شعار قسم مدونات

حتى متى سنتباعد؟

blogs كورونا

في لمح البصر انقلبت حياة ثمانية مليار شخص رأسا على عقب بسبب فيروس كورونا والاجراءات التي تم اتخاذها للسيطرة عليه خاصة مع عدم وجود مصل أو علاج له وأصبح السؤال الشاغل الآن، إلى متى سنستمر هكذا؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتعرف أولا على معنى مصطلح التباعد أو الإبعاد الاجتماع Social Distancing الذي ظهر فجأة بعد انتشار فيروس كورونا وأدى لتغيير كوكب الأرض والعالم الذي نعرفه وربما للأبد كما يتوقع كثيرون إلا أن يشاء الله.

 

مصطلح التباعد الاجتماعي يعني علميا "اتخاذ إجراءات غير طبية لمكافحة العدوى غرضها إيقاف انتشار المرض المعدي أو تبطيئه. والهدف من الإبعاد الاجتماعي هو تخفيض احتمالية الاتصال بين أشخاص مصابين بالعدوى وبين أشخاص آخرين غير مصابين بالعدوى لتخفيض نسبة انتقال العدوى ولتخفيض الوفيات في آخر المطاف"، أي أن التباعد الاجتماعي هو ما يمكن أن نترجمه في حياتنا اليومية مؤخرا بترك مسافة آمنة بين كل شخصين ومنع التلامس والسلام والقبلات والأحضان ومنع التجمعات وهو المسؤول عن حملات خليك في البيت أو اجلس في منزلك وهو ما دفع الحكومات المختلفة لاتخاذ قرارات أكثر قسوة بإغلاق المساجد والمدارس والجامعات والنوادي والمقاهي والمولات ومعظم المصانع والمحلات وتعطيل معظم الأعمال ودفعنا لتغيير نمط حياتنا بالعمل والدارسة من المنزل، لمن استطاع لذلك سبيلا.

 

الخبر الجيد أن إجراءات التباعد خلال هذه الشهور لن تكون بنفس القسوة، فالتحليل يقترح أن يتم تخفيف الإجراءات عندما ينخفض عدد الإصابات والوفيات

إذن هل يقضي التباعد الاجتماعي على الفيروس؟ الإجابة بالطبع لا، ولكن الهدف منه هو السيطرة على انتشار الفيروس والحد منه وإعطاء الفرصة لإجراء الفحوصات لأكبر عدد من المواطنين خاصة المشتبه بهم ووضعهم في العزل المنزلي والحجر الصحي تحت المراقبة وتحديد المصابين بالفيروس وتسهيل متابعة من أحتكوا بهم لمحاصرة انتشاره وتخفيض عدد المصابين لأقل حد ممكن، وتشمل إجراءات السيطرة: العزل المنزلي وهو البقاء في المنزل لمن يظهر عليهم بعض أعراض المرض (7أيام )-الحجر الصحي المنزلي وهو البقاء في المنزل لجميع من يظهر عليهم معظم أعراض المرض (14يوما)-التباعد الاجتماعي وهي الإجراءات التي ذكرناها سابقها لتقليل الاحتكاك بين الناس خارج المنازل-عزل كبار السن فوق السبعين عاما لأنهم أكثر فئة متضررة- إغلاق المؤسسات المختلفة.

 

إذن يتضح من ذلك أن هدف التباعد الاجتماعي الوحيد هو الحد من عدد الإصابات والسيطرة عليها من أجل تقليل الضغط على النظام الصحي الذي يكافح بإمكانياته المحدودة من أجل الحفاظ على حياة المصابين بالمرض وتقليل الوفيات للحد الأقصى، وهنا نأتي إلى سؤال المليون دولار وهو ماذا بعد؟ إلى متى سيستمر التباعد الاجتماعي، وكم سنضطر للاستمرار في نمط الحياة المرعب هذا، دون خروج، دون ترفيه، دون تنزه، دون سفر، دون أصدقاء، دون حياتنا التي أعتدنا عليها، إلى متى يمكن أن نتحمل هذه الحياة القاسية، دعك من الجانب الاجتماعي، لكن بدون مصانع، بدون انتاج، بدون عمل سينتهي المخزون ويفلس الجميع وتنخفض البورصات وينهار الاقتصاد!

  

يجيب عن هذا السؤال البروفيسور نيل فيرجسون مدير معهد عبد اللطيف جميل لتحليل الأمراض والطوارئ في الأكاديمية الملكية في لندن بناء على نتائج التحليل الذي نُشر في التقرير التاسع لمنظمة الصحة العالمية لمركز تنميط الأمراض المعدية وأعده مركز تحليل الأمراض العالمية المعدية ومعهد عبد اللطيف جميل لتحليل الأمراض والطوارئ في الأكاديمية الملكية في لندن والذي اعتمد في بياناته على قياس معدلات انتشار المرض ووسائل مكافحته في الأيام الأخيرة.

  

يقول فيرجسون إن الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن ستحد من عدد المصابين وعدد الوفيات بمقدار النصف تقريبا وستقلل الطلب على الخدمات الصحية بحوالي الثلثين ولكن قد لا يكون هذا كافيا لتخفيف الضغط على القطاع الصحي ولهذا قد يتطلب الأمر الاستمرار في إجراءات التباعد الاجتماعي لشهور وربما حتى يتم التوصل للقاح ضد الفيروس (وهو ما قدره العلماء ستة شهور على الأقل من الوقت الذي يأذن فيه الله عز وجل باكتشاف لقاح فعال، وذلك من أجل التجربة و).

  

لكن الخبر الجيد أن إجراءات التباعد خلال هذه الشهور لن تكون بنفس القسوة، فالتحليل يقترح أن يتم تخفيف الإجراءات عندما ينخفض عدد الإصابات والوفيات (وهو ما تقول الصين إنها فعلته بالفعل في إقليم هوبي بعد أن قالت إنها سيطرت على المرض) وبالتالي يعود الناس إلى شبه حياتهم الطبيعية وتفتح المدارس والجامعات ومعظم الأعمال ووفقا للتحليل يمكن قياسه بعدد الحالات التي يتم ادخالها للرعاية المركزة، فطالما هي أقل من مائة حالة في الاسبوع فالإجراءات عادية، وعندما يقترب الرقم من مائة حالة يتم تشديد إجراءات التباعد الاجتماعي مرة أخرى والعودة إلى إجراءات الإغلاق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.