شعار قسم مدونات

هل هي نهاية التواجد الأمريكي في أفغانستان؟

blogs أمريكا

كثير من المتتبعين المتفائلين بالاتفاق الموقع بين أمريكا وحركة طالبان اعتبروه أنه فرصة لإحلال السلام في أفغانستان على عكس المنتقدين اللذين وجدوه يطيح بهيبة أمريكا وتدخلاتها العسكرية في العالم وتهديدا لتواجدها في جغرافية مناطق التوتر، في الحقيقة لا يشكل الاتفاق التزاما ملموسا يمكن من تغيير ظروف النزاع والاقتتال في أفغانستان، بل هو ذريعة من صنع أمريكا وحدها تسعى الاتكاء عليه لتجد سببا مشرفا لنزع شوكتها من الحرب الأهلية والقفز خارجا طمعا في تقليل الخسائر رغم أنه سيناريو تجنبه مرارا في الماضي مسؤولو البيت الأبيض على مدار عقدين.

    

ومع ذلك، فإنه لا يؤثر بشكل كبير على احتمال أن تكون الخطوة ناجحة. بالنظر إلى ما يعرفه الجميع عن التنافس الشرس بين الفرقاء الأفغانيين المنجرين لتملك مقاليد الحكم ولو دمويا، ولهذا من غير المرجح أن ينتهي الاقتتال في أفغانستان في أي وقت قريب والدليل هو الهدنة الهشة التي وضعت لها طالبان حدا مواصلة عملياتها ضد حكومة كابول؛ هذه الأخيرة أعلنت انها غير ملزمة ببنود الاتفاق وترفض إطلاق سراح السجناء المحسوبين على الحركة الجهادية المتمردة، ربما أمريكا كما يعتقد دعاة السلام خسرت الحرب منذ أن اختارت أن تستقر سعيا لتحقيق أهداف سياسية دولية أكبر من أن يتحملها بلد قبلي عصبي صغير كأفغانستان وهي، منذ البداية، لم تحسب جيدا كيفية دفع تكاليف تحقيق ذلك وبأي ثمن.

   undefined

  

لم تنجح إذن في استنبات ديمقراطية من مقاسات فصلتها خصيصا باليات عسكرية تعمل تقنيا بالأساليب الحربية القاتلة في المشط والتطويق الأمني على الأقدر ضحت بمزيد من الجنود الأمريكيين المتطوعين ووسعت مزيدا من دائرة معاناة المدنيين المحاصرين بوعورة الطبيعة وبويلات الاقتتال الداخلي، ولم يدرك الرأي الأمريكي هذه المأساة الا مؤخرا بعد أن تم نشر روبرطاجات وتقارير كثيرة في عدة منابر مهنية ذات مصداقية أكيدة في جلب وتوثيق المعلومة كشفت أن صانعي السياسة في إدارات واشنطن كانوا يحملون باستمرار وجهة نظر سرية أكثر تشاؤماً بشأن الحرب الأفغانية مما أقروه من قبل على الملأ.

 

فلقد تم عرض صور وردية وخطة ايجابية للشعب الأمريكي من قبل القادة العسكريين والسياسيين الذين يعرفون أن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا. طوال الحرب الأفغانية، تظهر الوثائق أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين لجأوا إلى تكتيك قديم استخدموه اعلاميا في حرب الفيتنام: التلاعب بالرأي العام لكسب الدعم من أجل تمديد فترة التواجد العسكري خارجا.

 

هناك من يرى أن الاجراءات للحد من تدفق الموارد المالية لتمويل الإرهاب كافية لإعاقة قدرات منفذيه على الضرب وبالتالي يمكن أن تستمر في تقوية هذا الردع المالي دون وجود عسكري في منطقة التوتر، ويشعر المناهضون لهذه الفكرة بالقلق من أن انسحاب القوات الأمريكية سيحول دون جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان وغيرها من المناطق ومع ذلك يؤكد السلميون المتفائلون بتوقيع اتفاقية الهدنة ان الاستراتيجية الحالية المتمثلة في البحث عن أعضاء مصنفين إرهابيين واغتيالهم ليست فعالة بشكل خاص ضد الجماعات بقدر كونها تقوي الطلب على الالتحاق بهم وتكثف من العمليات المضادة للتواجد الأمريكي في الأراضي الأجنبية.

 

ويخطؤون بالجملة ان التدخلات العسكرية هي أفضل وسيلة لتحقيق مصالح أمريكا بل يعتقدون ان التعاون الدبلوماسي والاستخباراتي مع البلدان المتاخمة لأفغانستان يمكن ان يساعد مثلا في احتواء الجماعات المصنفة ارهابية ومنع قدرتها على التحرك والتنقل خارج المنطقة، إضافة إلى ذلك، يعد الوجود العسكري الأمريكي نفسه أحد أكبر مثبطات السلام في أفغانستان، حيث تعتمد طالبان التي لا تحظى بشعبية على نطاق واسع على الحرب ضد الاحتلال الأجنبي كمصدر رئيسي لشرعيتها.

 

فهل سيغير الاتفاق بين أمريكا وطالبان الوضع نهائيا على ارض الواقع ويضع حدا للوجود العسكري الأمريكي بالانسحاب نهائيا أم أنها بداية الاستراتيجية الامريكية الجديدة التي لوح لها الرئيس الأمريكي ترمب حين صرخ متى ينبغي الانتهاء من هذه الحروب السخيفة التي لا تنتهي!؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.