شعار قسم مدونات

رواية التائهون.. شباب خاب ظنهم ببلدهم

blogs رواية التائهون

"في التائهون استلهم فترة شبابي بتصرف شديد. فقد عشت تلك الفترة مع أصدقاء كانوا يؤمنون بعالم أفضل. ومع ان لا شبه بين أبطال الرواية وبين أشخاص حقيقيين، فهم ليسوا من نسج الخيال تماماً. فلقد نهلت من معين أحلامي واستيهاماتي وحسراتي بقدر ما نهلت من معين ذكرياتي".

يستطيع هذا المقتطف الذي جاء على غلاف المؤلًّف أن يعبر تمام التعبير عن رواية التائهون للروائي اللبناني الشهير أمين معلوف، التي صدرت باللغة الفرنسية عام 2012، لتتم ترجمتها بعدئذ للغة العربية من قبل نهلة بيضون، وتصدر عن دار الفارابي، فالرواية أشبه ما تكون بسيرة شخصية للكاتب، استلهم أحداثها مما جرى في لبنان بعد الحرب الأهلية التي اندلعت عام 75 من القرن المنصرم، طبعاً، لا بد من الحبكة الدرامية ومستلزماتها، حتى يبقى القارئ منشداً للرواية.

رواية الأيام الست عشرة يحاول من خلالها معلوف أن يخرج من قالب رواياته التاريخية كليون الافريقي، وصخرة طانيوس وسمرقند، وفي ثنايا الرواية وحواراتها يحاول أن يجاوب على الأسئلة الوجودية وأسئلة الهوية

هكذا إذاً.. عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، وأحرقت معها أحلام الكثير من الشباب اللبناني، ومنهم شلة البيزنطيين، الأصدقاء الذين كان يحلمون ببناء وطن عصري حديث، وحولهم تدور أحداث الرواية. الرواية قسمت فصولها حسب أيامها، فهي توثق ستة عشر يوماً في لبنان من حياة الكاتب، الذي اسمه آدم الذي هاجر من لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي إلى فرنسا، حيث تتصل به صديقته وزوجة صديقه الذي انقطعت العلاقة بينهما، بعد أن أصبح صديقه مراد رجل سياسة ثرياً من مال الفساد، لتخبره أن مراد يحتضر على فراش الموت، ويريد أن يراه قبل أن يسلم الروح إلى بارئها، على الفور يلبي آدم رغبة صديقه ويحجز في أول طائرة إلى لبنان، إلا أن الموت يعاجل صديقه مراد في ذات الليلة التي وصل فيها آدم إلى لبنان، وهنا تتولد لدى زوجة مراد فكرة، جمع الأصدقاء القديمين في جلسة، وهو ما يحاول آدم فعله طوال أيامة الست عشرة.

صحيح أن الأصدقاء تاهوا في الأرض، ولكنهم حافظوا على أكفهم نظيفة، في حين من بقي في البلد، لم يستطع أن لا يلوث يديه بطرق التعامل القذرة السائدة في بلادنا، وهنا تدافع زوجة مراد عنه "أولئك الذين بقوا لطخوا أيديهم كي يحافظوا من أجلكم على وطن، كي يتسنى لكم أن تعودوا إليه يوماً، أو على الأقل أن تزوروه بين الحيم والآخر".

أصدقاء تشردوا في أصقاع الدنيا بعد أن كان يجمعهم وطن صغير يسمى لبنان، وهم من كل المذاهب والأديان، حتى بينهم اليهودي، كنوع من التطبيع الثقافي! تنجح عملية لم الشمل للأصدقاء يأتي كل المسافرين، ولا يبقى إلا المهندس الذي ترهبن، فيقرر آدم أن يذهب بنفسه لإحضاره من الكنيسة، وفي طريق العودة تنقلب السيارة فيموت السائق والراهب، فيما يصاب آدم بجروج بليغة دون أن يستعيد وعيه، وكأنها إشارة إلى شرقنا الغائب عن الوعي، في خاتمة حزينة، كأغلب خاتمات ملعوف.

رواية الأيام الست عشرة يحاول من خلالها معلوف أن يخرج من قالب رواياته التاريخية كليون الافريقي، وصخرة طانيوس وسمرقند، وفي ثنايا الرواية وحواراتها يحاول أن يجاوب على الأسئلة الوجودية وأسئلة الهوية، وهي لا تخرج عن نهج معلوف المؤرخ القلق على مستقبل الوطن العربي، بل والعالم والمدرك تماماً لخطر صراع الإيديولوجيا والهويات، فيقول في المذكرات التي يكتبها آدم، إنه لطالما شعر أن اسمه وإن كان يشير إلى بداية الخليقة، ولكنه يشير بذات الوقت إلى نهايتها كحال الإمبراطور الروماني قسطنطين، الذي ابتدأت به الامبراطورية، وانتهت بقسطنطين آخر.

“ماذا تفعل حين يخيب صديق أملك؟
لا يعود صديقك..
ماذا تفعل حين يخيب البلد أملك؟
لا يعود بلدك، وبما أنك تصاب بخيبة الأمل سوف تصبح في نهاية المطاف بلا أصدقاء وبلا بلد".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.