شعار قسم مدونات

نحن وتركيا وصولا إلى شباط 2020م

blogs الجيش التركي

لطالما تطلع الشعب السوري المكلوم إلى مواقف حقيقية مترجمة بفعل على الأرض من قبل المنظومة الدولية أو الإقليمية أو من قبل الدول التي سميت بالصديقة أو الحليفة، ضد الآلة الهمجية التي اعتمدها النظام ومن ثم داعموه الإيرانيون والروس ولكن وللأسف لم يتحقق ذلك، وكان مأساوياً ترك الشعب يلقى مصيره وحتفه طوال السنين الماضية بعد أن تم التخطيط بمكر ودهاء شديدين للحيلولة بينه وبين تلقيه الدعم الحقيقي اللازم الذي يستطيع من خلاله بالفعل إيقاف وحشية حلفاء النظام والنظام، ورغم كل القصف الوحشي والهمجي طوال السنوات السابقة لم يتح للشعب ولو بضعة صواريخ مضادة للطائرات الحربية تمنع الطيران من قصف الأبرياء ليل نهار.

 

تم إشغال كل دولة بملف أو ملفات ليجد الثوار أنفسهم بعد زخم من تصريحات الدعم والتأييد مع بدايات الثورة، يقفون في الميدان وحدهم وجهاً لوجه أمام آلة الفتك الروسية التي استقدمها النظام ضد شعبه. وبعيداً عن الدخول في تفاصيل ما شغل كل دولة ادعت ابتداء أنها صديقة، وبعيدا عن كون عذرها مقبولاً أو غير مقبول، وبعيدا عن الحقيقة التي اتضحت مع الوقت بأن البعض كانت غايتهم إبقاء الصراع وإطالة أمده وتغذية جميع الأطراف بما لا يرجح كفة على أخرى بغية إضعاف الجميع والانقضاض عليهم جميعا لتحقيق مصالح خاصة على حساب الدم وعلى أنقاض البيوت، إلى غير ذلك من السياقات التي يطول ويطول الحديث عنها، يبقى الواقع هو الواقع والنتيجة كانت ما شهدناه من تقهقر وتراجع وقتل وتهجير حتى حشر الرافضون للنظام والمهجرون قسريا من مناطق سوريا جميعا في منطقة ضيقة ضمن إدلب وريف حلب قريباً من الحدود التركية.

 

المهم هو أنه وللأسف لم يحترم الروس والإيرانيون اتفاقيات وقف إطلاق النار التي أبرمت عبر الأستانات المتكررة على الإطلاق، ومنذ بدء الإعلان عن هذه الاتفاقيات كان السؤال المحير هو: كيف سيراقب وكيف سيرد الطرف الضامن الآخر – وهم الأتراك – على الخروقات

وبعيداً أيضاً عن مواقف بقية الدول فإنه ومنذ البدايات قد انتظر الكثيرون ولزخم التصريحات التي كانت تصدر عن تركيا أن يصل الأمر إلى حد تدخلها العسكري ضد النظام الذي تجاوز خطوطاً حمراء وضعها الاتراك منذ البدايات، ليتضح فيما بعد أن الأمر والظروف أعقد من ذلك بكثير، ليصبح الموقف والدور التركي موضع جدل واسع. هل شأنها كشأن الكثيرين غيرها تتعامل مع الملف من منطلق مصلحي بحت؟ هل استغنى الأتراك نهائيا عن الشعب السوري واقتصروا على ما تقتضيه مصلحة الأمن القومي التركي وحسب، أم كل ما نراه من أدائهم يأتي في سياق محاولاتهم التوفيق بين ما وعدوا به السوريين وبين مصالحهم؟ هل كان بمقدور الأتراك أن يقدموا أكثر مما قدموه ولم يفعلوا؟ أم أن الفلك الذي دارت به سياساتهم وتحركاتهم الدبلوماسية والعسكرية كان سقف ما يستطيعون القيام به؟ هل الدور التركي بالفعل إلى هذا الحد مقيد ومكبل؟

 

سأقفز في التعليق على الأحداث لزخمها وكثرتها مباشرة لأذكر بمعركة درع الفرات في العام 2016 حيث كان أول دخول عسكري تركي من نوعه على الأرض، ولكنه لم يكن كما اشتهاه الكثيرون من الثوار منذ البدايات، ضد النظام، بل كان ضد داعش، ودار حينها جدل كبير حول توصيف هذا الدخول وتقييمه وحول الموقف من قتال الفصائل الثورية حينها إلى جانب تركيا في معركة ليست ضد النظام، في وقت كانت هنالك حاجة لصد النظام في مناطق أخرى، وهذا أيضا ما له تفاصيله التي يطول شرحها وقدمت له مبررات ليس هنا موضع الحديث عنها ولكني أذكر به كحدث هام في سياق السنوات السابقة لدى الحديث عن الدور التركي.

 

ثم لأقفز أيضا وأذكر بسلسلة لقاءات أستانة بين الأتراك والروس والإيرانيين كأطراف ضامنين وما تمخض عنها من اتفاق على مناطق خفض التصعيد، وهو ما ولد استياءً من قبل الكثير من السوريين كون هذا المسار جعل تركيا تضع يدها في يد قاتليهم، مع وجود أطراف من الفصائل ضمن هذه اللقاءات دون معرفة الدور الحقيقي المناط بهم، وفي وقت كان المسار المعترف به دولياً هو مسار القرارات دولية وجنيف، وبالطبع للأتراك مبرراتهم وحساباتهم الإقليمية والدولية وقناعات متعددة توصلوا إليها بعد سنوات من الثورة السورية، وبعد العديد من لقاءات جنيف التي لم تسمن ولم تغني من جوع، ، وبعد التشرذم الذي كان على الأرض.

 

المهم هو أنه وللأسف لم يحترم الروس والإيرانيون اتفاقيات وقف إطلاق النار التي أبرمت عبر الأستانات المتكررة على الإطلاق، ومنذ بدء الإعلان عن هذه الاتفاقيات كان السؤال المحير هو: كيف سيراقب وكيف سيرد الطرف الضامن الآخر – وهم الأتراك – على الخروقات، بل كيف سيكونون طرفاً ضامناً في المناطق التي يتم الاتفاق عليها دون وجود لهم على الأرض مقابل الوجود الإيراني الروسي، وخاصة في الغوطة الشرقية أو في ريف حمص. لماذا لم يكن الرد التركي ملائما لمستوى الانتهاكات التي كانت من الطرف الروسي والإيراني للاتفاقات، حتى بلغت حد التهجير القسري لأهالي الغوطة الشرقية وريف حمص ودرعا؟ مع التذكير بأن تهجير الغوطة الشرقية كان متزامناً تماماً مع انشغال الأتراك وقوى ثورية في ريف حلب بمعارك غصن الزيتون مع بدايات العام 2018.

 

وفي نهاية المطاف بقي من مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها ضمن سلسلة اجتماعات أستانة فقط منطقة إدلب، طبعا بالإضافة إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، بعد أن انتهك الروس والإيرانيون المناطق الأخرى. وما تبقى أصبح المعقل الأخير لكل الأحرار الذين رفضوا الخضوع للنظام. وكان اتفاق جديد بخصوص إدلب عرف باتفاق سوتشي. وكالعادة لم يحترم الروس والإيرانيون ولا النظام الاتفاق فكان الهجوم على منطقة خان شيخون ثم الحملة الهمجية على مناطق شرق وغرب استراد دمشق – حلب (استراد M5) واحتلال مناطق خارج الحدود التي رسمها سوتشي الذي اتفق عليه الروس مع الأتراك. ويمكن تلخيص ماحدث بخصوص سوتشي بما يلي:

1- تم إقرار اتفاق بين تركيا وروسيا بتاريخ 17 /  4 /2018 م عرف باتفاق سوتشي تضمن إقرار وجود نفاط مراقبة تركية في إدلب ودوريات مشتركة بين روسيا وتركيا في المنطقة وفتح طريقي M5, M4 الدوليين.

2- على خلاف مناطق خفض التصعيد السابقة، فإن منطقة إدلب تضمنت نقاط مراقبة تركية، وتكررت رسائل الطمأنة للسكان من قبل هذه النقاط بأنها وجدت لحمايتهم من بطش النظام، وبالتالي عليهم أن يكونوا مطمأنين.

3- المفاجأة كانت عندما اقتحم النظام مدعوما من قبل الروس والإيرانيين مناطق واسعة تتضمن نقاط مراقبة تركية دون أن يعير لوجودها انتباهاً أو اعتباراً.

4- المفاجأة الأخرى كانت بقاء هذه النقاط في مكانها بعد دخول النظام ليصرح الأتراك بأنها باقية والروس بأنها لن تمس والنظام بأنها محاصرة!

 

ونذكر بأنه:
– طوال سنوات الثورة لم يحصل اشتباك أو معارك تذكر بين نظام الأسد والجيش التركي وكان التوافق مع الروس دائماً حائلاً دون حدوث ذلك، فضلا عن القيود والضوابط الدولية التي منعت منذ البدايات أي تدخل عسكري تركي ضد النظام.

– تدخل الأتراك على الأرض عسكرياً إلى جانب القوى الثورية طوال السنوات السابقة ما قبل شهر شباط من العام 2020 كان ضمن معارك درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، ضد قوات داعش وقوات قسد التي تعتبر قوات ال بي كي كي عمادها الأساس والمصنفة إرهابية لدى تركيا.

 

مع تقدم النظام باتجاه معرة النعمان في شهر كانون الثاني 2020 بدأ عدد نقاط المراقبة التركية التي تصبح ضمن نطاق سيطرة النظام يزداد، وبدأت التصريحات التركية بمطالبة النظام بالرجوع والالتزام ببنود سوتشي، ولكن دون جدوى. وكانت نتيجة الحملة الأخير للنظام وروسيا وإيران نزوح عدد هائل من السكان فراراً من القصف ومن بطش النظام والروس في تلك المناطق من ريف إدلب وريف حلب الغربي، وذلك ضمن الفترة الماضية من الشهر الحادي عشر من العام 2019 وحتى لحظة كتابة هذا المقال.

 

لم تفلح لقاءات حصلت بين وفدين روسي وتركي، في كل من أنقرة وموسكو في وصول الطرفين إلى اتفاق يتفادى الصدام العسكري بين تركيا والنظام. ثم لتبدأ وتيرة الهجمات العسكرية التركية ضد أهداف ومناطق سيطرة النظام بالازدياد تباعاً

نتيجة العرض السريع لسياق الأحداث الذي سردناه سابقاً يمكن تلخيص الانطباع المتشكل لدى الكثيرين في صفوف الثورة والثائرين في سوريا عن تركيا قبل شباط بما يلي:
-لها الفضل في احتواء عدد كبير من اللاجئين السورين وإيوائهم في وقت هجرهم فيه نظامهم عنوة من أرضهم وبلادهم.
– لها الفضل في الموقف السياسي المستمر طوال سنوات الثورة إلى جانب السوريين، ولو بالحد الأدنى بالكلمة.
– مآخذ تتعلق بوضع يدها بيد قاتليهم في روسيا وإيران.
– مآخذ تتعلق بتوجيه شرائح من حاملي السلاح ضد النظام، ضد غير النظام، عبر معارك استطاعت من خلالها تركيا أن تدخل بجانبهم على الأرض، في الوقت الذي لم تدخل فيه إلى جانبهم ضد النظام، وذلك مع تفاوت في إدراك حيثيات ذلك وأسبابه وتدرج في المستويات من مبرر تبريراً تاماً إلى معترض على هذا النهج اعتراضاً تاماً غير مقتنع بما يتحدث به المبررون.
– مآخذ تتعلق بعدم القدرة على إبداء أي حراك حيال الاختراقات المتكررة بل النسف المتكرر لما تم الاتفاق عليه مع تركيا، وهو ما يعكس تنازلات كبيرة قدمت على مراحل من قبل تركيا في الملف السوري.
– مآخذ تتعلق بانتهاك النظام وروسيا للاتفاق في إدلب وقصف المدنيين على مرأى ومسمع نقاط المراقبة التركية دون أن تحرك النقاط ساكناً وهو ما جعل سؤالاً يطرح بشكل متكرر حول الدور الحقيقي المناط بهذه النقاط بالفعل.
– مآخذ تتعلق بوصول الأمر إلى حد اجتياز النظام لنقاط المراقبة التركية.
– التخوف من اقتصار الدور تركيا على ما يقتضيه اتفاق أضنة وحسب.

 

إلى غير ذلك من الانطباعات التي يمكن الحديث عنها والمختلطة ما بين الإيجابية والسلبية والتي كان لها أثرها وتأثيرها على الأرض وعلى الروح المعنوية وعلى تحديد الوجهة الصحيحة التي ينبغي على الثورة أن تنحوها في وقت باتت تحتاج إلى تفسيرات للكثير من المواقف ممن تعتبرهم أقرب الحلفاء.

 

مع دخول شباط 2020:

في الثالث من شباط 2020م وفي سابقة غير اعتيادية أبداً، استهدف النظام جنوداً أتراك في منطقة إدلب، وأعقب ذلك رد عسكري باستهداف مواقع للنظام من قبل تركيا، وهو أيضا حدث غير عادي، ثم كان تقدم النظام إلى منطقة سراقب حيث وجدت فيها أيضا نقطة مراقبة تركية كانت قد أحدثت مؤخراً، ليتكرر استهداف النظام لنقاط  تركية، ثم لتستمر اللهجة التركية في التصاعد ضد النظام بمعركة تركية مالم يتراجع النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، ثم لتأتي في السياق تصريحات الرئيس التركي التي تمهل النظام حتى نهاية شهر شباط لينسحب إلى حدود سوتشي.

 

ولتبدأ وتيرة التعزيزات العسكرية التركية في المنطقة بالتزايد تباعاً، وتظهر وقائع على الأرض من الفعل ورد الفعل بين الجانبين، بما في ذلك إسقاط طائرتين مروحيتين للنظام لطالما أسقط منهما ومن غيرهما حمم البراميل المتفجرة على رؤوس الناس الأبرياء، وكانت الفصائل الثورية تبنت إسقاط المروحيتين بينما اتهمت روسيا إحدى النقاط التركية بذلك، إلى جانب تصريح الرئيس التركي في اليوم الثاني عشر من شباط بأن طيران النظام لن يحلق بحرية بعد اليوم.

 

لم تفلح لقاءات حصلت بين وفدين روسي وتركي، في كل من أنقرة وموسكو في وصول الطرفين إلى اتفاق يتفادى الصدام العسكري بين تركيا والنظام. ثم لتبدأ وتيرة الهجمات العسكرية التركية ضد أهداف ومناطق سيطرة النظام بالازدياد تباعاً. ولتبدأ الهجمات المعاكسة للجيش الوطني مدعوما من قبل الأتراك ليتم تحرير منطقة النيرب ثم آفس القريبتان من مدينة سراقب ثم ليتم بتاريخ 27/ شباط استعادة مدينة سراقب عقدة التقاء الطريقين الدوليين M4 وM5 ثم لتصبح المدينة متنقلة السيرة بين الجانبيين تارة مع النظام وتارة مع الجيش الوطني السوري جراء المعارك. وليتم استهداف تجمع للجيش التركي أسفر عن استشهاد 33 جنديا تركياً، مما زاد الأمور حدة.

 

وليبدأ المشهد بالانعكاس من تقدمات متتالية لميليشيات روسيا وإيران والنظام، إلى تقدم للجيش الوطني مدعوما من قبل الأتراك، ولتبدأ الانطباعات عن الدور التركي بشكل أكثر إيجابية وهو ما كان واضحاً تماماً على الأرض وعلى الوسائل التواصل الاجتماعي، حيث الحديث عن وحدة الدم واختلاطه على الأرض السورية وعن فخر الصناعة التركية طائرة الاستطلاع التركية البيرقدار والتي جعلت السوريين وللمرة الأولى منذ تسع سنوات يدعون لطائرة عسكرية في السماء. إذا بذلك تكون أحداث شباط / 2020 نقطة تحول جذرية في أداء تركيا على نحو هو أقرب لما كانت تشتهيه سفن الثورة السورية منذ سنوات من خلال ما يلي:

يخشى الكثيرون من أن تنكسر قواعد الحدود والاتفاقيات التي رسمتها الاتفاقيات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وعندما نتكلم اليوم عن قتال الجنود الأتراك إلى جانب الجنود السوريين فلا شك بأن ذلك يعني كسر شيء من هذه القيود

على الصعيد السياسي: إنها المرة الأولى في تاريخ الثورة السورية التي وصلت فيها تركيا إلى نقطة استطاعت فيها التدخل العسكري إلى جانب الجيش الوطني السوري ضد النظام، وذلك عندما وصل الأمر إلى حد يمس وبشكل خطير أمنها القومي، ذلك الحد الذي على الصعيد الداخلي في تركيا لا يمكن للمعارضة التركية أن ترفض التدخل عنده، وهي التي تتربص بالحزب الحاكم أي زلة يمكن من خلالها أن تهيج الشعب ضده، وعلى الصعيد الخارجي تستطيع عنده تركيا إقناع الناتو وأمريكا ولو بشيء من التدخل بما يحقق مصالحهم المتمثلة بعدم تمكين روسيا وإيران من ادعاء تحقيقهما نصرا كاملا في الملف السوري، وبالتالي هي نقطة التقاء مصالح لم تحظى بها الثورة السورية من قبل.

على الصعيد الميداني: للمرة الأولى منذ تسع سنوات تقاتل دولة بجيشها المنظم وعتادها إلى جانب الفصائل على الأرض ضد النظام، إذ ليس حدثاً عابراً أن تحظى قوات الجيش الوطني السوري بمكتسب كهذا، ضد النظام الذي استعان بكل شيء بحزب الله وبالإيرانيين جيشا وميليشيات وبالروس جيشاً وشركات وبالعراق جيشاً وميليشيات، وبالمرتزقة الأفغان وغيرهم ضد الشعب الذي ترك يلقى حتفه، اللهم إلا قليلاً من العتاد الذي قدم له في البدايات بما لا يقلب موازين المعارك.

 

على الصعيد العملياتي: طوال السنوات الماضية لم تستطع الثورة أن تفرز قيادة واحدة، وكانت الويلات نتيجة أزمة القيادة، ولم تستطع الثورة أن تملك جهازا استخباراتياً يرتقي للمستوى المطلوب مقارنة بالأجهزة الرسمية التي لها قدراتها وطاقاتها وتراكميتها وعلاقاتها، فكانت الويلات نتيجة الانكشاف والاختراقات الأمنية، إلى غير ذلك من الطامات والعقبات طوال السنوات الماضية، وعندما نتكلم عن دخول الجيش التركي على مسرح العمليات فهذا معناه القدرة على تلافي كثير من الخلل الذي نتحدث عنه.

على صعيد الطيران: كان لحادثي إسقاط الطائرتين المروحيتين دورهما المحوري في الحد وبشكل كبير إن لم نقل بشكل نهائي من دور الطيران المروحي المحمل ببراميل الحمم المتفجرة في المعارك الجارية وضد المدنيين ومن عاش حياة القصف بهذه البراميل يدرك تماماً معنى ان توجد طريقة تلجم هذه الطائرات، مع التنويه إلى أنه في الوقت الذي كان فيه الناس مبتهجين لتحييد الطائرتين المروحتين وطياريهما عن الساحة وإيقافها عن رمي البراميل المتفجرة على رؤوس الناس كانت الغصة تنتابهم والحرقة من جراء تركهم طوال السنوات الماضية تحت القصف الهمجي دون أن يسمح بتزويدهم بهذه الأنواع من السلاح ليحموا بها أطفالهم ونساءهم من الموت تحت الأنقاض، ومع التنويه إلى أنه في الوقت الذي أعدت فيه هذه الكلمات كانت لا تزال وسائل الإعلام تتناقل تصريحات الأتراك بخصوص طلبهم من الناتو تحريك بطاريات الباتريوت وعدم وجود جواب بعد وهو الأمر الذي يعني فيما لو  تحقق إمكانية منع الطائرات الحربية أيضا من المشاركة وليس المروحية وحسب، ويتداول الحديث أيضا عن دخول منظومة تركية مضادة للطائرات ذات مدى قريب إلى منطقة إدلب.

 

على الصعيد التاريخي: يخشى الكثيرون من أن تنكسر قواعد الحدود والاتفاقيات التي رسمتها الاتفاقيات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وعندما نتكلم اليوم عن قتال الجنود الأتراك إلى جانب الجنود السوريين فلا شك بأن ذلك يعني كسر شيء من هذه القيود، وطبعا هنا لا أسرح في الخيال فبالتأكيد يبقى ذلك اليوم مرتبطاً بما تسمح به الظروف الدولية والذئاب التي تتربص هنا وهناك بالإضافة للقدر الذي يريده الأتراك أنفسهم، الذين مع بداية الحديث عن احتمالية معركة عسكرية بدأوا يذكرون الحديث عن حرب الاستقلال، ويستذكرون جنود معركة جناق قلعة الذين كانوا من سورية إلى جانب إخوانهم الاتراك ضد قوات الحلفاء عام 1915م.

 

بغض النظر عن الآراء المتنوعة والمتعددة من الموقف والدور التركي بين شرائح العاملين في صفوف الثورة، ولكن لا يمكن إنكار العناصر التي وجدها المقاتل على الأرض عندما أصبح جنباً إلى جنب مع الجيش التركي. لسنا أناساً فاشلين ولكنا لم نلق من الآخرين ما نستحق ونحن ناجحون نجاحاً باهراً أن وصلنا إلى هنا رغم كل الكيد الذي كيدت به ثورتنا. ولذلك يأتي حديثنا اليوم عن هذه النقاط التي يؤمنها اليوم دخول الجانب التركي إلى جانبنا فعلياً على الأرض، من باب الواقعية وليس من باب إظهار أننا لا شيء، ولا من باب حب تسليم قرارنا للغير. كل من عايش السنوات السابقة على الأراضي المحررة يعي تماما الإيجابيات التي أذكرها، وأنوه إليها، والآلام التي عانيناها من قبل. ستبدي الأيام القليلة القادمة أياً من السناريوهات التي يتم الحديث عنها سيتحقق سواء المضي في الخيارات العسكرية أو الركون إلى خيارات سياسية دبلوماسية، ولكن أعتقد أنه سيبقى شهر شباط من العام 2020 نقطة تحول هامة بالنسبة إلينا في الثورة السورية في مسار الأحداث، ولا أظن أن ما بعد شباط سيكون كما قبله بإذن الله تعالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.