شعار قسم مدونات

بعيدًا عن المحاصصة.. العراق إلى أين؟

blogs العراق

قد تكون المحاصصة هي السمة الأبرز للحكومات العراقية المتوالية خلال عقد من زمن تم فيه شرعنة أبواب الفساد المالي والإداري وسوء الخدمات وهدر ثروات البلاد أضف لها أسباب جوهرية آخرى أدت إلى سوء الأحوال العامة للمواطن كانتشار البطالة وسيطرة جهات متنفذة على الأموال والمناصب القيادية في الحكومة وبسط سيطرتها على كل شاردة وواردة داخل الوزارات والهيئات المؤسسات حتى سلطة القضاء لم تسلم من كونها جهة مستقلة وفق الدستور العراقي، ناهيك عن الصفقات والمشاريع الوهمية التي لم ترى النور سوى في ارتفاع ارصدة أصحاب المناصب وأتباعهم في البنوك خارج العراق، ومشاريع إستثمارية كفيلة بتبييض الأموال وفق الأطر القانونية السليمة.

السلاح المنفلت فوق القانون

في الأحوال السيئة التي يعيشها العراق وسط انتشار السلاح المنفلت بيد جماعات ومليشيات تمارس الخطف والاغتيال دون تدخل من الجهات المسؤولة والقوات الأمنية التي يفترض أن يكون لها السلطة العليا لحفظ أمن وسلامة العراقيين، يواجه المتظاهرين وكل من يملكون صوت حر لأبداء الرأي والتعبير كل يوم تهديدًا لحياتهم وأمنهم وسلامتهم الشخصية في حال كان لديهم رأي وسلوك مغاير لآراء حاملي الأسلحة.

الفرد العراقي بقي منتظرًا متأملًا خير من الحكومات والقادة الذين أثبتوا فشلهم في كل أزمة يعيشها العراقيين، إنتمائهم وولائهم الموجه نحو الخارج يتلقون الأوامر وعلى أساسها تمت المحاصصة السياسية بين الكتل حزمة تسويات ترضي المنتفعين من الساسة وتركن على جنب مصلحة العراق والعراقيين

جميعنا كنا شاهدين على عمليات الاغتيال التي طالت المتظارهين والناشطين والصحافيين وما زال العشرات منهم مغيبين ومصيرهم مجهول حتى اللحظة، جميع هذهِ الخروقات كانت علنية من قبل جهات معروفة للشارع العراقي والحكومة لكن سلطة السلاح فوق القانون والعرف والقيم الإنسانية. في استذكار سريع لما قامت بهِ هذهِ الجهات من جرائم دموية ضد الأبرياء كحادثة "السنك والخلاني" التي راح ضحيتها العشرات من الشهداء ومئات الجرحى تم خلالها أقتحام تجمع المتظاهرين السلميين العزل وقطع التيار الكهربائي عن المنطقة ودخولهم بسيارات لا تحمل لوحات مرورية، وارتكابوا أبشع الجرائم وبعد قرابة الساعتين من الكر والفر تدخل قوة تابعة لجماعات آخرى لإيقاف المعركة. مع هذا تمكن الملثمين من الانسحاب بسلاسة، فيما بعد حضرت القوات العراقية لتكون شاهد عيان ممنوع من التدخل وفق القانون! وحتى اللحظة لم يعرف الرأي العام من المدان بحادثة السنك والخلاني؟ وماذا توصلت لجنة التحقيق بخصوص هذهِ الحادثة؟!

العراقيات يكسرن التابوهات

لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة للمرأة العراقية في ساحات التظاهر التي لم تسلم من الخطف والتهديد. وإن كان رجالنا الصامدين زرعوا الخوف في نفوس المتشبثين بالسلطة والتبعية مرة، فالمرأة العراقية أخافتهم ألف مرة، والشواهد كُثر أثبتت أجيال من العراقيات في حضورهن خلال احتجاجات تشرين الدور المحوري الذي قادتهُ المرأة بمساواة إلى جانب الرجل من دون خوف أو انصياع لجميع انواع الترهيب والتهديد والتخويف التي مارستها السلطات في سبيل اخرج النساء بعيدًا عن رجالنا الأبطال في الساحات لكن لم يستسلمن وكان هنالك ثبات وأصرار في التواجد حتى إنهن نضمن مسيرة نسائية حاشدة تحت مسمى المسيرة الوردية ردًا على كل من حاول الطعن بهن ومنع تواجدهن. وإن تعمقنا في الدور الذي لعبتهُ المرأة العراقية على مدار ست أشهر مضت سنحتاج لمُجلد لسرد بطولاتهن إلى جانب رجالنا الشجعان في ساحات التظاهر.

ساعة الصفر بتوقيت الوطن

من الجدير بالذكر أن الفرد العراقي بقي منتظرًا متأملًا خير من الحكومات والقادة الذين أثبتوا فشلهم في كل أزمة يعيشها العراقيين، انتمائهم وولائهم الموجه نحو الخارج يتلقون الأوامر وعلى أساسها تمت المحاصصة السياسية بين الكتل حزمة تسويات ترضي المنتفعين من الساسة وتركن على جنب مصلحة العراق والعراقيين. مصالحهم الشخصية أولًا التي لم تتمكن خلالها جميع القيادات من العبور بالبلد نحو بر الأمان، وما زال الوضع قائم حتى اليوم بالرغم من كل التغيرات التي جعلت العراقيين على وعي تام أن الأحزاب والكتل والساسة الذي يتم تدويرهم لا يصلحون للإمساك بزمام الأمر.

حتى وصلنا لساعة الصفر عند نزول الشعب العراقي بطوائفه وإنتمائه للشارع مطالبًا برحيلهم وترك العراقي للعراقيين لأول مرة توحدت المطالب بحياة كريمة ووطن ذات سيادة وتوفير خدمات وقطاع صحي وتعليمي ينهض بالبلد ويتعين على قياداتهُ أن تركز جهودها لمكافحة الفساد وتكريس احترام الحقوق والحريات الأساسية مثل حرية التجمع والاحتجاج والتعبير دون قمع وقتل علني.

المحاصصة المتجذرة

منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة ٢٠٠٣ بعد الإطاحة بنظام صدام حسين هيمنت المجموعات الطائفية على الساحة السياسية العراقية. أدى تجذر السلطة فيما بين المجموعات الحاكمة إلى إحداث انقسامات في صفوف الشعب، وقُسم أبناء العراق إلى طوائف وجماعات مما أغرق البلاد في حرب أهلية سيطرت خلالها مجاميع تمارس القتل على الهوية والتهجير كل ذلك فسح المجال أمام الأحزاب السياسية لتهيمن على حيز أكبر من مجالات الحياة. وألقى ذلك بظلاله على كافة الأصعدة بدءًا من فرص العمل وصولًا إلى توزيع العقود الحكومية مما شكل أرضية خصبة لتفشي الفساد في الوزارات والمؤسسات.

قسم خلالها العراق وفق طاولات حوار ومصالح ما زالت تجري خلالها اجتماعات للتفاوض في سبيل تقسيم الكعكة على حكومة انتقالية يتوجب عليها العمل على آلية أجراء انتخابات خلال سنة واحدة كحد أقصى. حكومة لم تحظى بثقة او تأييد المتظاهرين ولا الشارع العراقي الذي قدم اكثر من ٧٠٠ شهيد وآلاف الجرحى ومبتوري الأطراف، بحسب المرصد العراقي لحقوق الإنسان. وبالرغم من كل ماتطرقنا إليه بشكل موجز وما لا يسع ذكرهُ هنا بقيت المحاصصة مهيمنة على الحكومة الانتقالية قيد التشكيل بعد ثورة خرجت لدحر المحاصصة وكل من يقودها في سبيل أن ينال الشباب وطنًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.