شعار قسم مدونات

"الطيران" في زمن الكورونا.. السماء عادت لأصحابها!

blogs طيور

كانت السماء منذ القدم فضاءاً فسيحاً للطيور، لا يقض مضجعها ضجيج محرك الطائرات ولا صوت قذائف، لكن مع اختراع الطائرة أصبحت السماء ملكية مشتركة بين الإنسان والطيور حتى جاء فيروس كورونا ليعيد الأمور إلى أصلها.

 

بجولة بسيطة على موقع Flightradar24 المتخصص في حركة الملاحة الجوية يظهر أن حركة الطائرات قد تراجعت في سماء معظم دول العالم، هي التي كانت كثيفة بشكل مستمر طوال 24 ساعة حتى ان خريطة العالم تكون غير مرئية بفعل حركة الملاحة الجوية.، أجبر فيروس كورونا المستجد العديد من البلدان إلى إغلاق حدودها وتوقيف حركة الطيران منها وإليها تفاديا لتفشي الوباء الذي أصاب ربع مليون إنسان، بمجرد إعلان قرار وقف حركة الطيران يتبادر إلى ذهننا أول القطاعات المتضررة وهي السياحة المرتبطة أساساً بشركات الطيران وحركة الملاحة الجوية .

 

حسب اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) يتوقع أن تخسر شركات الطيران العالمية ما يقارب 252 مليار دولار خلال السنة الجارية بسبب فيروس كورونا، هذه طبعاً إحصائيات تقديرية غير مضبوطة، حيث أن الرقم سيكون أكبر من ذلك إذا استمر الفيروس في الانتشار بنفس الوثيرة في جميع دول العالم، وإذا استمر قطع حركة الملاحة الجوية بين الدول ستضطر العديد من الشركات إلى إعلان إفلاسها وهناك من صارت على حافة الإفلاس الوشيك.

 

إفلاس "فلايبي" البريطانية

كانت شركة الطيران "فلايبي" من أهم شركات الطيران في المملكة المتحدة حيث تنقل سنويا ثمانية ملايين مسافر عبر 43 مطارًا، وبدأت أزمة الشركة منذ بداية العام مع تراجع المسافرين والمنافسة القوية مع بقية الشركات، ليصيبها فيروس كورونا في مقتل بعد التراجع الحاد في نسبة المسافرين، وعبرت الشركة من خلال موقعها الإلكتروني عن دخولها مرحلة الإفلاس وأنها أصبحت تحت الوصاية، كما انها أوقفت جميع رحلتها الجوية وبدأت تسريح موظفيها البالغ عددهم ألفي موظف، مصير شركة "فلايبي" ينتظر العديد من الشركات العالمية إذا استمرت الأزمة وفشلت في تدبير سيولتها المالية كي تتجنب هذه الكارثة.

   

    

"لارام" خسائر أسبوعية تهدد استمرارها

تعتبر شركة "الخطوط الملكية المغربية" الناقل الجوي الوحيد التابع للدولة وعرفت قبل أزمة كورونا هزات مالية كبيرة بفعل تراكم الديون وتراجع الأرباح ما استدعى الدولة المغربية الي القيام بتغيير جذري في هيكلتها الإدارية لتجاوز الأزمة، تتكبد "لارام" خسائر أسبوعية بقيمة 33 مليون دولار نتيجة توقيف المغرب لرحلاته الجوية خوفا من انتشار فيروس كورونا، وتعتبر إيطاليا التي أصبحت بؤرة للفيروس اكثر الوجهات التي كانت تتجه نحوها طائرات الخطوط الملكية المغربية بمعدل 57 رحلة أسبوعية في مدن إيطالية مختلفة (ميلانو.روما.البندقية…)،  بمجرد الإعلان عن بدء تفشي الفيروس في كل من فرنسا وإسبانيا أعلن المغرب عن وقف رحلاته مع هذين البلدين واللذان يعتبران أكثر الاتجاهات نشاطًا بالنسبة للمغرب بتواجد جالية مغربية كبيرة واستقطاب المغرب لأعداد كبيرة من السياح الفرنسيين والإسبان.

 

رغم التدابير الآنية التي قامت بها الشركة من اجل وقف نزيف الخسائر بخصم رواتب الموظفين والاستغناء عن المصاريف غير الضرورية وإجازات غير مدفوعة الأجر، رغم كل هذه الإجراءات سيصعب على الناقل المغربي الاستمرار إذا لم تقدم الدولة المزيد من السيولة المالية درءاً للإفلاس الذي يتربص بالشركة حتى قبل جائحة فيروس كورونا.

 

تختلف حجم الخسائر الاقتصادية من قطاع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، فبعد ان كانت الصين بؤرة الوباء والمتأثر الأول اقتصاديا واجتماعيًا أصبحت الآن تتعافى مع إعلان محاصرة الوباء وبدء الحركية التي توقفت من بداية السنة، لينتقل الوباء إلى دول الاتحاد الأوروبي وأبرزهم إيطاليا التي تسجل أكبر عدد للوفيات في العالم ثم فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الامريكية التي تجاوزت الصين في عدد الإصابات.

 

ويبقى مجال النقل الجوي الأكثر تأثرا من الأزمة الحالية التي ستجبر العديد من الشركات إعلان افلاسها إذا لم تتدخل الدول لدعمها ماليا، ما يجعل واقع الحال اشبه بأحداث 11 سبتمبر 2001 أو أكثر بكثير، لأن هذه الأخيرة ثم تجاوز تبعاتها سريعًا في حين أن أزمة الكورونا ستمتد لسنوات وربما تعيد ترتيب نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.