شعار قسم مدونات

ساعتان قبل فرض حظر التجوال في إسطنبول

blogs تركيا

بينما كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء من يوم الجمعة الماضي، والذي فقدنا طعمه ولذته الدينية بإيقاف صلاة الجمعة والاجتماعية بإيقاف الزيارة العائلية، وبينما كنت جالسا أحاول حل بعض الألغاز على جوالي حتى أرى خبرا مفاده بأن وزارة الداخلية التركية قد فرضت حظرا للتجوال لمدة يومين في كثير من الولايات والمدن التركية يبدأ من منتصف تلك الليلة، وعلى رأسها مدينة إسطنبول، الخاطر الأول على البال هو ما بعد هذين اليومين، وهل سيستمر الأمر في ظل انتشار هذه الجائحة التي غزت العالم ومن ضمنها تركيا، وبدأنا بالتكهن والأخذ والرد ولكن المقام ليس مقام تفكير، حيث أن الساعتين المتبقيتين على بدء سريان الحظر قد بدأتا بالعد العكسي والتناقص.

 

ومثلي كثير، فما أن نزلت للشارع حتى رأيت تلك الحالة الغيرعادية للناس والسيارات وكأن شيئا ما قد حدث، فبالرغم من أن القرار صدر بعد أن أغلقت المراكز التجارية الأكثر انتشارا وتلبية لحاجات الناس (شوك – بيم…) وقد يكون الأمر مقصودا، ولكن مازال هناك بعض المحال التجارية الصغيرة التي قد تفي بالغرض، لأجد نفسي أمام طابور طويل نسبيا من الأشخاص المنتظرين دورهم للوصول للكاشير ومعهم حاجياتهم الأساسية من حليب وماء وغيرها وأنا منهم.

 

ولم ينحصر أثر تلك الساعتين مع بداية سريان الحظر ودخوله حيز التنفيذ، بل امتد حتى قبيل انتهاء الحظر بساعتين، حيث قدم وزير الداخلية التركي استقالته على إثرها، معبرا بذلك عن خطئه بالتوقيت

يبدو أن الكوارث والطوارئ تفرض على الإنسان بعض التصرفات والتي تصنف بأنها خارج إطار النظام أو الانضباط حيث أن الغرض من حظر التجوال هو المساهمة في حد انتشار فيروس كورونا من خلال قلت الاحتكاك والتواصل المادي بين الأشخاص، ولكن ما حصل في أحياء ومناطق كثيرة في إسطنبول وعموم المدن التركية التي ستخضع للحظر أن الأمر جاء معاكسا، فالازدحام الشديد والتلاصق بين الناس هو سيد الموقف، عداك عن ما وصلنا من بعض الأصدقاء عن رؤيتهم لمشاجرات أمام الأفران، ولعل فيروس كورونا وجد مكانه الصحيح في ظل هذا التجمهر الكبير أمام أفران الخبز والمحلات التجارية الصغيرة، وأن شهرا كامل من الحجر المنزلي كانت ساعتين فقط كفيلة بالقضاء عليه.

 

في ظل دقائق تنقضي أصبحنا نفكر أكثر بالمادة الأساسية وهي الخبز والتي لم نستطع الحصول عليها ولربما أصبح الخيار الوحيد أمامنا هو أن نصنع الخبز في المنزل، ونتعلم حرفا جيدة ومهارات لم نفكر بها يوما بأن نقدم عليها طالما أن الامر متاح ومتوفر، ولكن مع الأزمات فالحال تغير، بل أصبح المنتوج المنزلي مفضل على المنتوج المشترى من الخارج من باب الخوف والحرص بأن كلا ما هو من إنتاج الآخرين قد يكون مهددا باحتوائه كورونا.

 

ستغلق الأبواب وتقفل وتوضع الأحذية على الرفوف ولكن ستبقى النوافذ مفتوحة ويبقى معها القراءة والكتابة والرياضة والشمس المشرقة التي ترسل لنا رسائل الأمل والتجدد، ووجدت نفسي في نِعم كثيرة غير محدودة من فضل الله علينا في حين أن في الجهة المقابلة في إدلب وغيرها لنا أهل تهجروا من بيوتهم ومدنهم وقراهم، لم يجدو ما يسد رمقهم في ظل قصف همجي أسدي مستمر لسنوات، فإن كان الهاجس هو خوف من الضجر والملل من الجلوس في البيت، فإخواننا هاجسهم البحث عن ذلك البيت، ولعل تلك الرقعة الجغرافية اليوم هي أفضل مكان آمن من هذا الفيروس والذي لم يسجل له أي دخول لتلك المناطق بعد.

 

ولم ينحصر أثر تلك الساعتين مع بداية سريان الحظر ودخوله حيز التنفيذ، بل امتد حتى قبيل انتهاء الحظر بساعتين، حيث قدم وزير الداخلية التركي استقالته على إثرها، معبرا بذلك عن خطئه بالتوقيت، والتي قوبلت برفض رسمي وشعبي كبير وتضامن لافت معه، سواء من الشعب التركي أو من المقيمن على أرض تركيا، يمكن القول، إن كانت الحكومات في تركيا وغيرها قد فرضت حظرا للتجول بغية تحقيق منفعة وهي الحد من انتشار هذا الفيروس فإن التكلفة المترتبة على ذلك ليست بالقليلة أيضا، سواء على الفرد أو العائلة أو المجمع أو الاقتصاد أو الدولة، في أولها ساعتين ساد خلالها انقلاب بنظام الحياة عما كان قبله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.