شعار قسم مدونات

فايروس الحصار أشد فتكاً بغزة من فايروس كورونا

blogs كورونا

غزة التي تمنى عدوها إسحاق رابين أن يستيقظ من النوم فيجد غزة قد ابتلعها البحر، لكنها لم تغرق ولم يتحقق حلمه ولن يتحقق فغزة لا زالت باقية وهو من ذهب بلا عودة. غزة التي حوصرت وحوربت من العدو والصديق منذ أكثر من أربعة عشر عاماً كي ترفع الراية البيضاء لكن لا زالت رايتها خفاقة ترفرف وتتمدد. غزة التي ابتليت بفايروس كبير وقديم وهو فايروس الحصار الذي تسبب في قتل أبنائها المرضى ببطئ وأمام أعين جيرانها بل إن إخوتها الذين يساندون هذا الحصار ويساهموا في تشديده.
 
غزة التي حرم أهلها من أبسط حقوقهم من علاج ودواء وغذاء سنوات طوال ولا زالوا، حتى في أصعب الأوقات، غزة أيها العالم تعاني من فايروس منذ أربعة عشر عاماً المسمى حصار. غزة التي حرم موظفوها من حقوقهم برواتب كاملة منذ سنوات ليس لهم ذنب إلا أنهم من غزة الجريحة التي قصفت بأطنان المتفجرات التي لو ألقيت على مدن كبرى لانهارت، فكم عدوان تعرضت له تلك البقعة الصغيرة منذ العام 2007 حيث ابتليت بفايروس الحصار القاتل حتى اليوم، آلاف الشهداء، مئات ألاف الجرحى، ألاف البيوت والمنشآت الاقتصادية والتجارية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية قد دمرت كي ينالوا من عزيمة غزة وأهلها لكنهم لم يتمكنوا من ذلك فعزيمة وقوة غزة وأهلها أكبر منهم جميعاً.

غزة تتمنى للعالم حياة جميلة مطمئنة وأن ينتهي هذا الكابوس المسمى فايروس كورونا ولكن لا بد أن ينتهي قبله ذلك الفايروس القاتل لغزة وهو الحصار كي نعيش كما يعيش غيرنا في العالم بأمن وسلام وطمأنينة

غزة الحياة التي لا نستطيع العيش بدونها، هواؤها الذي لوثوه، وماؤها الذي لم يعد يصلح للشرب إلا قليلاً، بحرها المتنفس الوحيد الذي يهرب إليه أهلها من صخب الحياة وضيق الحال ونقص الأساسيات امتلأ بالمياه العادمة ففايروس الحصار فتك بإمكانات تنقيته، ومنع من وصل الكهرباء لكل المعدات التي تعمل على ضخ تلك المياه بطريقة صحية. يا له من فايروس خطير وقاتل كان العالم أجمع ولا زال واقف موقف المتفرج على غزة وأهلها وهم يموتون ببطئ ولم يحركوا ساكناً بل كان البعض من أبناء جلدتنا يحرض سراً وعلانية لزيادة قوته وليضاعف أكثر فأكثر. غزة الجريحة رغم ألامها الكثيرة والكبيرة التي تعرضت لها بهدف انتهاء هذه البقعة التي تقف في وجه الطغاة مدافعة عما تبقى من كرامة للأمة، ولكي ينتهي حلم الوطن وتنهي القضية الوطنية الفلسطينية ويصبح عدو الأمة يرتع في بلادنا بل وفي كل البلاد العربية والإسلامية دون خوف أو وجل وقفت ولم ترضخ لابتزاز ولم ترضى بأن يبقى شعبنا الفلسطيني يتألم دون أن يتألم غيرنا وعدونا فأبدعت في مجالات عديدة رغم شح الإمكانيات وانعدام الدعم المالي والمادي وحتى المعنوي فالجميع أغلق بابه أمامها إلا باب الله سبحانه وتعالى.

جائحة فايروس كورونا التي نشرت الرعب والموت في العالم والتي حصدت آلاف الأرواح ومئات ألاف المصابين أظهرت حجم الضعف في الاستعداد لدول طالما اعتبرناها عظمى، فقد أصبح واضحاً أن الدول غير مهيأة لوجستياً ولا نفسياً لأي أزمة كبرى، وأظهرت كذب ادعائهم التحضر والتمدن واحترام حياة الإنسان، فقد ترك المئات من الناس يموتون دون أن تقدم لهم مساعدة. غزة لم تقبل بأن تكون مثلهم فهي تعيش بمنهج علمي تمثلت في إجراءاتها بمنهج النبي صل الله عليه وسلم وصحابته الكرام في مواجهة الأوبئة كما في انتشار وباء الطاعون، فرغم انعدام الإمكانيات وضعف الحال إلا أنها أثبتت أنها مستعدة لأي من الأزمات كيف لا وهي منذ أربعة عشر عاماً تعاني من فايروس خطير وهو الحصار الذي كان ينتج عنه أزمة تلو أخرى، فعلى الصعيد الرسمي الحكومي كان الاستعداد عالٍ جداً في إدارة الأزمة وجهزت نفسها وهيأت مواطنيها ومؤسساتها لمواجهة هذا الفايروس وقد كان موظفو الحكومة سواء العسكريين أو الصحة يتعاملوا مع الأزمة بمنهجية وبكفاءة عالية، كذلك المؤسسات الغير رسمية والمواطنين تعاملوا بجدية مع هذا الوباء ليحافظوا على أنفسهم وبلدهم.

غزة أيضاً أظهرت للعالم أنها تستطيع أن تصنع وسائل الحياة للعالم الظالم الذي حاصرها وأراد موتها ببطئ كيف لا ونحن في غزة نحب الحياة كما نحب لقاء ربنا. نعم غزة تصنع الكمامات والبزات الواقية من الفايروسات، مصانع كبيرة تقوم بصنع تلك الوسائل وتصدرها بالألاف كي لا يعيش العالم ما عشناه من فايروس الحصار القاتل في غزة. غزة تتمنى للعالم حياة جميلة مطمئنة وأن ينتهي هذا الكابوس المسمى فايروس كورونا ولكن لا بد أن ينتهي قبله ذلك الفايروس القاتل لغزة وهو الحصار كي نعيش كما يعيش غيرنا في العالم بأمن وسلام وطمأنينة دون أن نخاف على مستقبل وحياة أبنائنا بكلمة بسيطة على بوابة معبر ممنوع من السفر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.