فيه خلفية موسيقية وجودة في الصوت واللقطات التي من المؤكد أنها ليست من يوتيوب. ظني يذهب إلى أنها لقطات لشركات تصوير متخصصة تبيع إنتاجها لأغراض التسويق والأعمال المهنية وما شابهما. الملحوظة الثانية تصب في توقيت خروج هذه الفيديوهات كالماء المنهمر في نفس التوقيت. هذا يعطيك إتطباع أن هناك سيمفونية إعلامية تعمل بتنسيق رائع لإدارة تفكير الناس بإتجاه معين.

والذي أميل له أن هناك وبلا شك متآمرين وأنهم لا ينقطعوا عن التدبير الشرير لإحكام قبضتهم على الأمور من خلال اقتصاد أو سياسة أو تدخل عسكري مباشر. غير أن كل هذه التدابير يلزمها حكومات ضعيفة وقبلها شعوب أضعف. فأما الحكومات فما أيسر أن تخترق المنظومة الحكومية بالرشوة والجنس أو الاغتيال الجسدي أو المعنوي. ولكن إخضاع الشعوب يلزمه خطة طويلة الأمد لتجهيل الناس وإبعادهم عن الطريقة المنطقية في التفكير.

الإيمان وسيلة العاملين وسفينة نجاتهم، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فهلم إلى التكاتف لقهر هذا الوباء وهلم إلى التكافل لإغاتة الناس

حتى في أمريكا، الناس يتداولون نظرية المؤامرة في تفسير انتشار فيروس الكورونا وإرجاعه إلى تسرب الفيروس من معامل تعمل في الأسلحة البيولوجية. وبغض النظر عن النفي المستمر لهذه النظرية على جميع المستويات ومن كافة الحكومات كما هو متوقع سواءً كانوا صادقين أو كاذبين، إلا أن نظرية المؤامرة لا تستطيع أن تفسر سرعة انتشار المرض في كل جوانب العالم. ومهما حاول أصحاب النظرية في نشرها إلا أنهم يقفون عاجزين أمام إعطاء منطق بالدليل الإحصائي لصدق ادعائهم.

تداول مثل نظرية المؤامرة بين الناس أصحاب الديانات بالتحديد مقصود، وخاصة بين المسلمين لأنهم أقرب الطوائف لإعمال العقل في شؤونهم أكثر من غيرهم. المسلمين مستهدفين بنظرية المؤامرة في كثير من الحوادث منذ القرن الماضي. ولأن التعليم الحالي بالعالم الإسلامي قد نحى الدين جانباً وخاصة في تفسير مجريات أمور الدولة، فقد أصبح سهلاً أن يميل الناس وفيهم حملة الدكتوراة لتصديق المؤامرة التي لا يمكن هزيمتها أو التصدي لها.. وهذا جل ما يبغيه المتآمرون من اصباغ حالة من الإحباط في نفوس الناس ومن ثم تفريغ عقولهم من فقه المقاومة التي يدعو لها الدين.

وعلماء الدين ورجاله انقسموا بين الدروشة وبين الاعتدال، فهناك قساوسة دعوا إلى الاحتفال بعيد الفصح ضاربين بعرض الحائط بكل تحذيرات الحكومة، أنا أحدتك على عقلية عربية وكذلك أمريكية. وكذلك عقدت الطرق الصوفية إجتماعاً كبيراً بأندونيسيا في ظل هذه الظروف، ليرجع كل مسافر ومعه الفيروس لينشره بين ذويه. التداعيات لمثل هذه التصروفات تؤدي إلى مد فترة النقاهة من الوباء لا محالة. لا شك أن المعتدلين قد انصاعوا راغمين في كثير من الأحيان لتجنب المخلفات القانونية، لا بأس والأعمال بالنيات.

فإذا كان المتآمرون استطاعوا أن ينشروا هذا الوباء بالعالم كله، فمن يستطيع أن يتصدى لهم؟ لو تسألني رأي في إنتشار الوباء على كوكب الأرض وبهذه السرعة، فلم أجد إلا الله المسبب لكل هذا. وكأننا نسينا بديهياً أن الأمر كله لله وأنه وقد غابت كل الأسباب البشرية، فقد تعين علينا أن نتفكر في مراد الله من الوباء وصرف النظر عن مصدر تفشيه. إن مثل هذا التفكر سيجعلنا نتعامل مع الوباء بجدية على المستوى العقدي والمستوى العملي وهما لا يفترقان بحال بل يشد بعضهما البعض. فالإيمان وسيلة العاملين وسفينة نجاتهم، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فهلم إلى التكاتف لقهر هذا الوباء وهلم إلى التكافل لإغاتة الناس، دعونا من المتآمرين فسيصيبهم ما يصيب الناس وتعاونوا بما يحقق النجاة. اللهم أرفع مقتك وغضبك عنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.