شعار قسم مدونات

كيف صنع وباء كورونا الوطن الذي نحلم به؟!

blogs كورونا

يعيش العالم اليوم تحديا تاريخيا ومنعرجا حاسما في تاريخ البشرية، يتمثل في وباء ظهر بداية العام في مقاطعة ووهان الصينية فصار يزحف في خفاء بين الأشخاص، وبعد أن كبر واستجد انتقل إلى مختلف دول للعالم عبر أفواج المواطنين العابرين للحدود الجوية والبحرية، ثم استقر في أوروبا وقضى على حياة العديد من الناس على حين غرة، لتبرز الحاجة الملحة إلى أبحاث علمية عاجلة قادرة على إنتاج لقاح يوقف هذا الزحف ويعيد الأمن والسلام للأرض..

على غرار مختلف دول العالم، لم يبق المغرب في منأى عن هذا الوباء، فبعدما اختار في بادي الأمر الإبقاء على حدوده مفتوحة في وجه القادمين من الخارج، تفاجأ بالعديد من حالات الإصابة بالفيروس، ما جعله يسارع إلى اتخاذ تدابير وخطوات احترازية من أجل محاصرة الوباء قبل أن يتفشى بين الناس، فأغلق حدوده البحرية والجوية وفرض الحجر الصحي على المواطنين، هذه التدابير والخطوات مكنت البلاد من إبطاء وتيرة انتشار كورونا، ما جعلتنا نسجل ملاحظات عديدة نذكر من بينها:

1- ذكاء اجتماعي في مواجهة الجائحة
جعلنا وباء كورونا نرى خيط أمل رفيع وبداية طريق نحو غد مشرق، إذ أن قدرتنا على التقدم والرقي والازدهار تتمثل في التحامنا ووعينا الجماعي وعملنا المشترك في سبيل إيجاد حلول لمشاكل وتحديات الوطن بعيدا عن المزايدات السياسية

منذ ظهور بوادر الأزمة أعلن المغرب إنشاء صندوق تضامني لمواجهة انعكاسات الوباء على الاقتصاد الوطني، ساهم فيه رئيس الدولة الملك محمد السادس ومجموعة من رجال الأعمال وكذا مؤسسات حكومية وأخرى خاصة، ما شكل مدخلا لعمل جماعي منظم ساهمت فيه مختلف القوى الحية، وأسس لوعي جماعي بخطورة الوضع وانعكاساته السلبية على الأفراد والمؤسسات، كما توج بمبادرات حكومية ومجتمعية مشتركة في سبيل احتواء الأزمة ووقف زحف الوباء في مختلف المدن والأرياف المغربية، هذا التلاحم الذي صنعه الوباء عزز قدرة الذكاء الاجتماعي للأفراد في إيجاد حلول مبدعة للتصدي لآثار الوباء وتداعياته على مختلف القطاعات الحيوية، إذ أن الذكاء الاجتماعي كما يعرفه الباحث الاجتماعي "هونيويل روس"، يعد حصيلة مجموع الوعي النفسي والاجتماعي والمعتقدات الاجتماعية والمواقف المتطورة والقدرات والإرادة لإدارة التغيير الاجتماعي، التغيير الذي تجسد في إيمان مختلف الفاعلين بوحدة المصير، وأسس لواقع تضافرت فيه جهود أبناء الوطن الواحد في سعيهم إلى وقف زحف الوباء على البلاد والعباد..

2- إعادة ترتيب للأولويات

من محاسن وباء كورونا هو قدرته على إعادة ترتيب أولويات الدولة والمواطن على حد سواء ووضعها في مكانها الطبيعي والسليم، ليتم بذلك إعادة الاعتبار لقطاعات ظلت تعاني في صمت لسنوات عديدة، هذا الواقع الجديد ساهم في ضخ أموال كثيرة في قطاع الصحة من أجل إعداده وتأهيله لمواجهة الوباء، وأعاد الاهتمام بقطاع التربية والتعليم ليساهم في ابتكار حلول تضمن استمرارية حق الولوج إلى التعليم لآلاف الطلبة والتلاميذ، هذا التحدي سيرفع من قدر العلم والعلماء باعتبارهم الطرف الوحيد القادر على إنقاذ حياة الناس من الزوال، سيقلل من شأن المغنيات والراقصات ولاعبي الكرة بعدما احتلوا صدارة المشهد لسنوات، سيرتاح العالم قليلا من صخب الحفلات، وتهريج السياسيين ونزوات الشواذ، سيختفي صانعوا اللهو والفناء، وستظهر ثلة من خيرة أبناء الوطن.. علماء وباحثون يبدلون جهودا مضنية في سبيل احتواء الأزمة، خبراء يقدمون للمواطن سبل الوقاية من العدوى، ومسئولون يعملون طوال اليوم، ثم يظهرون على شاشة التلفاز لبعث الطمأنينة في قلوب المواطنين بخبر مفرح..

3- خيط أمل نحو غد مشرق

جعلنا وباء كورونا نرى خيط أمل رفيع وبداية طريق نحو غد مشرق، إذ أن قدرتنا على التقدم والرقي والازدهار تتمثل في التحامنا ووعينا الجماعي وعملنا المشترك في سبيل إيجاد حلول لمشاكل وتحديات الوطن بعيدا عن المزايدات السياسية التي يدفع ثمنها المواطن البسيط.. لقد سأمنا فعلا ذلك الواقع المرير الذي يلخص الوطن في هيكل مشتت، ضعيف المؤسسات، قليل العلم والمعرفة، وطن تصارع أحزابه السياسية ونخبه في سبيل الوصول إلى السلطة والامتيازات وتنسى أمانة وضعها الشعب على أعناق قادتها لتنتشله من ضيق الفقر والحرمان إلى سعة الحقوق والكرامة والمساواة.

وطن يفنى شعبه بين أروقة المقاهي منتظرا ما ستؤول إليه نتيجة المقابلة وينسى نتيجة حياة بأكملها.. اليوم فتح المغرب صفحة جديدة من تاريخه يتجسد فيها دور الدولة كحاضن لآمال المواطن في التغيير نحو الأفضل، ويلعب فيها الأفراد دور الجندي المرابط، الواعي بمصالحه والعارف بعوامل تقدمه ونهضته والمستعد للمساهمة بأفكاره وجهوده لرؤية واقع أفضل، وطن مجيد، راية عالية وشعب سعيد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.