شعار قسم مدونات

ماذا لو أخبركم عن علاقة "داعش" بكورونا!

blogs كورونا

لوهلة أصبح الجميع يبحثون عن فيلم كونتاجيون كي يشاهدوه. هذا الفيلم الذي تدور أحداثه حول فيروس انتقل من الصين إلى أمريكا وكيف قتل الآلاف. ناهيك عن الذعر الذي أثاره في نفوس ملايين البشر حتى تم إيجاد مصل مضاد له بعد شهور. ولكن بينما تكلم الفيلم عن بعض التفاصيل بما يشبه الشرارة السريعة في كيفية تنامي وتفاقم الأحداث. ظهرت في حقبة تاريخية سابقة رواية خلدها التاريخ كواحدة من أعظم روايات المدونة الأدبية الإنسانية: إنها رواية الطاعون للكاتب الفرنسي ألبير كامو. وقد قطع النقاد بأن الطاعون المقصود في رواية كامو هو النازية الهتلرية. واليوم عندما يعيد التاريخ نفسه تأتي كورونا شكلا آخر من أشكال التحارب البيولوجي بين الإنسان والإنسان من جهة وبين الدولة والدولة من جهة أخرى. كورونا ربما قد تلهم الروائيين والقاصين بكتابة آثار عنها. وإن كان طاعون كامو يقصد به النازية، فكرونا بما سنشبهها.

 

الجواب بدرجة أولى كل طرف سعى إلى قتل الناس وترهيبهم وترويعهم.. ولعل العالم ما زال يحتفظ إلى اليوم في ذاكرته المكلومة بصور الإعدامات بالجملة التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بداعش كذلك المشهد المرعب لإحراق الطيار الأردني معاذ كساسبة حيا. كورونا أو داعش وجهان لعملة واحدة فكليهما يقتلان ببرودة دم وبلامبالاة في حق الإنسانية. وإن كان كوفيد19 مجرّد فيروس من عائلة الفيروسات التاجية ذلك أن كورونا في اللغة اللاتينية تعني التاج فإن داعش فيروس بشري يخرب جسد العالم والإنسانية. ولا تمثل هذه الرؤية إلا قشرة تفسيرية فوقية للحدث الكوروني بأبعاده المتداخلة مناعيا وطبيا وتكنولوجيا وحتى سياسيا إذا ما نظرنا إليه بوصفه نتاجا مختبريا مشوها لعصر سياسي يفتقر إلى الحكمة والرأفة وروح المسؤولية.

 

قد يبدو الجمع بين منظمة إرهابية كداعش وبين فيروس مجهري ككوفيد 19 أمرا غريبا في نظر البعض لكن بالنظر إلى فعل القتل البارد بينهما ستجد ذلك الرابط الخفي منطقيا لكنه ظاهر على أرض الواقع

إلا أن الملاحظة المجهرية للسلوك البشري اليومي المرتبط بانتشار هذا الوباء قد يستدعي الغوص إلى ما تحت تلك القشرة لالتقاط مشهد أفرزته سيكولوجيا الكوارث أكثر إثارة ومدعاة للتأمل والتفكر. إن هذه الأسئلة جميعها قد تلتقي أيضا مع الطرح القائل بأن فيروس كورونا من صنع البشر وهو داخل في إطار الصراع الجيواستراتيجي بين معسكر الشرق بقيادة الصين وروسيا وبين معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ومن نفس المنطلق أيضا داعش صناعة البشر أيضا، فهو صناعة امبريالية بامتياز.

إن نجاح كورونا وداعش في خلق نظرية صناعة الخوف قد دفعت إلى تحققات تجريبية كثيرة، فتشعبت مساراتها التنظيرية التي ظلت تتمركز حول فرضية أساسية مفادها أن معظم السلوك البشري يمكن تفسيره بوصفه محاولة لتجاهل أو تجنب حتمية الموت أي أن الدافع الأساسي المحرك لهذا السلوك هو دافع الخوف والهلع من الفناء التام، الذي يخلق قلقا شديدا وشعوري ولا شعوري لدى الناس يدفعهم أن يقضوا حياتهم محاولين أن يجعلوها ذات قيمة، عبر تعزيز الإحساس بأهميتهم واحترامهم لذواتهم وجدارتهم بالبقاء ليؤمنوا بأنهم يؤدون دورا مهما في عالم ذي معنى. فحضور هدف القتل المشترك بين فيروس مجهري وبين منظمة إرهابية يكمن في توفير الهدف والمعنى للموت والشعور بالقيمة الذاتية المهددة في أهم حق لها وهو حق الحياة. فكليهما يعتمد تكتيكا موحشا يهتم به هذا التنظيم الإرهابي وكذلك ينتجه فيروس كوفيد19 وهو إثارة روح الإحباط وتوفير فرص للموت المجاني وبث الهلع والرعب وتهديد السلم والأمن الاجتماعيين..

 

فيكفي اليوم أن تذكر اسم داعش أو كورونا على حد السواء حتى يثار الهلع والرعب في المكان وقد باتت الصور التي تظهر بعض المتاجر ذات الأرفف الخالية من المناديل الورقية وقوارير المياه وبعض السلع الأخرى شائعة في بعض بلدان العالم مثل أستراليا والصين وهونغ كونغ وبعض مناطق الولايات المتحدة وخاصة بعدما أعلنت ولاية كاليفورنيا الأمريكية حالة الطوارئ في الرابع من مارس آذار بعد تسجيل أول حالة وفاة في الولاية بسبب فيروس كورونا وبعد أن بلغ عدد المصابين فيها أكثر من 50 شخصا والحديث عن احتمالية إصابة حوالي 25 مليون شخص في المدينة.

 

في الختام قد يبدو الجمع بين منظمة إرهابية كداعش وبين فيروس مجهري ككوفيد 19 أمرا غريبا في نظر البعض لكن بالنظر إلى فعل القتل البارد بينهما ستجد ذلك الرابط الخفي منطقيا لكنه ظاهر على أرض الواقع وربما دموع رئيس وزراء إيطاليا في ردة فعله على انتشار الوباء قد لا تختلف عن دموع أي امرأة ثكلى جراء قتل ابن لها من قبل داعشي أو إرهابي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.