شعار قسم مدونات

رواية عالم صوفي.. مدخل مبسط إلى علم الفلسفة

blogs عالم صوفي

لم تستوقفني الحبكة الدرامية المعقدة لرواية عالم صوفي، بقدر ما استوقفني طريقة تقديم الفلسفة من بداية نشوء هذا العلم حوالي سبعمئة قبل الميلاد إلى حتى جان بول سارتر زعيم المدرسة الوجودية الذي توفي في ثمانينات القرن الماضي، بطريقة بسيطة تعطي أي قارئ فكرة عن الفلسفة وأهم حكمائها ورواد مدارسها، الإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى من الحياة والموت، والخير والشر والكون والحياة الأخرى والقدر، هي ما تحاول الرواية الإجابة علية عن طريق الفلاسفة، حيث كانت الإجابات هي رسائل تصل إلى بريد الطفلة صوفي التي ستحتفل بعيد ميلادها الخامس عشر بعد أيام.

  

البداية من اليونان

وبما أن الفلسفة هي حب الحكمة، وهي متداخلة مع كثير من العلوم فقد عرج بنا الكاتب النرويجي جوستاين غاردر على بعض من تاريخ الكثير من الأمم. تنطلق الفلاسفة من القرن السابع قبل الميلاد، وعبر الفلاسفة الطبيعيين الذين حاولوا في بلاد الإغريق البحث في الطبيعة للوصول إلى حقيقة الإنسان، فقالوا إن الوجود يتألف من أربعة عناصر هي الهواء والماء والتراب والنار، ثم بعدهم جاء الفلاسفة السفسطائيون الذين يعتبرون أنفسهم نخبة فكرية وكانوا يتناولون الحياة اليومية العادية، ويتكلمون مع الناس في شؤون حياتهم، ويتقاضون مقابل ذلك أجوراً مادية.

 

سقراط أبو الفلسفة

في حوالي 450 قبل الميلاد أصبحت أثينا عاصمة بلاد الإغريق، ومعها بدأ العصر الحقيقي للفلسفة عبر سقراط الذي عاصر السفسطائيين وانطلق مثلهم من الحياة اليومية للناس، ولكن لم يكن يتقاضى مقابلاً مادياً، وهم لم يعتبر نفسه بالأساس من العلماء، حتى وصفه البعض بأنه " أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وتركها تعيش في المدن وتدخل البيوت، مجبرة الناس على التفكير بالحياة، بالتقاليد، بالخير والشر". حكم على سقراط بإهانة الآلهة فتجرع السم قبل تنفيذ حكم القضاء به ومات، ولولا تلميذه أفلاطون لما وصلنا شيئ من أفكار سقراط، الذي وصلتنا أغلب أفكاره كونه عمل على تدريسها في مدرسة أقيمت خارج أثينا بمكان يحمل اسم بطل اغريقي يدعى أكاديموس، من هنا أصبح كل المعاهد تُدعى أكاديميات. قسم أفلاطون الوجود إلى عالمين عالم الحواس وهو كل ما يمكن أن نراه ونلمسه بحواسنا، وعالم الأفكار، وهي الأشياء التي توجد خلف عالم الحواس، وهو الذ يسمح لنا بالوصول إلى المعرفة الحقيقية عبر استعمال العقل.

 

يذكر المؤلف أن فلسفة الإغريق كانت عاملاً مهماً في النهضة الأوروبية، وأن الأمراء الإيطاليين استدعوا مترجمين عرباً كي ينقلوا لهم الكتب الفلسفية إلى الإيطالية

تلميذ أفلاطون أرسطو رأى أن الواقع يتألف من الشكل والمادة، وهو أضاف إلى العقل الذي استعمله أرسطو الحواس، فالإنسان الذي وصفه بالحيوان الاجتماعي يمتلك جزءً من العقل الإلهي. فلا بد لديه من قوة تسيطر على حركة الأجرام والكواكب والفضاء، وهذه القوة أسماها المحرك الأول أو العلة الأولى.

 

هل كانت العصور الوسطى مظلمة؟

بعد العصر هؤلاء الفلاسفة وانهيار الدولة الرومانية جاءت العصور الوسطى، حسب التقييم الغربي للمراحل التاريخية، وهذه الفترة يصفها المؤلف بالسوداء، التي ساد فيها الجهل، رغم أنه ذكر على عجالة أن السيادة كانت في كثير من مراحلها للعرب، وذكر العديد من الفلاسفة العرب كالكندي وابن رشد وابن باجه وابن خلدون وغيرهم، ولكن كل هذه المعلومات لم تأخذ من كل الرواية سوى صفحة واحدة، ورغم حديثه عن الديانات التوحيدية الثلاث ذات الأصل السامي، وافراد شرح للحديث عن اليهودية والمسيحية، ولكن غاب الكلام عن الإسلام في هذه الرواية.

 

تقصير عربي

قد لا يُلام الكاتب في عدم ذكر التفاصيل، كوننا مقصرين جداً بحق التعريف بحضارتنا، والدعاية المضادة الكبيرة التي تنال من الإسلام، بأدوات مسلمة في كثير من الأحيان، فيكفي تفجير بمدنيين في إحدى المدن الأوروبية وإلباس ذلك لبوس الدين الإسلامي حتى تتشوه صورتنا في المخيال الأوروبي والعالمي، عندما ألف الراحل الكبير أدوار سعيد كتابه الاستشراق عام ثمانية وسبعين من القرن الماضي كان هدفه الأول تصحيح النظرة الأوروبية المغلوطة عن العرب والمسلمين، ولكننا ويا للأسف بعد نحو نصف قرن بتنا نكرس الصورة السلبية عن أنفسنا.

 

يذكر المؤلف أن فلسفة الإغريق كانت عاملاً مهماً في النهضة الأوروبية، وأن الأمراء الإيطاليين استدعوا مترجمين عرباً كي ينقلوا لهم الكتب الفلسفية إلى الإيطالية، كما تمت ترجمة بعض الكتب من اليونانية، فيما بعض الباحثين يقولون إن كل نسخ الفلسفة قد تمت ترجمتها من العربية، كون المخطوطات الإغريقية قد اختفت منذ فترة ليست بالقصيرة.

 

فلاسفة المنهج العقلي

في نهاية العصور الوسطى ظهر فيلسوفان غربيان هما توما الاكويني وأوغسطين، وعملا على التوفيق بين فلسفة أرسطو والانجيل. بعد ذلك في القران السابع عشر جاء الفيلسوفان رينيه ديكارت وباروخ اسبينوزا اللذان عملا على تكريس المنهج العقلي، الذي يقول على الشك في كل المسلمات حتى إقامة الحجج والأدلة على صحتها، ومعروف عن ديكارت مقولة" أنا أشك إذاً أنا موجود".

 

مع كارل ماركس جاءت الفلسفة المادية، التي تفسر كل شيء مادياً من بدء الوجود حتى سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج التي يُفترض أن توزع الثروة على الجميع بالتساوي
فلاسفة التجريب

الفلسفة التجريبية جاءت من بريطانيا بعد ذلك عبر جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم، وهذه المدرسة ترجع إلى أرسطو باستمداد كل المعلومات عن العالم الخارجي عن طريق الحواس، لا شيء يوجد في الوعي قبل أن يكون موجوداً في الحواس، و"العقل يدور في فراغ عندما يبحث عن مصطلحات مثل الله والأبدية والجوهر"، وهذه المدرسة لم تكن مؤمنة ولكنها بالمقابل لم تكن ملحدة، بل هي أقرب لـ " اللأدريين"، الذين يعرفون إن كان الله موجوداً أم لا، فهم لا يرفضون الإيمان، ولكنهم يعتبرونه قضية إيمان، لا علاقة لها بالمعرفة والعقل.

 

عمانويل كانظ

الألماني عمانويل كانط كان وسطاً بين العقليين والتجريبيين، حيث بالغ العقلانيون في دور العقل، وبالغ التجريبيون في الوقوف عند تجاربهم الحسية، فبرأي كانط تلعب إدراكات العقل والحواس دوراً كبيراً في المعارف التي يحصل عليها الإنسان.

 

فلاسفة الثورة الفرنسية

فلاسفة التنوير في فرنسا الذين أدت أفكارهم إلى الثورة الفرنسية هم فولتير وجان جاك روسو ومومنتيسكيو، الذين كانوا يحملون سبع نقاط هي 1- التمرد على السلطة. 2- العقلانية. 3- فكر عصر التنوير. 4- التفاؤل الثقافي. 5- العودة إلى الطبيعة. 6- الديانة الطبيعية. 7- حقوق الإنسان، كان هؤلاء الفلاسفة يعتقدون أنه يكفي أن ننشر العقل والمعرفة لتتقدم البشرية بخطى عريضة وتصبح مسألة إيجاد حلول إنسانية مستنيرة مسألة وقت فقط.

 

ظهور الرومنسية

وكرد فعل على السلطة المطلقة للعقل، ظهرت الرومنسية، وعادت مفردات للظهور كالحنين والخيال والشعور، وكل شخص يستطيع أن يعيد تحديد علاقته بالعام على هواه، وقد جاء الرومانسيون ليبالغوا في تقديس الأنا. هنا ظهر الموسيقيون العباقرة كبيتهوفن وباخ وهاندل.

 

كارل ماركس

مع كارل ماركس جاءت الفلسفة المادية، التي تفسر كل شيء مادياً من بدء الوجود حتى سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج التي يُفترض أن توزع الثروة على الجميع بالتساوي، آخر الفلاسفة الذين تمت الإضاءة عليهم في الرواية هو صاحب نظرية التطور التاريخي للإنسان تشارلز داروين، ومؤسس علم التحليل النفسي سيغموند فرويد، فضلاً عن رائد المدرسة الوجودية جان بول سارتر الذي توفي في بداية ثمانينات القرن الماضي، بطبيعة الحال لا تستطيع مقالة أن تتكلم عن المدارس الفلسفية التي تم الحديث عنها بين ثنايا الرواية، التي تكفي لكل راغب بالاطلاع على الفلسفة أن أن تعطيه فكرة لا بأس بها عن هذا الموضوع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.