شعار قسم مدونات

ترامب وصراع "الاستابلشمنت" الأمريكية!

blogs ترمب

يوجد في الإنجليزية مثل يقول إنّ الشيطان الذي تعرفه خير من الملاك الذي لا تعرفه، وهذا المثل يرمز إلى حرص رجال المؤسسات القائمة وأهلها على المحافظة عليها بدلاً من التغيير الذي قد لا تحمد عقباه. طبعاً مناسبة ذكر هذا المثل هو الحديث عن الصراع الدائر بين ترامب الذي أعلن منذ ترشحه للرئاسة عن رغبته بتغيير الاستابلشمنت وبين الاستابلشمنت الأمريكية، الذي يشير إلى النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي القائم في الولايات المتحدة الأمريكية بكل ايجابياته وسلبياته، وهو بذلك يشمل نظام الدولة وأهل الحكم وسلطات الحكم والأحزاب القائمة والوسائل المقبولة أو المرفوضة التي تجري عليها اللعبة السياسية، أي أنه يشير إلى مجمل الطبقة السياسية والمؤسسات السياسية وغير السياسية الفاعلة في السياسة الأمريكية والتي تشمل الأحزاب واللوبيات والمؤسسات والإعلام ومراكز الدراسات والشركات الكبرى وغيرها.

منذ حملته الانتخابية السابقة التي أوصلته إلى البيت الأبيض عام 2016، أعلن ترامب صراحة بأنه عازم كل العزم على تغيير الاستابلشمنت في واشنطن، أي تغيير المعادلة القائمة بين السلطة والدولة، الأمر الذي أدى إلى صراع شديد طالت نيرانه مؤسسات راسخة في السلطة السياسية الأمريكية كالسلطة التشريعية ووزارت سيادية في السلطة التنفيذية إلى جانب السلطة الرابعة التي نالت قدراً كبيراً من انتقادات ترامب ولمختلف الأسباب.

رغم انشغال الحزب الديمقراطي الأمريكي باختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة والذي سينافس ترامب، إلا أن الحزب ما زال يقود حربه في الكونغرس ضد الرئيس الأميركي

فالخطاب الذي قدّمه ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض ضرب على أوتار كثيرة مشتركة، لاسيما انتقاده المستمرّ للمؤسّسة السيادية الأمريكية الاستابلشمنت، ومنذ ذلك الوقت بدأت المواجهة المفتوحة بين ترامب وبين الاستابلشمنت الأمريكية من السياسيين والإعلاميين والقضاة وكذلك الحراك الشعبي الذي خاضته النساء بعد يومين فقط من استلامه المنصب وأدت إلى وقف قراره التنفيذي الخاص بحظر دخول مواطني سبع دول مسلمة.

كما جسد ترامب منذ ذلك الوقت إلى وقتنا الراهن نمط جديد من الإدارة يحكم بها الولايات المتحدة الأمريكية فوق المؤسسة السياسية، وفوق الأعراف والتقاليد السياسية، وأحدث تغيّرات كبيرة ومهمّة، شكّلت ومن دون شك صدمة وانقطاعاً لما استقر عليه الحكم في أقوى دولة في العالم. هذا النمط الجديد من القيادة اتسم بالارتجال والديماغوجية، وجاء مستنداً على عدائه وهجومه على المؤسسات والنخبة التقليدية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، متخطياً نظام الثنائية الحزبية، وقافزاً على الأعراف والتقاليد السياسية التقليدية ليؤسس لمرحلة ثلاثية تعبّر عن أفكار اليمين الشعبوي المتطرف، في مواجهة اليمين التقليدي المحافظ، الذي يمثله الحزب الجمهوري، واليسار التقدمي الليبرالي، الذي يمثله الحزب الديمقراطي.

فما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من سجالات ومناكفات سياسية وخاصة بين الحزبيين الجمهوري والديمقراطي خير مثال عن الطريقة التي تسير فيها الأمور في الاستابلشمنت الأميركية، حيث بلغ الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين أشده، وحاول الديمقراطيين مرت عدّة النيل من ترامب بدءاً من إشكالية "روسيا غيت"، التي حاولوا فيها جاهدين اتهامه بالعمالة لروسيا، مروراً بقضة عزله من الرئاسة بتهم عرقلة عمل الكونغرس وسوء استغلال السلطة انتهاءً بإصدار مجلس النواب الأمريكي تشريعاً يحد من قدرة ترامب على اتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران بدون الحصول على موافقة الكونغرس.

وبالتالي ورغم انشغال الحزب الديمقراطي الأمريكي باختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة والذي سينافس ترامب، إلا أن الحزب ما زال يقود حربه في الكونغرس ضد الرئيس الأميركي، وما القرار الذي أقره مجلس النواب الأمريكي ذو الأغلبية الديمقراطية ومجلس الشيوخ الأمريكي ذو الأغلبية الجمهورية والذي يحد من صلاحيات الرئيس لإطلاق عمليات عسكرية دون موافقة الكونغرس خير دليل على ذلك. وعليه يمكن القول إن ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية يمكن ادراجه ضمن إطار الصراع الداخلي بين حمائم الحزب الجمهوري وصقوره، والذي يظهر بوضوح في قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية.

ومن جهة أخرى يمكن إدراجه في إطار الرغبة المشتركة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس في إعادة النفوذ الدستوري للسلطة التشريعية على العمليات العسكرية بعد ان تخلت عنها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001. وعليه، يمكن القول أنّ ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من خلافات بين ترامب والاستابلشمنت الأمريكية هو خير مثال على كيفية تسيير الأمور في النظام السياسي الأمريكي والذي يشهد صراع النفوذ على مختلف المستويات، وخاصةً بعد تحالف الديمقراطيين مع وسائل الإعلام التي تعبر عما يُسمّى باليسار الليبرالي والذي بدأ بالتوسع داخل الحزب الديمقراطي ليشمل العديد من الفنانين والمشاهير الذين يروا في سياسات ترامب خروج عن الأعراف والتقاليد السياسية الأمريكية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.